ماذا يحدث في العلاقات بين روسيا وأذربيجان؟

ماذا يحدث في العلاقات بين روسيا وأذربيجان؟

د. زياد منصور

          دخلت العلاقات بين روسيا وأذربيجان أزمة حادة وغير مسبوقة في تاريخ ما بعد الاتحاد السوفيتي. بدأت هذه الأزمة بعد كارثة سقوط طائرة “الخطوط الجوية الأذربيجانية” في ديسمبر/كانون الأوَّل 2024، وتصاعدت بعد حادثة اعتقال مواطنين روس من أصول أذربيجانية في مدينة يكاترينبورغ.

رأت باكو في إجراءات الأجهزة الأمنية الروسية حملةً على الأذربيجانيين، فاتخذت خطوات غير مسبوقة لتقليص الروابط الثقافية، ووقف الحوار على المستوى الحكومي والبرلماني بين البلدين. كما شهدت أذربيجان اعتقالات واسعة شملت صحفيين روسًا ومواطنين روسًا آخرين، بتهم الانتماء إلى منظمات إجرامية منظمة.

وفي هذا السياق، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بأن لقاءً بين الرئيسين الروسي والأذربيجاني غير مخطط له في الوقت الحالي، لكنه أشار إلى أنه “إذا دعت الضرورة، فسيتم ترتيب اللقاء في أقرب وقت ممكن.

اللعب على التصعيد

في صباح الأول من تموز، تم استدعاء السفير الأذربيجاني في روسيا، رحمن مصطفىيف، إلى وزارة الخارجية الروسية في ساحة سمولينسكايا، حيث قضى هناك حوالي ساعة قبل أن يغادر دون الإدلاء بأي تصريحات.

وأوضحت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن سبب الاستدعاء كان “الأفعال العدائية من جانب باكو والاعتقالات غير القانونية للصحفيين الروس، الذين لم تكن لدى السلطات الأذربيجانية أي اعتراضات عليهم طوال هذه السنوات”. وقد تم تسليم رئيس البعثة الدبلوماسية الأذربيجانية مذكرة شفهية تطالب بالإفراج الفوري عن الصحفيين الروس المعتقلين في باكو.

وقبل ذلك بيوم، أعلنت وزارة الداخلية الأذربيجانية عن تنفيذ “عملية” أمنية في مكتب وكالة “سبوتنيك أذربيجان”، تم خلالها اعتقال سبعة موظفين، بينهم رئيس التحرير إيغور كارتافوخ ورئيس التحرير التنفيذي يفغيني بيلوسوف.

على الرغم من استدعاء السفير مصطفىيف إلى ساحة سمولينسكايا ولقائه بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل جالوزين، إلا أن هذه الخطوة لم تؤدِ إلى حل الأزمة. وبعد عدة ساعات، صرحت مجموعة “روسيا اليوم” الإعلامية الدولية بأن “لا اتصال لديهم مع المعتقلين”. وأضافوا: “لليوم الثاني على التوالي، لا يسمح للموظفين القنصليين أو الأقارب بزيارة الصحفيين”.

لاحقًا، أفادت وكالة APA بأن محكمة في باكو أمرت باعتقال إيغور كارتافوخ ويفغيني بيلوسوف لمدة أربعة أشهر احتياطيًا خلال فترة التحقيق في قضية جنائية تتعلق بالاحتيال، والمشاريع التجارية غير القانونية، وتبييض الأموال المكتسبة بطرق غير شرعية.

من جانبه، علق رئيس دائرة الإعلام في وزارة الخارجية الأذربيجانية، آيهان حاجيزاده، على استدعاء السفير مصطفىيف قائلاً إنه خلال المحادثة “تم تسليم الجانب الروسي مذكرة احتجاج شفوية بشأن الانتهاكات الخطيرة للقانون، والقتل، وإلحاق الإصابات بوحشية خاصة بمواطنينا في يكاترينبورغ”. وأوضح حاجيزاده أن الضحايا كانوا “من مواطني روسيا وأذربيجان على حد سواء”، مما أثار “رد فعل شعبي سلبي في جمهورية أذربيجان”.

