دفاعا عن “الشيخات”
منعم وحتي*
هالني حجم التنمر المدبر الذي تعرضت له فئة من النساء، بفتاوي من زمن الغبار والسيوف وحوافر الخيول، إنهن رائدات نوع من الغناء الشعبي التراثي المغربي، واللواتي خلدن نوعا غنائيا بديعا، تداولته أجيال متعاقبة، وأرخ لمراحل الخصب والعادات القبلية وصراعات النفوذ وتنافرات وتجادبات حركية النسيج المجتمعي، إنهن “الشيخات” سيداتي سادتي المحترمين، وبكل الاحترام اللازم لهؤلاء النساء.
لا أود أن أتعاطى مع هؤلاء المبدعات، من زاوية تمجيد تاريخ بعضهن، واللواتي واجهن الاستعمار وسطوته من خلال موهبتهن في الغناء، والتي استثمرنها لإلهاب حماس المقاومة، “خربوشة” نموذجا. ولا أستسيغ أن أخندق “الشيخات” في باب المنتهكة حقوقهن والمتضررات من سطوة المجتمع، حتى لا يكون الحديث عنهن استدرارا لعطف ما.
إن الشيخات، سادتي سيداتي، هن ذاك المنبع الغرائبي للفرح والسعادة العارمين، والذي استظلت بظِلاله أقوام عدة، إنهن ذاك المركز المشع للطرب والكلام الموزون في أعراسنا وحفلاتنا البهية، إنهن ذاك الانشراح الذي ينغرس في دواخل الصغار والكبار، حين تنبعث هارمونيا الغناء و”العيوط” والإيقاعات الراقصة التي تستهوي كل الأعمار، هو ذاك الانتشاء الغنائي الذي يصل -بل يتجاوز- مراتب الرقص الصوفي، إنهن ذاك الإيقاع السحري الذي تنسجه آلات العزف التقليدية (الغيطة، البندير، الوتار، القعدة، الكامنجا،..) مع هارمونيا تحولات سرعة الإيقاع وتداخل الحناجر الذهبية، وبكل اللهجات واللكنات الأمازيغية والدارجة، الدكالية والملالية، المسفيوية والمزابية، الزيانية والزمورية، الشاوية والغرباوية،..
والمثير للتتبع أن كل الفئات الأسرية تنسجم رقصا وفرحا في أعراسنا، والشيخات كرز حلوى هذا الفرح الإنساني، ولا ميز بين النساء والرجال في تقاسم لحظات الفرح هاته، ولا بين عجوز وصبي، بل إن للأطفال أيضا نصيبهم من ذات الفرح والرقص البهي..
لا أعرف بأي حق يستفيق كاهن في زي الرهبان الأسود، ليُخرج “الشيخات” من الملة، كأنهن من كان يقطع الرؤوس في المحاكم الشرعية لشيوخ الضلالة!!
يمكن أن أتقبل عدم استساغة نوع موسيقي، أو لون من ألوان الرقص من باب تنوع الأذواق، لكن أن تصدر فتاوي دينية من بعض شيوخ الفتنة وتجار الدين لانتهاك حق المجتمع في الحفاظ على لون غنائي وموسيقي من تراث الشعب المغربي وعمقه الفني، فهذا غير مقبول، بل هو نوع من الظلامية المغرقة في الداعشية.
هي خطاطة للفرح دفاعا عن لون موسيقي متجذر في وجدان المغاربة، خلاصة القول أن فن “الشيخات” أشرف من تجارة الدين التي سممت عيش الناس، فالفرح الإنساني قيمة كونية تتحدى الوأد الجاهلي.
* ناشط سياسي مغربي