متابعة لحراك شباب جيل Z .. رسالة مكشوفة إلى الحكام

متابعة لحراك شباب جيل Z .. رسالة مكشوفة إلى الحكام

عبد الرحمان الغندور

 المقاربة الأمنية القمعية خيار فاشل وينذر بمخاطر على مستقبل الوطن 

          يعرف المغرب، كغيره من الدول، شرارة نقاش حيوي حول التعامل مع الحركات الاحتجاجية الجديدة التي يقودها جيل Z. ففي السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر شتنبر، شهد الشارع المغربي حراكاً لافتاً، سرعان ما قوبل بمقاربة أمنية عنيفة، مما تساؤلات عميقة حول الأسباب والمآلات، ويضع الفكر النقدي أمام مفترق طرق بين خيار المقاربة الأمنية الذي لا يمكنه أن يثبت نجاعته إلا على المدى القصير، وبين ضرورة فهم جيل مختلف تماماً عن أجيال المناضلين السابقين.

إن اختيار المقاربة الأمنية من قبل السلطات المغربية ليس قراراً عشوائياً، بل هو نتاج لعدة عوامل معقدة ومتشابكة وناتجة عن تراكم تاريخي من سياسة القمع والانفتاح المحدود. فمن ناحية، هناك وعي تام لدى الحاكمين بخطورة اللحظة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجيل يمتلك أدوات تختلف عن أي جيل سبقه. جيل Z، وهو جيل مولود في عصر الرقمنة والإنترنت، ولديه القدرة على التنظيم السريع ونشر الرسائل بشكل فوري، في صورتها المكتوبة والمسموعة والمصورة، مما يجعل السيطرة عليه بالطرق التقليدية أمراً صعباً. وفي هذا السياق، قد ترى السلطات أن التدخل الأمني السريع هو الوسيلة الوحيدة لمنع تفاقم الاحتجاجات وتحولها إلى حراك أوسع نطاقاً.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب المخاوف الأمنية دوراً محورياً في هذه المقاربة. ففي ظل منطقة إقليمية مضطربة، حيث يمكن لحراك صغير أن يتحول إلى أزمة جيوسياسية كبيرة، خاصة أمام العلاقات المتوثرة مع جيران المغرب، وتدخل ذبابهم الاليكتروني في الترويج والتهويل لطبيعة حراك جيل Z، وبالتالي يصبح الحفاظ على استقرار البلاد أولوية قصوى باللجوء للمقاربة الأمنية بشكل وقائي يهدف إلى قطع الطريق أمام أي تطورات غير مرغوب فيها، وغير محسوبة العواقب، والتي قد تؤدي إلى مطالب سياسية جذرية أو فوضى عارمة.

كما أن البنية التنظيمية للأجهزة الأمنية المغربية تلعب دوراً في تعزيز هذا الخيار. فالأجهزة الأمنية تمتلك خبرة طويلة وقدرات لوجستية تجعل المقاربة الأمنية خياراً عملياً وسريع التنفيذ. في مقابل، الحلول السياسية والحوارية التي تتطلب وقتاً وجهداً أكبر، وقد لا تتوافق مع سرعة انتشار الاحتجاجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من أن المقاربة الأمنية قد تنجح في احتواء الاحتجاجات على المدى القصير، إلا أن تداعياتها على المدى البعيد قد تكون مقلقة|، وربما مدمرة. فمن الناحية الاجتماعية والسياسية، قد تؤدي هذه المقاربة إلى تعميق فجوة الثقة بين جيل الشباب والمؤسسات الرسمية. عندما يشعر الشباب بالتهميش والإقصاء، قد ينمو لديهم شعور بالإحباط والسخط، مما قد يدفعهم إلى تبني أشكال احتجاجية أكثر تشدداً يصعب السيطرة عليها في المستقبل، وهذا قد يؤدي إلى رفع سقف المطالب التي قد تتجاوز الحدود الاجتماعية إلى معانقة الآفاق السياسية التي تقتحم المناطق المحرمة في الخطاب السياسي، وتتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بطبيعة النظام السياسي.

ومن المؤكد أن المقاربة الأمنية/القمعية لن تعالج الأسباب الجذرية للحراك، بل تؤجل فقط “الانفجار الأكبر”. فالقضايا الحقيقية التي تدفع الشباب إلى الشارع، مثل الهوية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، لا يمكن حلها بالقوة، وأن الاعتماد المفرط على القمع سيضعف دون شك شرعية النظام في أعين فئة حيوية من المجتمع، وهم الشباب.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي القمع إلى تغيير طبيعة الحراك نفسه، وتحويله من حركة سلمية وعلنية إلى حركة أكثر سرية وتشتتاً. كما قد يجذب هذا القمع انتباه المنظمات الحقوقية الدولية، مما يضع المغرب تحت مجهر النقد الدولي في مجال حقوق الإنسان.

وفي النهاية، فإن التعامل الأمني مع احتجاجات جيل Z يضع المغرب حاضرا ومستقبلا أمام مفارقة عميقة. فمن جهة، هو تعبير عن رغبة في الحفاظ على الاستقرار والسيطرة، ومن جهة أخرى، يكون سبباً في تعقيد الأزمة على المدى الطويل. والمخرج الحقيقي لا يكمن في الاختيار بين الأمن أو الحوار، بل في تطوير نموذج جديد يضمن الاستقرار عبر الانصات لهؤلاء الشباب وتلبية مطالبهم المشروعة من خلال إرادة سياسية حقيقية تنشد الإصلاح ومحاربة الفساد.

يجب على النظام أن يدرك أن الخيار الأمني لن يخرج البلاد من مأزق التشنجات، بل سيزيدها تشنجا واحتناقا لا يمكن التنبؤ بعواقبه. لذلك فإن الاستماع إلى مطالب الشباب وتطلعاتهم هو الأمر الضروري والصائب. وقد يدفع إلى تخفيف الاحتقان عن طريق إصلاحات حقيقية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى رأسها محاربة الفساد باعتباره السر المفضوح الذي يكمن وراء جميع الاختلالات مما سيسمح باستعادة التوازن الاجتماعي المطلوب. فالمستقبل لا يمكن أن يُبنى على التوتر الدائم، بل على جسور التواصل والتفاهم بين الأجيال.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!