 تدهور العلاقات بين روسيا وأذربيجان: تسلسل الأحداث

في صباح يوم الثلاثاء، تفاقمت حدة التوتر بين موسكو وباكو بعد إعلان أديليات حسنوف، المدير العام لجمعية الطب الشرعي والتشريح التابعة لوزارة الصحة الأذربيجانية، عن وفاة الأخوين غوسين وزياد الدين صفاروف عنفياً. وقد وصلت جثثهما إلى باكو من يكاترينبورغ في وقت متأخر مساء الاثنين. وأظهر التشريح الذي أجري ليلة الثلاثاء وجود “إصابات خارجية وداخلية متعددة” على أجسادهما.

على خلفية وفاة الإخوة صفاروف، فتحت النيابة العامة في أذربيجان تحقيقاً بموجب عدة مواد من قانون العقوبات، منها “القتل العمد المرتكب من قبل جماعة أشخاص”، و”القتل العمد مع ممارسة القسوة أو بطريقة تشكل خطراً على المجتمع”، و”تجاوز السلطة الرسمية الممنوحة مما أدى إلى عواقب وخيمة“.

في ذات اليوم، أعلنت وزارة الداخلية الأذربيجانية أن قوات الأمن تمكنت من تحييد مجموعتين إجراميتين منظمتين بمشاركة روسيين، كانتا متورطتين في تهريب المخدرات من إيران، والتجارة الإلكترونية بالمخدرات المحظورة، والاحتيال الإلكتروني.

أظهرت لقطات مصورة مشاهد اعتقالات عنيفة حيث يضع عناصر الشرطة الأصفاد على أيدي أشخاص مستلقين على الأرض وأيديهم مضمومة خلف ظهورهم.

وعلق ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي، على تصاعد التوتر قائلاً إنه يأمل في أن تتحول ردود فعل باكو العاطفية الشديدة إلى حوار مباشر تُطرح خلاله الإجابات على الأسئلة المثارة. وسبق أن صرح ممثل الكرملين بأن روسيا مهتمة بمواصلة تطوير علاقات ودية مع أذربيجان، معبراً عن أسفه إزاء القرارات التي اتخذتها باكو ضد روسيا عقب اعتقال المشتبه فيهم في يكاترينبورغ بقضية قتل مواطنين روس من أصل أذربيجاني.

ومع ذلك، عند سؤاله عن إمكانية إجراء محادثة بين فلاديمير بوتين وإلهام علييف، قال بيسكوف إن المحادثة غير مخططة حالياً، لكن “إذا دعت الحاجة، فستُعقد في أقرب وقت ممكن”.

نقطة انطلاق الأزمة

أولا العلاقات بين روسيا وأذربيجان تتدهور بسرعة كبيرة، حيث تتطور هذه العملية حرفيًا بسرعة البرق: ففي عام 2022 كانت العلاقات تكاد تكون على مستوى “حليف”، أما الآن فبأفضل الأحوال على مستوى “حياد غير ودي“.

وصلت العلاقات إلى نقطة حرجة في كانون الأول من العام الماضي بعد حادث تحطم طائرة “الخطوط الجوية الأذربيجانية” قرب أكتاو. لكن علامات التوتر كانت تظهر منذ وقت سابق، وهناك أسباب عميقة لذلك.

كان التعاون بين موسكو وباكو على مدى سنوات عديدة متعدد الجوانب وبشكل عام ودود، خاصة بعد أن أنقذ بوريس يلتسين أذربيجان من الحرب الأهلية عام 1993 ودعم وصول حيدر علييف إلى السلطة، وهو عضو سابق في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في عهد أندروبوف.

