فشل الحل العسكري في حرب روسيا على أوكرانيا

فشل الحل العسكري في حرب روسيا على أوكرانيا

د. خالد العزي

بالرغم من الحرب غير المتكافئة بين روسيا وأوكرانيا، أثبت الاوكران شجاعة في الصمود  أبهرت العالم ولاتزال روسيا أعجز من تحقيق أهداف بسيطة على الأراضي الأوكرانية، مما يعكسه هذا الإجرام والتهديد للبنية التحتية الأوكرانية. وبالرغم من التضحيات الكبيرة في الشارع الأوكراني فلا تزال المعنوية الأوكرانية عالية.

لذلك تعتزم أوكرانيا استعادة إمكاناتها العسكرية قبل أربعة أشهر، على الرغم من تقدم القوات الروسية في دونباس، وتواصل القوات المسلحة لأوكرانيا ضرب أراضي روسيا.

ويرى الخبراء العسكريون والمتابعون الروس لسير العمليات في الدونباس بأن التقدم أصبح بطيئا، ولكن المنهجي للقوات الروسية في دونباس مصدر إزعاج ليس فقط لكييف، ولكن للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. عشية بدء قمة مجموعة الاتصال لوزراء دفاع دول الناتو وشركائها (المقرر عقدها في 15 \6\2022 في بروكسل)، طلبت القيادة العسكرية والسياسية لأوكرانيا جزءا جديدا واسع النطاق من المساعدة والمعدات العسكرية، وهي  1000 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم، و300 صاروخ إطلاق متعدد، و500 دبابة، و2000 وحدة مدرعة، و1000 طائرة بدون طيار.

في الوقت نفسه، استمرت الضربات العسكرية الأوكرانية، ليس فقط على دونيتسك، ولكن أيضا على أراضي روسيا – في 14 \6\2022، حيث أصيب العديد من الأشخاص نتيجة قصف قرية Zaimishche في منطقة كلينتسي الحضرية (تقع على بعد 50 كم من الحدود مع أوكرانيا).

الجدير ذكره بأن عدد الأسلحة التي تطلبها كييف مماثل لما كانت تمتلكه أوكرانيا عشية العملية العسكرية الخاصة، التي نظمتها موسكو اعتبارا من 24 \2\ 2022، ضمت القوات المسلحة الأوكرانية 2416 دبابة، ومركبات قتالية مدرعة أخرى، و1509 قطعة مدفعية ميدانية، ومدافع هاون، و535 نظام إطلاق صواريخ متعدد (MLRS)، وحوالي1000مركبة جوية بدون طيار (UAVs). بناء على بيانات وزارة الدفاع الروسية، حتى الآن، تم تدمير أو تعطيل جميع هذه الأسلحة تقريبا، بحسب الادعاءات الروسية والتقارير والإعلانات اليومية، ولكن هذه التقارير لا يمكن الاعتماد عليها، لأنها من مصدر واحد، وغير منطقية أثناء الحرب لسببين:

– لأن البيانات الروسية منذ اليوم الأول، ولاتزال، تشير إلى تدميرات غير واقعية إذ تم جمع بعضها مع بعض من اليوم الأول للمعارك، وإعلان البيان رقم واحد،  فإن الصياغة المعتمدة دعائية إعلانية غير واقعية.

– السبب الثاني، روسيا لا تقدم معلومات حقيقية عن خسائرها التي تتكبدها في المعارك، والتي اصبحت واضحة لجهة البطء الذي يحدث في سير المعارك والذي تنتج عنه خسائر طبيعية من الطرفين.

ويمكن القول بأن خطاب الرئيس بوتين في المنتدى الاقتصادي العالمي في سانت بطرسبورغ ، بتاريخ  16\6\2022، لايزال يرى بأن دولته تسير في نفس الخط الذي رسمه لتحقيق أهداف غزوته لأوكرانيا، متناسيا الفشل الذريع الذي لحق بروسيا من خلال النكسات المتتالية، التي أثبتت عجزها في مقاتلة جيش موقعه 23 في ترتيب جيوش العالم، وتناسى بأن روسيا أصبحت محاصرة ومعزولة عن العالم من جراء هذه العملية. لكن ما يؤكده بوتين في خطابه  بأنه لا يزال يستخدم نفس الكلمات الاستعراضية لجيش تم إذلاله في شوارع المدن الأوكرانية، وبهذا الغياب عن الواقع  فإن الحرب طويلة، لأنه مزج مابين الوطني والشخصي، وغلب الأنا الكبرى على المصالح الوطنية، حيث باتت معركة شخصية في أوكرانيا.

