وداعا إسكندر حبش.. مسيرة إبداعية وثقافية متفردة
عبد الرحيم التوراني
غيّب الموت في بيروت يوم الخميس 30 أكتوبر 2025، الشاعر والمترجم والناقد الفلسطيني- اللبناني إسكندر حبش، الذي رحل بعد صراع مرير مع السرطان، الداء الخبيث الذي كان فصلاً مكرراً من فصول المأساة العائلية بعد أن خطف شقيقه الأصغر قبله.
يتحدر إسكندر جبران حبش، المولود في بيروت عام 1963، من عائلة عريقة في اللد الفلسطينية المحتلة، وهو سليل عائلة جورج حبش قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي ظل عضوا ومتمسكا بمبادئها حتى الرمق الأخير. هذا الانتماء الثابت شكل جانبا أساسيا من هويته الملتزمة بخط المقاومة والتحرر.
في سنواته الأخيرة، ساد الصمت حول اسمه. اختفى صوته عن الصفحات الثقافية ومنصات التواصل، ولم يكن هذا الغياب سوى ستار كثيف لعزلته القسرية التي فرضها المرض. وقد عبر إسكندر حبش عن خيبة أمل وجودية تجاه المشهد العربي، معلناً بمرارة أنه “بصراحة لم يعد هذا العالم العربي يعني لي أي شيء”، في إشارة إلى الفوضى والتحولات التي غمرت المنطقة.
في كتابه “هجرتان وأوطان كثيرة”، أفصح حبش عن موقفه المؤيد للمقاومة، مؤكداً أن “سقوط الأصدقاء (بسبب الموقف السياسي) مفيد لتنشق الهواء النقي”.
كرّس إسكندر حبش سنوات جوهرية من حياته لـ “جريدة السفير” اللبنانية، حيث تولى مسؤولية القسم الثقافي. حتى إغلاقها عام 2016 .
واستثمر بقلمه في نصرة الثقافة التقدمية والفكر الملتزم، مؤمناً بأن دور المثقف لا يقل أهمية عن دور المناضل في الميدان.
كما عمل مدرساً للغة الفرنسية، لغة انهمر منها سيل ترجماته. لقد كان حبش جسراً معرفيا وإنسانيا، حيث تحول فن الترجمة عنده إلى شكل من أشكال المقاومة الثقافية ضد الانغلاق والاستعمار الرمزي. وعبر ترجماته المكثفة عن الثقافة الفرنسية، ساهم في كسر فكرة وجود “عاصمة معينة للثقافة العربية”، إذ رأى أن “الثقافة العربية اليوم موزعة على عدة عواصم”.
***
يُعد إسكندر حبش من أبرز الأصوات الشعرية في جيل الثمانينيات في لبنان، وهو جيل ولد ونضج في أتون الحرب الأهلية، مما انعكس على شعره بالهشاشة والبحث عن الخلاص المفقود. وقد ساهم في إطلاق مجلات شعرية طليعية، مؤسسا لمشهد شعري جديد يتبنى قصيدة النثر.
عبّرت مجموعاته الشعرية («بورتريه رجل من معدن»، «نصف تفاحة»، «إقامة في غبار»… إلخ) عن انشغالاته الوجودية والسياسية، وجسّدت رهانه على اللغة كـ “فعل تحرّرٍ وكشفٍ للإنسان في هشاشته ومجده معاً”.
وصف حبش علاقته بالكتابة بأنها تحولت من “نوع من التعبير” إلى “نوع من التوازن” في حياته، مؤكداً: “القراءة الفعلية هي تلك التي نقوم بها كي نكتشف أنفسنا”.
البقاء في بيروت كان بالنسبة له “خيار حياة”، حيث فضل الكتابة عن الحرب “من داخلها”.
نعاه العديد من الشعراء والمثقفين في البلاد العربية.. صديقه الشاعر اللبناني عقل العويط رثاه بكلمات كاشفة، وصفته بأنه لم يكن “رجلاً من معدن… بل من تدبيرِ حياةٍ وكلماتٍ بأقدارٍ مأزومةٍ”، مؤكداً أن الموت أسدل حروفه الأخيرة على “ديوان تعذيبها وتدميرها”.
كما ودعته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان مؤثر تحت عنوان “وداعاً إسكندر حبش رفيق وصديق وفقيد الثقافة العربية”، منوهة إلى مسيرته الطويلة من “الإبداع والالتزام والفكر الحرّ”.
إسكندر حبش تزوج مرتين: الأولى من المصورة اللبنانية هدى قساطلي وله منها بنتان، وبعد طلاقهما تزوج من معدة ومقدمة البرامج، السورية شيرين موسى.
نقل حبش إلى العربية أصوات قامات عالمية مثل: فرناندو بيسوا في عمله البارز “لست ذا شأن”، وأمبرتو إيكو، مارغريت دوراس، وعتيق رحيمي (في رواية “ألف منزل للحلم والرعب”. ومن أبرز ترجماته أيضاً: “أجمع الذكريات كي أموت”، وكتاب “هكذا تكلّم أمبرتو إيكو”.
كما أعد الراحل وقدّم ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين، لبنان الصادر عن سلسلة “كتاب في جريدة”.
سبق لاسكندر زيارة المغرب، وكان مرة ضيفا على برنامج ثقافي بالقناة الأولى بالرباط.