على الرغم من العلاقات الحليفة مع أرمينيا ومشكلة ناغورني كاراباخ، حاولت القيادة السياسية الروسية دائمًا الحفاظ على علاقات جيدة مع الطرفين المتخاصمين في جنوب القوقاز، ونجحت إلى حد كبير في ذلك. فقد كانت موسكو وسيطًا هامًا بين باكو ويريفان وحافظت على تجميد نزاع كاراباخ لحوالي ربع قرن (من 1994 حتى 2020). كان هذا الوضع – الاعتراف بناغورني كاراباخ قانونيًا كجزء من أذربيجان وفعليًا تحت السيطرة الأرمينية – يتيح لموسكو مجالًا دبلوماسيًا في جنوب القوقاز ويضمن عدم انضمام أذربيجان وأرمينيا إلى تحالفات معادية لروسيا على الساحة الدولية. وكان هذا الوضع يرضي أذربيجان حتى وقت معين.

في عام 2003، أصبحت موسكو ضامنًا للانتقال السلس للسلطة في باكو من حيدر علييف، مؤسس جمهورية أذربيجان الحديثة، إلى ابنه إلهام علييف. بدا أن العلاقات الروسية الأذربيجانية وضعت على أساس متين، خاصة وأنها تستند إلى قاعدة اقتصادية قوية – نشاط الأعمال الأذربيجانية في روسيا المرتبط بالجالية المؤثرة. وهنا لا يمكن إغفال قوة اللوبي السياسي الأذربيجاني المرتبط بجزء من النخب السياسية الروسية (وهذا موضوع يحتاج إلى معالجة منفصلة).

حدثت الصدمة الكبرى في 2018 عندما وصل نيكول باشينيان، المرشح المناهض لروسيا، إلى السلطة في أرمينيا إثر “الثورة الملونة”، حيث قام عمليا بانقلاب سياسي في يريفان.

تدهورت العلاقات الروسية الأرمينية تدريجيًا، في حين ظلت العلاقات الروسية الأذربيجانية مستقرة وودية. وفي الوقت نفسه تعزز التعاون الروسي التركي، خاصة في مجال الطاقة، حيث كان لأذربيجان دور مهم.

في هذا السياق، استجابت موسكو بهدوء تام للعملية العسكرية الأذربيجانية في ناغورني كاراباخ عام 2020، والتي رأت فيها موسكو تحقيق هدفين: ضرب حكومة نيكول باشينيان (مع إمكانية إزاحته عن السلطة) وتعزيز علاقاتها مع إلهام علييف. لكن هذه الحسابات لم تتحقق بالكامل: بعد الهزيمة في كاراباخ، نجا باشينيان وبدأ يبحث عن ضمانات عسكرية خارج روسيا، مبتعدًا عن سياسة أرمينيا التقليدية التي كانت ترتكز فقط على موسكو.

أما إلهام علييف، خلال الحربين في كاراباخ (2020 و2023)، فقد حقق ما كان يريده وأصبح أقل اعتمادًا على موسكو، معطيًا أولوية في سياسته الخارجية للتحالف الاستراتيجي مع تركيا والشراكة مع إسرائيل. في النهاية، وجدت روسيا نفسها في موقف حرج حيث علاقاتها مع أذربيجان سيئة ومع أرمينيا معقدة أيضًا.

السبب الرئيسي لهذا الوضع واضح – موسكو “تنازلت مسبقًا” عن إحدى أهم أوراقها الجيوسياسية في جنوب القوقاز – ناغورني كاراباخ، ولم تحصل في المقابل على ضمانات عملية. آخر.

في جنوب القوقاز الآن، الوضع غير ملائم: إلهام علييف لن يكون حليفًا أو شريكًا روسيًا حتى نهاية حكمه (أو حتى تضعف تركيا بشكل حاد على الساحة الدولية).

