مشاركة المغرب في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران الجزائرية… هل كانت ضرورية؟
عبد السلام بنعيسي
يصعب على المرء أن يعرف ما هي الدوافع والمبررات التي اعتمدتها الدولة المغربية لقبول مشاركة الرياضيين المغاربة في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، المقررة في الفترة من 25 يونيو إلى 6 يوليو 2022، بمدينة وهران الجزائرية؟
العلاقات بين الدولتين مقطوعة بقرارٍ من الجزائر، والأجواء الجزائرية مغلقة بالكامل في وجه الطيران المغربي، والتوتر على أشده بين الطرفين، والحملة الدعائية الجزائرية الرسمية ضد الدولة المغربية في أوجها، ويقودها حتى الرئيس الجزائري بنفسه عبد المجيد تبون الذي تهجّم لمرات متكررة على المغرب، وكال له اتهامات باطلة وظالمة، وأحيانا بألفاظٍ ساقطة وسوقية، ووزير خارجيته رمطان لعمامرة نفى وجود وساطة لترطيب الأجواء بين العاصمتين، وصرّح بأن هذه الوساطة لن تقبل، جزائريا، لا اليوم، ولا غدا…
في ظل هذه الأجواء المشحونة بين الدولتين، كيف يقبل المغرب المشاركة في دورة رياضية تقام في الجزائر؟ ألم يكن من الأفضل للسلطات المغربية تجنب المشاركة؟ وبماذا تفيد المغرب مشاركته في بطولة رياضية مقامة في دولة لا تتوقف عن خلق المشاكل والمصاعب له دون أي مبرر موضوعي؟ أليس في المشاركة المغربية في هذه الدورة تزكية مغربية لها؟ ألا يمكن للسلطة الجزائرية أن تُسوِّقَ لرأيها العام المشاركة المغربية على أنها تنطوي على نوعٍ من الاعتراف الرسمي المغربي بصحة الاتهامات الكاذبة الموجهة إلى المغرب، من طرف السلطات الجزائرية، من قبيل إضرام النيران في غابات القبايل، وتمويل الإرهاب، ومعاداة الدولة الجزائرية؟
قد تكون الخلفية المتحكمة في المشاركة الرغبة الرسمية المغربية في تجنب إحداث قطيعة بين الشعبين الشقيقين، وقد يكون حافز المشاركة هو عدم خلط الرياضة بالسياسة، والحضور المغربي بين أفراد الجمهور الجزائري لبعث رسالة مغربية إلى هذا الجمهور تفيد بأن الشعب المغربي لا يكن لشقيقه الجزائري إلا المودة والاحترام، وأنه يتطلع إلى استئناف العلاقات بين الجانبين لما فيه مصلحتهما، قد تكون كل هذه الحيثيات وغيرها حاضرة وراء اتخاذ المغرب قرار المشاركة في دورة وهران الرياضية، ولكنها حيثيات غير مقنعة لمن يتأملها ويتمحصها جيدا.
السلطة في الجزائر تفهم كل قرار مغربي منفتح تجاهها، وكل خطوة إيجابية صوبها، تفهمها كدليلِ ضعفٍ من المغرب، وأنها تنمُّ عن حاجة مغربية ملحة للجزائر، لا تنظر السلطة الجزائرية إلى اليد المغربية الممدودة نحوها، بأنها عربون على الرغبة في طي الخلافات السياسية وتجاوزها، لبناء الصرح المغاربي الذي قد تستفيد منه الشعوب المغاربية برمتها، إنها تعتبر كل سعي مغربي للتقرب منها، بأنه نابعٌ من خوف منها، ويعكس رغبة في التودد إليها، لأنها من وجهة نظرها، قوة ضاربة في المنطقة، ويحقُّ لها أن تكون زعيمة لها، وأن تفرض إملاءاتها على محيطها المغاربي..
انفتاح المغرب على الجزائر وتساهله معها يؤدي في العمق إلى إمعان الجزائر في تشددها في مواقفها المعادية للمغاربة ولوحدتهم الترابية، ألم تُقِمِ الدولة الجزائرية أفضل العلاقات مع مدريد وأبرمت معها اتفاقية التعاون والصداقة، في الفترة التي توترت العلاقات المغربية الإسبانية سنة 2002 على خلفية الصراع حول جزيرة ليلى؟ ألم ترفض الجزائر تأييد البرلمان العربي للمغرب بعد الأزمة التي نشبت مع إسبانيا عقب إدخال ابن بطوش بأوراق مزورة للاستشفاء في إسبانيا؟ أليست العلاقات الجزائرية الإسبانية مقطوعة حاليا بسبب اعتراف مدريد بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية؟؟
ليس من المعقول أن يشارك المغرب في دورة رياضية تقام في الجزائر والعلاقات مقطوعة بين البلدين، ومن العيب أن يقبل الوفد المغربي الرياضي المشارك في دورة وهران الوصول إلى الجزائر من تونس، ماذا كان سيقع في ملك الله، لو أن الأجواء الجزائرية فُتحت، استثنائيا، في وجه الرياضيين المغاربة المشاركين في الدورة ليصلوا عبر طائرتهم إلى وهران من المغرب مباشرة؟؟ ألم يكن هذا التصرف الجزائري سيبدو حكيما، وعقلانيا، ورياضيا؟؟ ولماذا لم تضغط الرباط في هذا الاتجاه، وتشترط مشاركتها الرياضية في دورة وهران، بتحققه؟
كان مخجلا ألا تنتفض السلطات المغربية أمام رفض الجزائر دخول وفد صحافي رياضي مغربي أراضيها، وطرده من المطار، وتظل المشاركة المغربية في الدورة الرياضية الجزائرية قائمة ومستمرة، وكأن لا شيء وقع للصحافيين المغاربة الذين انتدبتهم مؤسساتهم الإعلامية الوطنية لتغطية أطوارها، فغادروا الجزائر مطرودين منها…
مواقف المغرب الرخوة وغير الحازمة، تدفع السلطة الجزائرية للتوغل في سياستها المناهضة للمصالح المغربية، فكلما حاول المغرب الاقتراب خطوة منها، تبتعد هي منه خطوات عدة، ويؤدي ذلك، إلى تعطيل بناء المغرب العربي، وإلى أن يظل هذا المشروع رهينةَ سياسةٍ جزائرية متعنتة، وفي الواقع فإن أيضا لسياسة الدولة المغربية المائعة تجاه الجزائر نصيبا في الإبقاء، على هذا التعنت الجزائري، وعلى تغذيته وتأبيده، ليستمر عائقا جوهريا في بناء الوحدة المغاربية…