هل ستنتصر غطرسة الإبادة أو ستفوز غزة الحُجَّةُ والصمود؟

هل ستنتصر غطرسة الإبادة أو ستفوز غزة الحُجَّةُ والصمود؟

المصطفى مفتاح

              خطة الاستعمار العنصري واضحة: المزيد من الفظاعات والإبادة والجرائم، والإعلان الواضح عن الأهداف الاستراتيجية، والوسيلة: مضاعفة البطش وتعميق عملية الإذهال[1]، مع بعض بهارات افتعال معارك جانبية من النوع الطائفي، على وجه الخصوص.

ولعلنا لا نعطي لمخطط الإذهال كل الاهتمام الواجب، خصوصاً وأن بعض الأصوات بدأـ تنفخ في جمرات الاقتتال الطائفي المأمول، غربياً وإسرائيلياً، والبداية سوريا ولبنان، والزعماء الباقون يتحسسون عروشهم وأرصدتهم. والإذهال واحد من جبهات عدوانية: ثانيه هو المحو[2]، وثالثه التجريد من الإنسانية[3]، ثم الإنكار[4].

وقبل أن أُفَصِّلَ أكثر في الإذهال، أريد أن أشير إلى أن الهزيمة تأتينا مراراً عن طريق دفعنا أو جرنا، إلى استبطان الهزيمة، أول الانهزام. نحزن وقد نثور بداية على حجم وبشاعة الغارات الإسرائيلية وعدد الشهداء والمصابين وحجم الدمار، وهذه الجبروت التكنولوجية التي تتبعنا وتقنصنا وتحصي أنفاسنا، من الفضاء البعيد والجو المسير والبر والبحر وقنوات الإعلام بكل اللغات، ثم نقطب، ونفكر ونرجع لما يبدو وكأنه العقلانية، لأن البطش المغير والمسير والناسف والتكنولوجي جداً جداً، أذهلنا على كل شيء سوى القوة الهائلة العسكرية والتقنية والمالية والديبلوماسية معززة بالخذلان والخيانة، فينبري شيطان استبطان الهزيمة بالسؤال: أليست المعركة أكبر منا؟ أكان معقولا وصائبا أن نبادر بالدفاع عن الأرض والأطفال والأمهات وكل العائلة؟ أكان معقولاً أن نقاوم؟ أو أن نحاول المقاومة؟

ونذهل، ويذهل العالم فتصبح أُمُّ المشاكلِ 7 أكتوبر، ثم “الإسناد”، ثم “سلاح المقاومة”، ويكبر السؤال: أهذه معركتنا؟ وإذا كانت، مَنْ مِنْ حقِّهِ خوضها، باسمنا؟ وتصير كل هذه الشهور من المقاومة والحياة والجلد على الحياة في غزة ولبنان وسورية، عناصر إضافية مُشَدِّدة في صك الاتهام. وقد يستوي عميل العدوِّ الذي لا يعترف بأي اتفاق يبرمه في التلفزة مع المقاوم، أو ليس هذا عميلاً لإيران أو قطعةً من أذرعها.

والباقي تفاصيل صغيرة غير مهمة مثل الحق القانوني في المقاومة المسلحة، وجرائم الحرب والإبادة، ومنع تسليح الجيش في لبنان وسورية حتى مع قيادتها الحالية، والاستحواذ على الموارد الطبيعية، والغارات اليومية وأزيز المسيرات في غزة والضفة والقدس والجنوب وبيروت وسورية….وكل ما قد يعكر صفو “خارطة الشرق الأوسط المقبل”، كما يعلنها مجرمو الحرب في الأمم المتحدة!

هَبْ أن المقاومة، أي “حماس” و”الجهاد” و”الجبهة الشعبية” وباقي الفصائل المناضلة في القطاع والضفة، سلمت سلاحها، كما يأمرها، بكلام نابٍ، رئيس السلطة على مكاتب “المقاطعة” ومساندوه الرسميون، ماذا سيقع؟ هل سينتهي الحصار والتجويع والإبادة وقنص الصحفيين والنساء والأسرى والمسعفين والأطفال والأواني “ذات الاحتياجات الخاصة”؟ هل سترتدع عصابات “أبو شباب” ولصوص إسرائيل المفوضون؟ هل تقتنع الولايات المتحدة بحل الدولتين، واحدة في جنوب السودان أو الصومال أو دول أخرى أقرب والثانية، إسرائيل التوراة؟ هل سيتوقف ضم الأراضي الفلسطينية؟

هَبْ أن حزب الله سلم سلاحه للجيش اللبناني الممنوع من التسلح ومن تجاوز أحد الأنهار التي ستحددها الدولة العنصرية، هل ستتوقف الغارات على لبنان؟ هل سيتسلم الجيش، بعون أمريكا، كل السلاح “الخارج عن القانون”، أي السلاح الإسرائيلي، وسلاح الميليشيات التي يعرفها “تل الزعتر” و”صبرا” و”شاتيلا”؟

لعل خاصية مميزة للمقاومة في فلسطين ولبنان هي أن القادة يستشهدون، تقتلهم الطائرات والمسيرات والغارات والأجهزة الإلكترونية والاغتيالات والخيانات. نعم إن القادة عند المقاومتين يستشهدون، فيعلق المعلقون أن هذا الأمر دليل على ضعف “إيران”، وقدرة الذكاء العدواني على الاختراق. أو ليس الأمرُ، أكبر من هذا التعليق البليد؟ أو ليس، التفاف الناس في غزة والضفة والقدس والجنوب والضاحية حول المقاومة، عنوان ثقةٍ لأن هؤلاء الذين كان يمكن أن يختبئوا، يتقدمون للموت مع شعبهم، في ترجمة سامية الإنسانية للالتزام مع الشعب؟

ثم ماذا، لماذا لا يطالب استبطان الهزيمة واستباق الانهزام من القائد “مروان البرغوتي” أن يسلم كبرياءه وأنفته وجدارته وصموده الأسطوري؟ ونمنع الشهداء من الشهادة لأن ذلك يغيض العدو وأمريكا؟

ولنخرج قليلا من ذهولنا لنرى هذا الصمود الأسطوري للأطفال والمسعفين والصحافيين والجائعين والمبتورة أطرافهم والمستضعفين في الضفة والقطاع والجنوب والضاحية. لنستفيق من الإذهال ونسأل: كيف لهذا الجيش “الأقوى” في المنطقة والمسنود من أمريكا والغرب، أن يقف عاجزاً على كسر حركة المقاومة بوسائلها التي لا تقارن؟ كيف له أن يقف عاجزا عن كسر شوكة الصمود، رغم الجوع والعطش والمرض والدمار الهائل؟ ماذا نفعته كل الترسانة العسكرية والتكنولوجية والمالية والصناعية وكل الخيانات والتعامل ضد شعب الجنوب والقطاع والضفة والقدس، وسفن الضمير العالمي للشباب الذي لم تذهله قوات القمع في كل بلاد الغرب؟ السنا نشاهد انحداره نحو النهاية؟ ماذا سيطالبنا بعد كل هذي الشهور الطويلة والأعوام والعقود منذ استهداف الاستعمار الغربي المنطقة، كل الكتاب الذين أغاظتهم المبادرة المقاومة ويغيظهم الإسناد والسلاح المقاوم فقط، وانكسار التطبيع مع استبطان الانهزام؟

لنخرج قليلا من الذهول لنشهد أن الغطرسة والهمجية والإبادة تنهزم وتتراجع وأن الحضارة لا محالة منتصرة في الشرق العربي، مهد الحضارة الإنسانية وفي الكوكب الأزرق.

[1] La sidération

[2] L’invisibilisation des palestiniens et des libanais

[3] La déshumanisation des victimes

[4] Le déni de la réalité du génocide

شارك هذا الموضوع

المصطفى مفتاح

ناشط سياسي وجمعوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!