إذن، روسيا مصرة على أنها دمرت المعدات والتقنيات الأوكرانية، والآن يتم تجهيز القوات المسلحة الأوكرانية بمركبات مدرعة ومدفعية وMLRS وطائرات بدون طيار، والتي تم توفيرها من قبل الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى وحلفائها. لكن كييف بحاجة إلى مزيد من الأسلحة، وفي الواقع تطالب كييف الآن شركاءها باستعادة إمكاناتها العسكرية، التي كانت متاحة قبل فبراير 2022.

وهنا يمكن التأكد من وجهة نظرنا لعدم الاعتماد على البيانات التي تنشرها روسيا بشكل كامل، لأنها من طرف واحد، ولأن في الاستراتيجيات الحربية والتعامل معها لا يمكن الاعتماد على تغريدات تنشر على تطبيقات التواصل الاجتماعي، كونها تحمل نوعا من السرية التامة.

لقد تم الإعلان عن عدد الأسلحة الهجومية الثقيلة اللازمة للقوات المسلحة للبلاد على حساب تويتر الخاص بمستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا ميخائيل بودوليك، الذي، كتب أنه من أجل هزيمة روسيا وأوكرانيا نحتاج إلى “التكافؤ في الأسلحة الثقيلة”.

تحدث القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني عن نفس الأمر مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة، مارك ميلي. ووفقا لتقارير إعلامية، أخبر زالوجني زميله أن “روسيا لديها قوة نيران أكثر بعشر مرات من أوكرانيا”. يقولون إن الاتحاد الروسي نشر ما يصل إلى سبع كتائب تكتيكية فقط في مدينة سيفيرودونيتسك. وأشار القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية إلى أنه “في حالة سقوط هذه المدينة، ستظل مدينة واحدة فقط – ليسيتشانسك – تحت سيطرة أوكرانيا في منطقة لوغانسك”. فإن رد الفعل على تصريحات زالوجني من هذا القبيل غير معروف، ولكن في غضون ذلك، قبل أسبوعين، صرح مارك ميلي أن “أفضل طريقة للخروج” من الصراع “ستكون محادثات سلام” بين موسكو وكييف.

تعتبر المفاوضات هي الطريق الصادق لإنهاء المعارك من خلال الجلوس لإيجاد حل تفاوضي بين موسكو وكييف، لأن الحرب هي استنزاف لموسكو حتى لو سيطرت على مدينة سيفيرودونيتسك ستكون استنزافا قائما بحد ذاته، بل سيكون الانتصار شعبويا مغلفا بطعم الهزيمة، لأن المدينة التي دمرت لاتزال صامدة، وهذه نكسة لروسيا ولجيشها.

لكن كييف لم تظهر بعد استعدادها لمحادثات السلام، على العكس من ذلك، على خلفية النجاحات التكتيكية لوحدات القوات المسلحة للاتحاد الروسي وحلفائها في دونباس، تواصل القوات المسلحة لأوكرانيا محاولة التقدم بالقرب من خاركوف وباتجاه خيرسون.

كما يستمر قصف مناطق دونباس وروسيا. في 13\6\2022، تم تسجيل أقوى قصف على دونيتسك من مواقع القوات المسلحة الأوكرانية، حيث قتل خمسة أشخاص في المدينة وأصيب 33. بالمقابل هناك العشرات من القتلى والجرحى بسبب القصف الروسي على المدن الأوكرانية المختلفة

بينما أفاد حاكم منطقة بريانسك، ألكسندر بوغوماز، بتاريخ 14\6\ 2022 على Telegram أن القوات المسلحة الأوكرانية أطلقت النار على قرية Zaimishche في منطقة Klintsy، مما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص. كان من الممكن توجيه الضربة من الجانب الأوكراني بمساعدة MLRS. وفي خطابه المسائي الأخير، صرح رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي مرة أخرى أن كييف “ستحرر كل أراضيها، وسوف تحرر شبه جزيرة القرم لدينا أيضا. سيرفع علم أوكرانيا مرة أخرى فوق يالطا وسوداك، فوق دزهانكوي وإيفباتوريا.

وقال رئيس أوكرانيا، ودع كل المسؤولين الروس الذين استولوا على الأرض الثمينة في القرم يتذكرون، بأن هذه ليست الأرض التي يقيمون فيها السلام.

ملاحظة: حتى الآن أوكرانيا لم تطالب المجتمع الدولي التوسط لإيقاف الحرب، بل لاتزال تقاتل  وتتصدى للجيش الروسي، وتطلب المساعدات العسكرية الهجومية، لأنها تؤمن باستطاعتها إذلال الجيش الروسي وإلحاق نكسة به، ولكن الغرب لا يريد هزيمة روسيا على يد أوكرانيا، ففي الأسبوع الماضي أعلن مستشار مكتب الرئيس زيلنسكي اليكسي ارستوفيتش: “بأن الغرب يبحث عن مخرج لإنقاذ الرئيس بوتين على حساب أوكرانيا”.

