نزع سلاح الحزب وقطع طريق الأموال الخطة الأمريكية

نزع سلاح الحزب وقطع طريق الأموال الخطة الأمريكية

أحمد مطر

لا تنفصل زيارة وفد الخزانة الأميركي مع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إلى لبنان وفحوى النقاشات التي أجراها مع كبار المسؤولين اللبنانيين، والتي عكست تشدداً أميريكياً لافتاً، استنادا إلى أحد المشاركين، عن فحوى الموقف الأميركي الذي اعلنه الموفد الأميركي توم براك في مؤتمر الأمن بالمنامة مطلع الشهر الحالي، ولو أن التعابير اختلفت بالشكل، بينما المضمون كان واحدا، مع معلومات إضافية عن وسائل وشرايين مستحدثة لتهريب الأموال الإيرانية وغيرها إلى حزب الله في لبنان .

واللافت أن الوفد تميّز بتركيبته المتخصصة التي تضم خبراء في مكافحة تمويل الإرهاب والاستخبارات المالية، بالإضافة إلى خبراء في السياسات الأمنية ومراقبة التدفقات النقدية غير المشروعة، ما يعكس جدّية الولايات المتحدة في متابعة الملفات الحرجة .

وفي هذا الإطار، أشارت مصادر سياسية التقت الوفد الأميركي إلى أن الرسائل التي نقلها الوفد لم تقتصر على التحذير، بل حملت دعوة صريحة للسلطات اللبنانية لاتخاذ خطوات عملية ملموسة لإصلاح الأداء السياسي والاقتصادي، وتفعيل وحدات الرقابة المالية والقضائية، خصوصاً فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية وملف اقتصاد الكاش .

وأكدت المصادر أن الهدف ليس الالتزام بحرفية مدة زمنية محددة، أي 60 يومًا كما تم الحديث، بل إظهار خطوات ملموسة على الأرض، مع التأكيد على أن أي تأجيل أو مراوغة قد يكون له انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي والاستقرار الوطني، ما يجعل هذه الزيارة لحظة فاصلة للبنان في اختبار قدرته على الالتزام بالإصلاحات وتحمّل مسؤولياته تجاه الدولة والشعب .

وقالت المصادر إن الوفد ركّز على الخروج من الثقافة السياسية السائدة في لبنان، والتي عادةً ما تُسخّر لتمييع المواقف أو إدخال المواطنين في تفاصيل تُشتِّتهم، مؤكداً أن المطلوب هو قيام السلطات اللبنانية باتخاذ الإجراءات الضرورية أولاً وفوراً، ومن ثم إعادة تقييم ما تم تنفيذه لمعرفة ما إذا كان سيؤدي إلى تغيير جذري .

وأضافت المصادر أن الوفد لن يسمح بعد اليوم للسلطة السياسية بإدخالهم في متاهات تفصيلية أو تقديم أعذار لتعطيل التنفيذ، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية .

أما فيما يخص الجهة التي تتحمّل المسؤولية عن المماطلة في تنفيذ الاجراءات المطلوبة دولياً، قالت المصادر إن الأمر ليس سهلاً، ولا يمكن تحميل سلطة واحدة المسؤولية، ولكنها في المقابل أشارت إلى أن رئيس مجلس الوزراء نواف سلام يقوم بواجبه بالكامل ويتحرك لتفعيل الإجراءات المطلوبة. وأكدت المصادر أن الرئيس سلام دفع باتجاه الموضوع المرتبط بقرار الحكومة حول نزع السلاح أو وضعه بيد الدولة، مشيرة إلى ان الخطوات والقرارات الحالية تعتبر جيدة حتى الآن، ولكن العبرة تبقى في التنفيذ، لان التطبيق لا يزال محدودًا. 

تزامنت زيارة الوفد الاميركي المشترك إلى لبنان مع تصعيد ملحوظ بعمليات القصف الإسرائيلي لمواقع ومستودعات اسلحة للحزب، بعيدا عن الجنوب، وتكثيف عمليات اغتيال عناصر ومسؤولي الحزب، ما يؤشر بوضوح إلى تصعيد سياسي وأمني لافت، على الدولة اللبنانية، لازالة اي التباس او تلكؤ في عملية نزع سلاح الحزب، بالرغم من كل التأكيدات التي ابداها المسؤولون اللبنانيون، بماحققه الجيش اللبناني من تقدم ملحوظ في تنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة وحدها بما فيها سلاح حزب الله .

