ما الذي يعيق السلام بين روسيا وأوكرانيا؟
سمير سكاف
تتقدم روسيا عسكرياً في أوكرانيا يوماً بعد يوم! فقد أعلنت روسيا أنها استولت على ما يقارب 0.8% من أراضي أوكرانيا منذ بداية العام الحالي 2025.
وتسيطر روسيا على ما يقارب 20% من الأراضي “الأوكرانية”، التي تعتبرها “روسية”! بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، أو استعادتها، عام 2014!
والتطور الأخطر في المعارك هو بداية قضم روسية لمدينة خاركيف، ثاني أكبر المدن الاوكرانية بعد العاصمة كييف!
وقد يكون أبرز العوائق في وجه السلام بين روسيا وأوكرانيا هو تعامل الأوروبيين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه مهزوم في الحرب!
الرئيس بوتين كان أشرف منذ أيام على استعراض قوة روسيا الهائلة عسكرياً بإطلاق صواريخ عابرة للقارات، وصواريخ نووية وأخرى أطلقتها الغواصات الروسية. مناورات كافية لردع “الجيران الأوروبيين” وتحذيرهم!
ترامب “المجنون” رئيس لـ”مجلس السلام“!
يرفع الأوروبيون عالياً من سقوف الشروط والمطالب في وجه الرئيس بوتين، في ترجمة عكسية للوقائع الميدانية! وهم وضعوا حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا بهدف “إخضاعها“!
وهو ما يؤخر مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا. فالرئيس ترامب الذي وبّخ من جديد الرئيس الأوكراني فلودومور زيلينسكي في البيت الأبيض منذ أيام، وقال له إن روسيا يمكنها سحق أوكرانيا، قام بتأجيل غير محدود لقمة بودابست مع الرئيس بوتين بهدف تأمين فرص نجاح لها.
في حين أن الديبلوماسية المجرية والروسية والأميركية ما تزال تعمل جميعها على تحضيرها!
يعاني الرئيس زيلينسكي من الرئيس ترامب “صديق” الرئيس بوتين. فيلجأ للأوروبيين لعرقلة مخططات ترامب!
الأوروبيون يتهمون كل لحظة الرئيس ترامب ب”الجنون”! ولكنهم يقترحونه اليوم رئيساً لمجلس السلام بين روسيا وأوكرانيا!
مبادرة سلام تحت ضغط العقوبات!
في الوقائع الجديدة، أُقرت الحزمة الـ19 من العقوبات الأوروبية مؤخراً، في حين فرضت الولايات المتحدة عقوبات منفصلة تستهدف بشكل خاص قطاع الطاقة الروسي.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تقويض قدرة روسيا على تمويل الحرب في أوكرانيا. ما جعل الرئيس زيلينسكي يقول إن هذه العقوبات يمكنها أن تفتح الباب امام السلام!
في الوقت ذاته، قدّم الأوروبيون مبادرةً هامة للسلام، وهي خطوة نوعية جديدة!
ويُمكن الإستنتاج من الخطة أن الأوروبيين، وحتى الرئيس زيلينسكي، مستعدين لفكرة تنازل أوكرانيا عن قسم من أراضيها لروسيا، أو على الأقل الاعتراف بسيادة روسيا عليها مقابل بعض الشروط!
الرئيس ترامب عرض إنطلاق التفاوض الروسي – الأوكراني من خطوط التماس الحالية، مع السيطرة الروسية على الاراضي التي تعتبرها أوكرانيا وأوروبا أوكرانية.
وافق الرئيس زيلينسكي. ولكن الرئيس بوتين لم يوافق! وهو يشترط الانطلاق في التفاوض من حدود الدونباس بعد ضمها بالكامل الى الأراضي الروسية!
وفي الحديث الهاتفي الأخير بين الرئيسين ترامب وبوتين، عرض الرئيس بوتين التخلي عن بعض الأجزاء من مناطق خيرسون وزاباروجيا مقابل “تسليم” أوكرانيا لروسيا لباقي منطقة دونيتسك في الدونباس.
ومن المطالب التي يقدمها الأوروبيون في مبادرة السلام أن توافق روسيا على انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.
وقد لا يكون هذا المطلب هو الأصعب للرئيس بوتين. ولكنه بالتأكيد لن يوافق على انضمام أوكرانيا الى حلف الأطلسي، الناتو، ولا على نشر صواريخ الناتو على الحدود الروسية!
ولكن أوروبا تُصعِّد ضد روسيا. باعتبار أنها ستضع يدها على أموال روسية بقيمة 300 مليار دولار في المصارف الأوروبية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا! وهذا يمكن أن يحمل دلالات حرب أكثر منه دلالات سلام!
في المقابل، تريد روسيا كامل منطقة الدونباس. فهي بعد سيطرتها شبه الكاملة على منطقة لوغانسك ما تزال تقاتل من أجل السيطرة على ال 20% المتبقية من مقاطعة دونيتسك.
الجانب الروسي يعتقد أن العقوبات الاقتصادية الجديدة ضد روسيا، وخاصةً الأوروبية منها، ليست فقط غير مجدية، لا بل يعتبر أنها ستنعكس سلباً على دول أوروبا نفسها!
الأوروبيون يريدون أيضاً ضمان أمن أوكرانيا بنشر قوات أوروبية على حدودها مع روسيا! وذلك بالطبع مرفوض من الرئيس بوتين، إذ يعتبرها قواتٍ معادية!
حزمة الـ 19 من العقوبات الأوروبية الجديدة ضد روسيا
أبرز بنود حزمة العقوبات الأوروبية الـ19 هو تركيز الحزمة بشكل أساسي على قطاع الطاقة والتهرب من العقوبات والقطاع المالي. وبينها:
– حظر الغاز الطبيعي المسال (LNG): يُعتبر هذا هو البند الأبرز، حيث يشمل حظر واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، ويُنفذ على مرحلتين:
– إنهاء العقود قصيرة الأجل بعد ستة أشهر.
– إنهاء العقود طويلة الأجل اعتباراً من 1 كانون الثاني/يناير 2027.
– عقوبات على “أسطول الظل”: فرض عقوبات على 117 سفينة إضافية ضمن “أسطول الظل” الروسي (معظمها ناقلات نفط) يُستخدم للالتفاف على سقف أسعار النفط، ليرتفع إجمالي السفن الخاضعة للعقوبات إلى حوالي 558.
– استهداف شركات الطاقة الكبرى: فرض حظر كامل على المعاملات مع شركات طاقة روسية كبرى مثل “روس نفط” (Rosneft) و”غازبروم نفط” (Gazpromneft).
– استهداف التهرب المالي: فرض قيود جديدة على بنوك روسية وأخرى في دول ثالثة متهمة بالمساعدة في الالتفاف على العقوبات.
– العملات المشفرة: لأول مرة، تُفرض قيود على منصات العملات المشفرة، وحظر المعاملات بالعملات المشفرة في محاولة لسد الثغرات المالية.
– قيود على الدبلوماسيين: فرض قيود إضافية على سفر الدبلوماسيين الروس.
– شركات الدول الثالثة: استهداف شركات في دول أخرى (مثل الصين والهند) متهمة بشراء النفط الروسي بانتهاك للعقوبات أو بتقديم دعم للمجمع الصناعي العسكري الروسي.
العقوبات الأميركية الجديدة
جاءت العقوبات الأميركية بالتزامن مع الإجراءات الأوروبية، وركزت أيضاً على قطاع الطاقة الروسي والبنوك:
– شركات النفط: فرضت واشنطن عقوبات على أكبر منتجي النفط في روسيا، ومن ضمنهم شركتا “روس نفط” و”لوك أويل” (Lukoil).
– تقويض التمويل: تهدف هذه الإجراءات الأميركية والأوروبية المنسقة إلى “خنق إيرادات روسيا من الطاقة” وتقويض قدرتها على تمويل جهودها الحربية.
لا مساعدات أميركية لأوكرانيا!
وعلى الرغم من العقوبات الاميركية الجديدة، إلا أن الولايات المتحدة لم تلحظ في موازنة 2026 مساعدات جدية لأوكرانيا!
وكان الرئيس ترامب قد رفض تزويد الرئيس زيلينسكي بصواريخ توما هوك التي تصل الى مدى 1.500 كم. وتستطيع ضرب العمق الروسي!
ولا يمانع الرئيس ترامب بيع بعض الأسلحة للدول الأوروبية، كألمانيا مثلاً، لتقدمها هدية لأوكرانيا!
إلا أن الدول الأوروبية تحارب روسيا عسكرياً، بشكل غير مباشر، بتزويد أوكرانيا بكل انواع الطائرات والأسلحة والذخائر والتقنيات، بالإضافة الى استنزاف اقتصاداتها في هذه الحرب.
في الوضع الميداني على الجبهات الروسية – الأوكرانية
لا تزال القوات الروسية تركز جهودها الهجومية وتُحقق تقدماً تدريجياً، وإن كان محدوداً، في عدة مناطق في شرق أوكرانيا، وذلك على الرغم من المقاومة الأوكرانية الشديدة والخسائر الفادحة.