إذن، أمام في الوضع الحالي، يطرح السؤال ما إذا كان شركاء الناتو قادرين على الامتثال الكامل لمتطلبات كييف، بتزويدها بأجزاء جديدة من الأسلحة. حيث أشار وزير الدفاع  إلى أن “الولايات المتحدة قدمت بالفعل عددا كبيرا من مدافع الهاوتزر وكميات كبيرة من ذخيرة عيار 155 ملم ، من بين أشياء أخرى كثيرة. لكن دولا أخرى أرسلت أيضا مدافع هاوتزر من عيار 155 ملم “.

في الوقت نفسه، صرح قائلا: “نحتاج أيضا إلى التفكير في استعدادنا القتالي. ولدينا شركاء في جميع أنحاء العالم مستعدون أيضا لمساعدة أوكرانيا”. على هذه الخلفية، انتقد زيلينسكي في مقابلة مع القناة التلفزيونية الألمانية العامة ZDF ، في 13 \6\2022، المستشار الألماني أولاف شولتز لتأخيره في توريد الأسلحة الثقيلة إلى كييف. وقال الأخير، متظاهرا بعدم سماعه زيلينسكي، إن “برلين ستوسع مساعدتها العسكرية لأوكرانيا وتزودها بأسلحة إضافية”.

بالطبع، لا يريد الرئيس زيلينسكي إعطاء فرصة لموسكو بالتوقف أمام هدنة، لأنها ستكون لصالح روسيا، وتحسين القدرات الدفاعية والتموضع في الأماكن التي احتلتها، وهذا سيحرم أوكرانيا من المساعدات الدولية والتضامن الشعبي مع أوكرانيا المصرة على تلقي المساعدات العسكرية الهجومية، وبالتالي، وهو ما يتردد الغرب في تنفيذه  حتى اليوم (17\6\2022)، وربما ستكون زيارة قادة أوروبا إلى كييف، مناسبة لإرسال رسالة واضحة لروسيا بأنها لن تستطيع احتلال كيييف، والدعوة الجادة للحوار الدبلوماسي لإنهاء الازمة العالقة.

من المؤكد بأنه “في الوقت الحالي، لن تزود الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة هجومية ثقيلة”، كما يعتقد الخبير العسكري اللفتنانت جنرال متقاعد يوري نيتكاتشيف.

بل يتوقع من شركاء الولايات المتحدة توريد 122 وحدة من BMP-1 من اليونان وأنظمة مدفعية متنقلة PzH 2000 (Panzerhaubitze 2000) من ألمانيا بمبلغ 7 وحدات. ويمكن تجهيز مركبات قتال المشاة من اليونان بلواء ميكانيكي من القوات المسلحة لأوكرانيا. ويمكن القيام بذلك دون مشاكل، في أوكرانيا معروف جيدا BMP1. فيما يتعلق بحوامل المدفعية الألمانية ذاتية الدفع، يمكننا القول أن هذه المساعدة ضئيلة. سيتم توفير بطارية مدفعية واحدة. لكن الألمانية PzH 2000 تعتبر من أحدث الطائرات في العالم، فهي تضرب بدقة على مسافة تصل إلى 50 كم. ويمكنهم إلحاق أضرار جسيمة بالعدو. علاوة على ذلك، نظم البوندسفير تدريبات للأفراد العسكريين الأوكرانيين على التشغيل الفعال لهذه المنشآت”.

إلا أن نتكاتشيف على يقين من أن المساعدة العسكرية لأوكرانيا من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لا تؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع. “إن كييف تتوق إلى الانتقام. وهذا عَرض ينذر بالخطر”.

من الواضح بان الموقف الروسي يعتمد على إقناع الغرب بعدم إرسال مساعدات عسكرية ثقيلة لأوكرانيا، لأن ذلك يؤثر على الصراع مع موسكو التي تتابع عمليتها الخاصة في أوكرانيا، بينما أوكرانيا تقنع الغرب بأن احتلال أوكرانيا والسيطرة عليها سيكون انتصارا لموسكو على الناتو، وبالتالي الغرب مقتنع بكلام كييف لأن توجهات روسيا باتت معروفة في عملية السيطرة على السلة  الغذائية والتحكم بمجال الطقة في حربها ضد الغرب، وبالوقت الحالي لا يزال الغرب يبتعد عن الاشتباك المباشر مع موسكو، من هنا لاتزال سياسة الغرب تقوم على مبدأ عدم هزيمة روسيا على يد الجيش الأوكراني، وبالوقت ذاته، ممنوع على روسيا احتلال أوكرانيا. فهل يمكن أن تظل هذه المعادلة مستمرة لمدى أطول…؟

Visited 30 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني