مصر السيسي.. مين بيحب البلد أكثر من الدكتاتور؟!
قبل أسابيع قليلة من بداية هذا العام، تململ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فوق كرسيه ليرد على سؤال صحفي أجنبي يتعلق بوضع حقوق الإنسان في مصر، بعد الأخبار التي تتحدث عن وصول عدد المعتقلين السياسيين في أرض الكنانة إلى مائة ألف معتقل سياسي.
ومما قاله الرئيس السيسي متحديا الصحفي الأجنبي ومن يلف لفه: “أحضروا لي البيانات والأعداد الكبيرة وقوائم الاختفاء القسري التي تتحدثون عنها، وسيتم عمل لجنة للوقوف عليها”. وأضاف أنه مستعد لتشكيل لجنة تأخذ كافة البيانات التي يتم طرحها وتداولها عن أعداد السياسيين المعتقلين والاختفاء القسري ويتم الوقوف على حقيقة ذلك، وعند الانتهاء تقوم اللجنة بإعلان نتائجها على العلن. وقال: في الأخير “ستكتشف هل ما يتم تداوله حقيقي أم لا؟” وأكد بأنه “أحيانا تكون البيانات ليست دقيقة، والموضوعات لا تكون كاملة”.
وبأسلوبه الخاص أنهى السيسي كلامه بالقول: “هل إنتوا بتحبوا شعبنا أكثر مننا.. خايفين على بلدنا أكثر مننا…. بلادنا عايزة تعيش والشعب عايز يكبر زي الباقي.. ومحدش يعيقنا ولا يعرقلنا.. ومحدش بيحب شعب مصر أكثر مننا”.. ويختزل الرئيس المصري رؤيته لحقوق الإنسان في توفير الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء، مؤكدًا على طول الخط أن هذه المتطلبات أهم من حق التجمع المحظور عمليا في مصر.
وكان ملف حقوق الإنسان في مصر عاد إلى واجهة الأحداث إثر الإفراج عن الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث (50 عاما) عقب عامين قضاهما في السجن. هو من وجوه “ثورة يناير 2011 المصرية” التي أطاحت بنظام حسني مبارك. وبمجرد وصوله إلى باريس قال شعث للصحافة بأن مصر هي “زنزانة كبيرة”. وأنها “أصبحت دولة ترهيب بكل ما للكلمة من معنى”.
وإلى جانب النشطاء السياسيين المعتقلين الذين ألصقت بهم اتهامات الإرهاب، يتعتقل السلطات الأمنية في مصر مواطنين آخرين لمجرد مشاركتهم بعلامة “لايك” في الفيس بوك على تدوينات لا تعجب السلطات. فتلفق لهؤلاء الأخيرين أيضا اتهامات الإرهاب. وأن المعتقلين لا يستفيدون من المسار القانوني للسجناء، ويتم الزج بهم في زنازن جد ضيقة، لا تتجاوز المتر مربع، يختنقون وتعفنون داخلها في ظروف لا إنسانية، وفعلا ذكر شعث موت بعض السجناء الذين كان معهم.
وقال رامي شعث إن“حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (بي دي إس)، التي هو منسقها بمصر. “طريقة لاعنفية لمحاربة الاحتلال والدكتاتورية معا”، معتبرا أن “تنامي العلاقات الإقليمية بين مصر وإسرائيل جعلت الحكومة المصرية لا تريد سماع أي شيء داخليا حول فلسطين”. وبأن معارضته تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية بوساطة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كانت دافعا إضافيا لاعتقاله.
أما بشأن “الربيع العربي” فقال شعث إنه لم يفشل كما يروج لذلك، فلم يحن وقت نهايته. والتغيير أمر لا بد منه وسيحصل”. وتابع “أرى أن النظام في مصر خائف وقمعي ودموي لأنه يدرك أن ما حدث في العام 2011 غير المصريين إلى اللاعودة”. *** في العام الماضي (2021)، وبعد الإفراج عن بعض وجوه الحركة الحقوقية والناشطين السياسيين، تفاءل كثيرون أن مصر باتجاه تخطي الاتهامات والانتقادات الحادة التي توجه إلى النظام الحاكم، بسبب انتهاك حقوق الإنسان، من عمالة الأطفال وانتهاءً بالإعدام خارج القانون. لكن في الوقت ذاته صدرت أحكام قاسية ضد ناشطين سياسيين وصحفيين مصريين آخرين، حُكم عليهم بعقوبات سجنية قاسية.
وأدانت عدد من المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية “تزايد الاستهانة بسيادة القانون وتنامي انتهاكات حقوق الإنسان وتزايد الملاحقات البوليسية سواء المغلفة بغطاء قانوني أو قضائي”، وقالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) إن “محاولات مصر السطحية لخلق انطباع بالتقدم في حقوق الإنسان لم تخفِ القمع الحكومي الوحشي لجميع أنواع المعارضة“.،مشيرة الى أن السلطات المصرية “وسّعت دائرة القمع ليشمل المدافعين عن الحقوق خارج البلاد بالقبض على أفراد أُسرهم في مصر وأحيانا بإخفائهم“.
وتؤكد المنظمة الحقوقية أنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتحمل السماح للدولة بإبادة المجتمع المدني المصري الذي كان حيويا في السابق بهذه التكلفة الزهيدة، وعلى المجتمع الدولي أن يضغط على الحكومة المصرية”. وأن الضغوط القمعية التي تمارس على السجناء دفعت أكثر من معتقل سياسي بالسجون المصرية إلى الإقدام على الانتحار، كان آخرهم الصحفي والمدون محمد إبراهيم رضوان الشهير باسم “أكسجين”، وأيضاً المعتقل السياسي عبد الرحمن طارق الملقب بـ “موكا”، كما وثقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان محاولة عبد الله بومدين نصر الله عماشة (15 عاما) الانتحار خلال شهر رمضان الماضي، بابتلاع كمية من أقراص الأدوية بعدما حصل على حكم إخلاء سبيل لم يتم تنفيذه. كما حاول خالد حسن الأمريكي من أصل مصري، الانتحار داخل زنزانته في سجن طرة في يوليو من عام 2019 بقطع شريان معصمه وتناول كميات كبيرة من الدواء لكن سلطات السجن نقلته إلى مستشفى استقبال سجن طرة في اللحظات الأخيرة.
كما وثق مركز “النديم لتأهل ضحايا العنف والتعذيب” 4 محاولات انتحار أخرى بسجن طره، منها انتحار أسامة مراد المدرس في جامعة الأزهر بعد فترة من المعاناة النفسية والاكتئاب الحاد الذي تعرض إليه في السجن لينهي حياته بذبح نفسه باستخدام آلة حادة.
وبحسب تقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في عام 2019، فإن عدد السجون التي تم إنشاؤها في عهد السيسي وصل إلى 26 سجناً من أصل 68 سجنا في عموم البلاد، وعلاوة على هذه السجون، فهناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافة إلى سجون سرية في المعسكرات الأمنية، وفقاً للتقرير ذاته.
عزيز سلماوي