وأكدت المصادر أن موضوع وضع المسؤولية السياسية على جهة واحدة هو بالأمر غير السهل، خصوصاً ان معالجة الملفات الأساسية والمتراكمة على مدى عقود لا يمكن أن تكون سطحية أو انفعالية .

من هنا، تقول المصادر أن على الجميع أن يدرك، بما فيهم «حزب الله»، أن المجال للمراوغة لم يعد موجوداً. وأضافت أن مصلحة البلد على المحك، ومسؤوليات السلطات كبيرة، ومن الضروري الالتزام بقرارات الحكومة والتعاون معا حفاظاً على لبنان والدولة والشعب. وحذّرت المصادر من أن استمرار التقاعس قد يضع لبنان في مكان خطير جداً، مؤكدين أن ترك الشعب اللبناني لمصيره لم يعد خياراً، لأنه إن حصل ذلك فلن يبقى أحد لإصلاح ما ضاع على مدى سنوات طويلة .

وبالنسبة للتحوّلات الإقليمية، أشارت المصادر إلى أن المشهد الدولي الحالي يشير إلى وجود خريطة جديدة تُرسم في المنطقة، وأن على لبنان أن يختار إما أن يلتحق بقطار السلام، وإما أن يتأخّر أشواطاً في المشهد الإقليمي وبالتالي يدخل في المجهول المظلم .

وردّا على سؤال حول ما إذا كان الوفد الأميركي حمل أي رسائل جديدة ومختلفة هذه المرة عن التحذيرات الأميركية المتكررة من قبل المسؤولين الأميركيين، أكدت المصادر أنه لا توجد رسائل جديدة نقلها الوفد الأميركي، لكن المقاربة اليوم أتت أكثر قسوة وحزماً، ووضوحاً من قبله بل وصادمة، ووضعت المسؤولين اللبنانيين أمام واقع جديد لا مجال فيه للتحايل أو المراوغة أو التمييع، ما يجعل المسؤولين مطالبين بحزم موقفهم تجاه مستقبل لبنان .

وكشفت المصادر أيضا أن الوفد الأميركي رغم تحذيراته الجديدة والقاسية فهو أبدى في الوقت نفسه تقديره للجهود المبذولة على مستوى القوانين الإصلاحية ومكافحة الفساد، لكنه أكّد أن هذا التقدير لا يغني عن التنفيذ الجاد للخطوات المطلوبة، وأن أي تأجيل أو مراوغة سيكون له انعكاسات مباشرة على الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. وأضافت المصادر أن الاستمرارية في الإصلاحات والمراقبة المالية الدقيقة، بالإضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة، هي المفاتيح الأساسية لاستقرار لبنان وضمان عدم استغلاله من قبل أي طرف خارجي

الأهم في زيارة الوفد الأميركي المشترك هذه المرة، ليس بما جدده من مطالب وشروط لتسريع خطى نزع سلاح الحزب، وتحديد خروق تهريب الأسلحة والاموال، والتنبيه لما يجب أن يكون عليه موقع لبنان في خريطة المنطقة التي ترسم حالياً، بعد انضمام سوريا إليها، وإنما ربط كل هذه الأمور بما فيها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتسوية المشاكل مع إسرائيل وتمويل إعادة الإعمار والمساعدة بحل الأزمة المالية والنهوض الاقتصادي للبنان بالمرحلة المقبلة، بنزع سلاح حزب الله بالكامل وإخراج النفوذ الإيراني من لبنان، وبالمختصر المفيد وضع جدول أي مفاوضات مقبلة مع إسرائيل .

ختامًا، تشدد المصادر على أن المستقبل السياسي والاقتصادي للبنان مرتبط مباشرة بقدرة السلطات على الالتزام بالخطوات العملية، وتحمل المسؤولية الكاملة، حيث أن الفرصة المتاحة للبنان الآن غير مسبوقة لكنها محدودة، وأن التفريط بها قد يعرض الدولة والشعب لمخاطر جسيمة على المدى الطويل. وخلصت المصادر إلى أن هذه المرحلة تمثل اختبارًا حقيقيًا لجدية المسؤولين اللبنانيين، وفرصة لتأكيد سيادة الدولة وإعادة بناء الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصاً أن لبنان وما يقوم به مسؤوليه من خطوات هو تحت المجهر الدولي وتحديدا الأميركي الذي يتابع عن كثب كل الإجراءات والقرارات المتخذة من قبل الدولة اللبنانية .

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!