موت البحث العلمي الإنساني في جامعات المغرب!؟

موت البحث العلمي الإنساني في جامعات المغرب!؟

اسماعيل طاهري 

      عندما يقول الدكتور سعيد يقطين*:

عندما نقارن الآن بحث الدكتوراه نجده دون الطموح الذي كان لدى طالب الإجازة في السبعينيات والثمانينيات“.

ماذا بقي من إصلاح التعليم في المغرب؟

      هل هناك فضيحة أكثر من هذا التصريح الخطير الصادر من معلمة فكرية ونقدية مغربية نذرت حياتها للبحث العلمي الرصين. باحث له مكانة مرموقة في أوساط البحث العلمي مغربيا وعربيا.

لو كان هناك ضمير عند رئيس الحكومة لتم استدعاء الدكتور سعيد يقطين الى التلفزة العمومية ليشرح لنا ماذا يقصد بهذه الخلاصة المؤلمة؟ ولطلب منه وزير الجامعات الإشراف إعداد دراسة ضافية حول الموضوع.

يبقى هذا المقترح مستحيلا. والدليل على ذلك هو عدم تحرك ضمير الحكومة عندما قدم سعيد يقطين وزميل له هو عالم السيميائيات الدكتور سعيد بنكراد استقالتهما قبل سنتين من التدريس والتأطير  بالجامعة احتجاجا على نظام البحث العلمي والدرك الأسفل الذي يتجه اليه بإمعان وترصد من الحكومة.

هل تتجه الحضارة المغربية الى الفناء؟

الم يبق لجيلنا أمل في استعادة أمجاد الماضي وتعزيز حضورنا الحي في مجتمع المعرفة / مجتمع المستقبل؟

هل بقي لنا نزر يسير من الأمل لجعل هذه البلاد دولة ديمقراطية مزدهرة ثقافيا ومعرفيا؟

أم سيبقى الحكام يجرون وراء النظام العالمي للتفاهة ويختزلون الحضارة المغربية في ملعب لكرة القدم لن يلعب فيه أحد أو طريق طيار يخترق الدواوير والمدن الفقيرة. أو جلابة وزانية وقطعة زليج؟

***

لنلاحظ مثلا أن مدينة طنجة بوصفها القطب الاقتصادي الثالث في البلاد بعد جهتي الدار البيضاء والرباط لا تتوفر ببساطة على كلية للآداب والعلوم الإنسانية، نكاد لا نعرف شيئا أكاديميا عن شعرها ولا سردها ولا مسرحها ولا سينماها ولا تاريخها ولا جغرافيتها ولا فلسفتها ولا علماء دينها… والحال أن هذه فضيحة بجلاجل. نحن مع معدل النمو الاقتصادي بجهتها الذي قارب 5%  خلال سنة 2023, ولكن معدل النمو الأكاديمي يبقى ضعيفا. واذا احتجنا معلومات أكاديمية عنها فيتعين علينا زيارة مكتبات كليات الآداب في مدن مغربية أخرى أو في الخارج.

أضواء الملعب الكبير في طنجة أو أبراج السياحة في خليج المدينة وعلب الليل التي لا تنام على مأساتها المزمنة، وعلب السكن الاجتماعي التي تحولت الى كانتونات بدون روح والإختناق المروري والضجيج وتلوث الأرض والجو والشواطئ..وما يخلفه كل هذا من عقد نفسية وأمراض وإدمان وانحراف ومشاهد خادشة بالسلوك المدني وانهيار شبه كلي للقيم النبيلة.

والسؤال ما هي الجهة التي يمكن بواسطتها تحليل هذه الظواهر الإجتماعية واقتراح حلول اكاديمية (علمية) لها أليس باحثي شعب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي يبكي عليها وعلى أمجادها الأستاذ سعيد يقطين.

***

وآخر المعلومات تشير للأسف الى أن المغرب حل في المرتبة 110 عالميا في مجال التعليم، من أصل 182 دولة شملها تقرير مؤشر العدالة العالمية 2024، الصادر عن معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية بجامعة فودان في شنغهاي، في 3 شتنبر 2025.

ولن أضيف جديدا اذا قلت أن ميزانية البحث العلمي في المغرب ضعيفة لا تصل الى   1% من الناتج الداخلي العام والخام, وهي نسبة ظلت شه مجمدة منذ الإستقلال مما يكشف أن الدولة خائفة من البحث العلمي ونتائجه التي تعري فشل السياسات العمومية والعامة المعتمدة.، لأن الحكومات المتعاقبة ليس في برامجها تطوير البحث العلمي لتطوير الصناعة والإبتكار. وبالنتيجة تطوير وعصرنة الاقتصاد وإخراجه من كماشة الريع والفساد والجفاف. كما أن مقاربة سياسة الضبط والتحكم في المجتمع تعتبر أولوية وهاجس لدى الدولة، عوض مقاربة أخرى تعتمد أساسا على بدائل مدنية وديمقراطية خلال إنفاد القانون والاستعانة بدراسات سوسيولوجية أكاديمية موضوعية عوض الاعتماد على دراسات وتقارير إدارية بيروقراطية أو دراسات مكاتب الدراسات ( التجارية بطبعها، التي لا تنتج ولا يمكن ان تنتج لا علم ولا برامج سياسية والتي تشبه مختبرات التحليلات الطبية. ونفس الشيء يمكن إسقاطه على مختلف الدراسات الانسانية الاخرى في التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس وعلم الأدب….الخ. واليوم يدفع المغرب ثمن تحجيم الفلسفة وإغلاق معهد السوسيولوجيا في عهد إدريس البصري وكبح جماح البحث العلمي لعقود لدرجة أضحى تدارك الوضع من الصعوبة بمكان بعد تنامي معاداة العلوم الانسانية ( وصار وزراء يجهرون بذلك ويسهرون على تنفيد مخططات علنية لقتل الثقافة المغربية وآخرها الغاء مهرجان البدوي للمسرح في إفران…الخ) كما انهارت القيم التقليدية النبيلة داخل المجتمع بعد فشل برامج إصلاح التعليم والثقافة والإعلام علاوة على الازمة الاقتصادية المزمنة التي جعلت فئات عريضة من المجتمع ساخطة على الوضع الإقتصادي وتحتج بضرب القيم النبيلة للمجتمع والحط منها والسخرية ممن لازال متشبثا بها، وإمعان الإعلام العمومي في تمجيد قيم الانحراف و التفاهة من خلال المسلسلات التركية والمغربية السمجة وبرامج الترفيه النتنة.

والمفروض في الدولة الديمقراطية الحديثة أن تلتفت الى أصل المشكل الذي لا يمكن تحديده بدقة الا داخل مختبرات البحث العلمي للعلوم الإنسانية لفهم وترويض وتهذيب السلوك المدني داخل المجتمع وداخل مختبرات العلوم الدقيقة لتطوير تكنولوجيا الفلاحة والصناعة والخدمات وبالنتيجة تطويرالاقتصاد الوطني ومضاعفة الناتج الداخلي الخام.

___________

هامشان:

* سعيد يقطين: الدراسات السردية المغربية: توهج متواصل. موقع القدس العربي.

https://www.alquds.co.uk/writers/%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d9%8a%d9%82%d8%b7%d9%8a%d9%86/

** للمزيد من التفاصيل: https://lakome2.com/flash-infos/390767/

شارك هذا الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!