وأبرز محاور التقدم الروسي حالياً هي:
– مقاطعة دونيتسك (الشرق): ويظل هذا المحور هو الأهم والأكثر نشاطاً، حيث تسعى روسيا للسيطرة على كامل المقاطعة التي ضمتها رسمياً.
فقد شهدت الأشهر الماضية سيطرة روسية على عدة قرى صغيرة وبلدات، خاصة في محيط بلدتي ديريلوف ومايسكي.
كما تتركز المعارك في مناطق حيوية مثل بوكروفسك وكراماتورسك وسلوفيانسك، التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
– مقاطعة خاركيف (الشمال الشرقي): تستمر العمليات العسكرية الروسية في هذه المنطقة، لا سيما في محاولة لإقامة مناطق عازلة على طول الحدود الدولية.
هناك عمليات متواصلة في اتجاه ليمان، ومحاولات للضغط على القوات الأوكرانية لتطويقها.
الأهمية الاستراتيجية والجغرافية لمدينة خاركيف أنها تقع على بعد حوالي 32 كيلومتراً فقط من الحدود الروسية، مما يجعلها هدفاً عسكرياً رئيسياً لروسيا. وهي مركز رئيسي للاتصالات والنقل، خاصة السكك الحديدية، والسيطرة عليها أو على المناطق المحيطة بها (مثل كوبيانسك) تمنح ميزة لوجستية كبيرة.
الأهمية الصناعية والعسكرية: كانت خاركيف ولا تزال مركزاً صناعياً كبيراً، وتاريخياً كانت معقلاً للصناعات الثقيلة مثل صناعة الدبابات والطائرات في العهد السوفيتي.
إن السيطرة على خاركيف يمثل ضربة قاسية للبنية التحتية العسكرية والاقتصادية الأوكرانية.
الأهمية الرمزية والتاريخية: كانت العاصمة الأولى للجمهورية الأوكرانية السوفيتية الاشتراكية قبل كييف (1919- 1934)، مما يضفي عليها أهمية رمزية ومعنوية كبيرة لدى الطرفين.
– جبهة زاباروجيا (الجنوب): تستمر العمليات الهجومية الروسية في هذا الاتجاه، تحديداً حول منطقة هوليايبولي، على الرغم من أن التقدم في هذه الجبهة كان أبطأ في الآونة الأخيرة.
– مقاطعة دنيبروبتروفسك: تمّ الإعلان عن السيطرة على بعض القرى في المناطق الشرقية من هذه المقاطعة أيضاً، مما يشير إلى محاولة لتوسيع نطاق السيطرة من مقاطعة دونيتسك المجاورة.
المعارك المتبقية لروسيا في دونيتسك
يبلغ إجمالي مساحة مقاطعة دونيتسك: حوالي 26,517 كيلومتر مربع. وتبلغ النسبة تحت السيطرة الروسية بين 75 و80% من مساحة المقاطعة.
أي ما تزال روسيا تحارب للسيطرة على باقي مساحة تقريبية تتراوح بين 5.500 و6.400 كم مربع.
هذه المساحة المتبقية تشمل مدناً استراتيجية رئيسية تحولت إلى قلاع دفاعية للقوات الأوكرانية، وأهمها:
كراماتورسك (Kramatorsk)
سلوفيانسك (Sloviansk)
بوكروفسك (Pokrovsk)
كوستيانتينيفكا (Kostiantynivka)
ويمكن التقدير أنه في ظل إيقاع الحالي للحرب وما لم تنهار الدفاعات الأوكرانية، فإن الحرب في دونيتسك تحتاج لأكثر من سنة للسيطرة الروسية الكاملة عليها.
سلام سياسي أم ميداني؟!
ما يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أقرب في الواقع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه الى الرئيس الأوكراني فلودومور زيلينسكي أو الى القادة الاوروبيين الآخرين!
ويسعى الرئيس ترامب الى تذليل بعض العقبات قبل قمة بودابست، على أمل تحقيق خرق كبير فيها، ودفعها بمرحلة اولى لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، قبل الدخول في مرحلة محادثات السلام النهائي.
أما إذا كانت كلمة الفصل للميدان، فإن الميدان يشير الى مزيد من القضم الروسي لمناطق أوكرانية جديدة مثل خاركيف، بانتظار السيطرة الكاملة على منطقة دونيتسك، وبالتالي على كامل منطقة الدونباس! عندها قد يتحقق السلام، ولكن بشروط روسية!