من ناحية ثانية أذربيجان هو الذي يهتم أكثر بالمنتجات الروسية، وليس روسيا بمنتجاته. ممر الشمال-الجنوب؟ هل تحتاجه فعلًا في بلد معادي لروسيا؟ إظهار القوة – من خلال القضاء على العصابات الإجرامية الأذربيجانية المعروفة، وفحص الخيار والطماطم الباكستانية للتأكد من مطابقتها للمعايير، وطرد المهاجرين الأذربيجانيين إلى وطنهم. لكي يكون واضحًا أن روسيا ترى كل شيء ولا تغفر.

أما بالنسبة لأذربيجان، فإذا قطعت روسيا وصول الطماطم إلى سوقها، فلن يكون علييف في وضع سيئ. ولكن إذا عاد حوالي 400 ألف أذربيجاني، الذين فقدوا مصادر دخلهم المعتادة في روسيا، إلى وطنهم وبدأوا يطرحون أسئلة لأقاربهم من قبيل: ما الذي حدث؟ لماذا أذيتُم الروس؟ وكل هذا في ظل وجود عدد كبير من الشباب العدواني… هذا ما سيدقع علييف بل سيضطره لبذل جهد كبير لاستعادة رضا روسيا.

نعم، وما لا يجب فعله بأي حال من الأحوال في هذا الوضع هو مساعدة أرمينيا بشكل علني. سيكون الأمر أسوأ بكثير. من الأفضل معاقبة الأرمن على سياسة باشينيان أيضًا. الآن لننظر إلى الجانب الخارجي من الهجمات المعادية لروسيا من أذربيجان. عن سلوك المهاجرين منها قيل كل شيء بالفعل.

 بحسب نتائج أحداث عام 2023، روسيا تكاد تنسحب من جنوب القوقاز. والآن أذربيجان تبحث بقوة عن رضا الغرب، الذي أصبح المهيمن الكامل في المنطقة. تركيا العضو في الناتو ليست بديلًا له بطبيعة الحال. تسيطر بريطانيا على الجزء الأكبر من إنتاج النفط في أذربيجان. وأيضًا إيطاليا والنرويج لها حصة كبيرة. وبالطبع تركيا أيضًا. الجزء الأكبر من النفط والغاز المحليين يذهب إلى أوروبا. الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ينظرون إلى نفط وغاز المنطقة كبديل عن الروسي. ومن يدفع يطلب الموسيقى، وفي هذه الحالة – موسيقى معادية لروسيا.

شركاء الاتحاد الأوروبي والناتو يطالبون بشكل متزايد بالانضباط العسكري. بالإضافة إلى ذلك، حاولت أذربيجان استفزاز فرنسا على موضوع الأرمن. لكن أوضحوا لها أنه من الأفضل عدم المبالغة في هذا الأمر وعدم استفزاز الغرب. ونتيجة لذلك، ابتعدت أذربيجان عن سياسة التعددية تجاه روسيا. أصبحت تدعم أوكرانيا بشكل أكثر صراحة ونشاطًا، وتتصرف كـ”رأس حربة تركية” في الفضاء ما بعد السوفيتي. وقد انضمت بوضوح وبصراحة إلى المسار المعادي لروسيا لإرضاء الغرب.

لقد كانوا يبحثون عن ذريعة لقطع العلاقات مع روسيا بشكل علني. ظهرت الذريعة أولًا في حادث تحطم طائرة نهاية 2024، والآن وجدوا ذريعة جديدة في حملة الشرطة في يكاترينبرغ. وسينتظرون فرصة جديدة في أمر آخر. لم يعد يهم أن أذربيجان بدأت على مستوى الدولة تدافع علنًا عن المجرمين.

في باكو يثقون أن الجالية الأذربيجانية في روسيا لن تتعرض لأي أذى، لأن تركيا وبريطانيا والناتو والاتحاد الأوروبي يدعمونها. لن يجرؤ أحد على المساس بها، وإذا تجرأ أحد – يجب أن تحصل أذربيجان على مكافآتها من الغرب لأن مواطنيها في روسيا “يتعرضون للإساءة“.

أعتقد أن أذربيجان مستعد حتى لتطبيق روسيا لنظام التأشيرات. فكراهية روسيا قوية في البلاد، والطلب عليها هائل. ومن المتوقع أن تفوق “المزايا” الغربية الخسائر المحتملة من “سادوفود” وأسواق الخضراوات في روسيا. مع أن أذربيجان ستتمسك بشدة بـ”سادوفود” و”فود سيتي” وأسواق الخضراوات في روسيا، حتى على مستوى الدولة.

نقطة انطلاق الخلافات

بدأت نقطة الانطلاق للأزمة غير المسبوقة بين موسكو وباكو بمأساة طائرة “الخطوط الجوية الأذربيجانية” في 25 كانون الأول 2024، والتي تعرضت، بحسب إلهام علييف، لـ”تأثير خارجي” في المجال الجوي الروسي قرب غروزني وسقطت في كازاخستان. بعد هذه المأساة، التي كانت العلاقات الروسية-الأذربيجانية تبدو شبه مثالية في الخريف الماضي، خلال زيارة رسمية للرئيس بوتين إلى باكو ورحلة وفد روسي كبير برئاسة رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين إلى قمة المناخ العالمية، اندلعت حرب أعصاب غير مسبوقة.

كانت المحفزات الرئيسية في المرحلة الأولى من الأزمة هي عدم توضيح ملابسات حادث الطائرة وإغلاق “البيت الروسي” في باكو، وهو المركز الإعلامي والثقافي الروسي التابع لوكالة روسوترودنيتشستفو (منظمة التعاون الروسية).

على وقع التصريحات الحادة التي صدرت من كلا العاصمتين، منعت أذربيجان دخول نائب رئيس لجنة السياحة في مجلس الدوما الروسي، نيقولاي فالويف، بسبب تصريحاته التي وصفتها وزارة الخارجية بأنها “مهينة وغير مقبولة” و”موجهة ضد الشعب الأذربيجاني وبلدنا”. ردًّا على ذلك، اقترح عدد من قنوات تلغرام الروسية ذات الجماهير الكبيرة طرقًا مختلفة لـ”معاقبة أذربيجان”، منها إغلاق أسواق “سادوفود” و”فود سيتي” في موسكو، ووقف تحويلات المهاجرين الأذربيجانيين، وفرض نظام تأشيرات، واستبعاد ميناء باكو البحري من مشروع ممر النقل “الشمال-الجنوب“.

بذلت موسكو محاولات لإعادة العلاقات مع باكو إلى مسارها الطبيعي. ففي أوائل آذار، أقيم في حديقة قرب سفارة أذربيجان في موسكو حفل لوضع حجر أساس نصب تذكاري للرئيس الأذربيجاني السابق حيدر علييف. كانت هذه المبادرة لتخليد ذكرى رجل الدولة السوفييتي البارز ووالد إلهام علييف من قبل قدامى العاملين في بناء سكة بايكال-أمور، الذين عملوا تحت قيادة حيدر علييف. حضر الحفل عمدة موسكو سيرغي سوبيانين ونائب رئيس وزراء الحكومة الروسية فيتالي سافيليف، الذي قال إن حيدر علييف نقش اسمه “بحروف ذهبية في تاريخ سكة بايكال-أمور“.

بعد أيام قليلة، أجرى رئيسا بيلاروس وطاجيكستان، ألكسندر لوكاشينكو وإيمومالي راحمون، لقاءً غير رسمي في موسكو، وتحدثا هاتفياً مع إلهام علييف في باكو في إطار محادثة رباعية الأطراف. وأفاد الكرملين أن “الحديث كان دافئاً وودياً، حيث ناقش القادة عدداً من القضايا الهامة المتعلقة بتطوير العلاقات بين الدول. وتم الاتفاق على لقاء في 9 أيار في موسكو خلال الاحتفالات بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب العالمية الثانية“.

بدورها، أعلنت دائرة الإعلام التابعة لعلييف أن الأخير شكر بوتين على دعوته لحضور الاحتفالات بمناسبة الذكرى الـ80 للنصر.

العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأذربيجان

بعد المكالمة الهاتفية بين أربعة قادة في السادس من آذار، وصلت إلى باكو وفد روسي كبير برئاسة رئيس مجلس الاتحاد في الجمعية الفيدرالية الروسية فالنتينا ماتفيينكو. وفي بيان نُشر على موقع رئيس أذربيجان، ذُكر أنه خلال المحادثة مع إلهام علييف، أعربت فالنتينا ماتفيينكو عن تعازيها بخصوص تحطم طائرة “الخطوط الجوية الأذربيجانية”. كما أكدت أن هذا الأمر يُحقق فيه جهاز التحقيقات الروسي وسيتم تقديم تقييم موضوعي له. ومع ذلك، فإن فترة تطبيع العلاقات الثنائية التي لم تكن متوقعة للجميع، لم تستمر لأكثر من شهرين.

كان أول مؤشر لموجة جديدة من الأزمة هو ظهور خبر، قبيل الذكرى الـ80 للنصر مباشرة، يفيد بأن إلهام علييف لن يزور موسكو، وبالتالي لن يشارك في الفعاليات الاحتفالية التي كان قد اتفق عليها سابقًا مع رؤساء روسيا، وبيلاروس وطاجيكستان.

ومع ذلك، لم يركز الجانب الروسي على غياب الزعيم الأذربيجاني عن العرض العسكري، والذي اعتبرته بعض وسائل الإعلام الأجنبية بمثابة خطوة احتجاجية من باكو.

وعلقت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، على مشاركة فرقة أذربيجانية في العرض العسكري في الساحة الحمراء، قائلة: “لقد فرحنا حقًا في ذلك اليوم لأننا، نحن ومواطنو أذربيجان والأذربيجانيون المقيمون في روسيا ودول أخرى حول العالم، متحدون في احترامنا للذاكرة التاريخية ولتضحيات أسلافنا”. كما ذكرت أن أساس التعاون بين موسكو وباكو هو إعلان التفاعل التحالفي الذي وُقّع في فبراير 2022.

وكان آخر مؤشر على دفء العلاقات قبل التوتر الشديد في موسكو وباكو، قبل أسبوعين فقط، حين فتحت أذربيجان حدودها المغلقة منذ جائحة كورونا لإجلاء المواطنين الروس من إيران في 14-15 حزيران . وأعرب ديمتري بيسكوف عن شكره “للأصدقاء الأذربيجانيين” على توفير “ظروف ملائمة” للإجلاء.

ومن بين الذين تمكنوا من الخروج من إيران كانت فرقة تصوير فيودور بوندارشوك، وأفراد عائلات موظفي البعثات الروسية، وفنانون من الأوركسترا السيمفونية الكبرى باسم تشايكوفسكي. وأعلنت وزيرة الثقافة الروسية أولغا ليبيموفا عبر قناتها في تلغرام أن الأوركسترا ستقيم حفلة شكر في باكو على المساعدة في هذه الظروف الصعبة. وقد أُقيم هذا الحفل في 16 حزيران في الفيلارمونية الوطنية الأذربيجانية.

علقت مصادر مطلعة أن السبب الرئيسي للأزمة هو الوضع المتعلق حتى الآن بشأن الطائرة، بالإضافة إلى مشاكل أخرى تراكمت خلال السنوات الماضية. في الوقت نفسه، تصاعدت في موسكو أصوات مناصري الموقف المتشدد تجاه باكو بسبب الخطوات الأخيرة التي اتخذتها أذربيجان. حيث قال قسطنطين زاتولين، نائب رئيس لجنة الدوما الروسية لشؤون رابطة الدول المستقلة، لصحيفة “لينتا.رو”: “لم تكن أذربيجان شريكًا استراتيجيًا… طوال فترة استقلالها“.

وقد رد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على الأزمة الروسية الأذربيجانية في الأول من تموز ، حيث أجرى مكالمة هاتفية مع إلهام علييف، معبرًا له عن “الشكر على دعم أوكرانيا” و”التضامن مع أذربيجان” بشأن وفاة الأخوين صفاروف.

كيف يمكن أن تتطور الأوضاع مستقبلًا

رد الكرملين على إلغاء الفعاليات وتصريحات وزارة الخارجية الأذربيجانية بأسف، مؤكدين في الوقت نفسه أن إجراءات أجهزة إنفاذ القانون لا يمكن أن تكون سببًا لمواقف دبلوماسية عدائية. وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة، في 30حزيران : «من المهم، ربما، الاستمرار في العمل لتوضيح أسباب وطبيعة الأحداث التي، حسب رأي الجانب الأذربيجاني، كانت سببًا لهذه المواقف». وأضاف: “نعتقد أن كل ما يحدث مرتبط بعمل أجهزة إنفاذ القانون ولا يمكن، ولا ينبغي أن يكون سببًا لمثل هذا الرد”.

وبحسب بيسكوف، لم يتم التخطيط لأي محادثة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وإلهام علييف، لكنه أشار إلى أنه «إذا دعت الحاجة، فستتم بالطبع في أقرب وقت ممكن». وخلص بيسكوف إلى أن روسيا مهتمة بتطوير «علاقات جيدة مع أذربيجان».

يرى بعض المحللين أن العلاقات بين روسيا وأذربيجان تعتمد بشكل كبير على الاتصالات الشخصية بين القائدين. فمنذ تحطم الطائرة الأذربيجانية، رصدنا تواصلًا واحدًا فقط بين رئيسي الدولتين”، (وهو اتصال هاتفي في آذار شارك فيه رؤساء بيلاروس وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان). وأشار هؤلاء إلى أن رد موسكو على تحطم الطائرة لم يرضِ باكو، مما أدى في النهاية إلى إلغاء علييف لحضوره في اللحظة الأخيرة عرض النصر في موسكو. وهكذا على خلفية عدم التواصل المباشر بين رؤساء الدول، حدث تراكم للأحداث السلبية، وتتطور عمليات لا يمكن حلها على مستوى وزراء الخارجية. وبالتالي نرى أن هذه الدوامة التصادمية تتصاعد أكثر فأكثر.

ورغم ذلك يبدو أن هناك في أذربيجان من يود ارسال إشارة إلى الغرب. فباكو وكأنها تقول إنها مستعدة للتعاون في قضايا مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور بالدوار بسبب النجاحات بعد استعادة كاراباخ. وهم يجدون صعوبة كبيرة الآن في التوقف وتقييم ما يقولونه وكيف يقولونه بشكل موضوعي.

في كل حال ليس هذ هو الانفجار العاطفي الأول من جانب باكو في الفترة الأخيرة، بل نشهد حالياً موجة جديدة من التصعيد. ومع ذلك، فإن البلدين في الواقع مهتمان ببناء علاقات حسن جوار. بالنسبة لأذربيجان، هذا أمر مهم في ظل الأزمة في الشرق الأوسط وعدم الاستقرار العالمي العام. وموسكو أيضاً تقدر هذه العلاقات — فروسيا الآن تعتمد إلى حد ما على جيرانها الذين يساعدون في تنظيم تدفقات العبور. في النهاية، فإن العواطف ستتلاشى، وسيهدأ الطرفان، وسيعودان في النهاية إلى الحوار.

شارك هذا الموضوع

د. زياد منصور

باحث في القضايا الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!