موسكو تخلط الاوراق… وأوكرانيا تعيد الاتحاد الأوروبي إلى البلقان
د. خالد العزي
في ظل الحرب التي تخوضها روسيا ضد اوكرانيا، تحاول موسكو استعادة سيطرتها مجددا على دول أوروبية لفرض أمر واقع بالاعتراف بدورها وقوته، مما جعل بروكسل تتذكر الدول القدامى في قائمة انتظار التكامل الأوروبي، حيث أكد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي ودول البلقان الذي عقد مؤخرا في إطار قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، استعداد أوروبا للانخراط بنشاط جديد في المنطقة على خلفية الأزمة الأوكرانية.
لكن من الواضح إنه لم يتم تحقيق نتائج ملموسة في القمة الأوروبية ـــ البلقانية، وفقا لمصادر الدبلوماسية الأوروبية وخبراء البلقان، لكن هذا لا ينفي إمكانية توسع هائل للاتحاد الأوروبي في البلقان في المستقبل المنظور، فقط لأن المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليسا مستعدين بعد لقبول دول غرب البلقان في الأسرة الأوروبية.
في استعراض سريع لأبرز النتائج الملموسة للقادة المؤثرين في سياسة الاتحاد الأوروبي وتركيبته الهيكلية ومواقفهم الواضحة في التحرك في البلقان من خلال :
ـــ تصريح رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، عن رغبة الاتحاد الأوروبي في “تجديد عملية التفاعل مع البلقان”، في حين قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن دول البلقان “يجب أن يكون لديها فرصة حقيقية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.
ــــ في قمة البلقان الأوروبية نفسها، كانت الفكرة المهيمنة هي التقييم القائل بأن “الحرب في أوكرانيا أعادت توسع الاتحاد الأوروبي إلى الصدارة مرة أخرى.
ــــ لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة خلال اجتماع القمة المغلق الذي استمر أربع ساعات. ولم يتم الإعلان عن أي محادثات مع مقدونيا الشمالية وألبانيا بشأن انضمامهما إلى الاتحاد الأوروبي.
ــــ لم تحصل البوسنة على وضع المرشح أبدا، ولم تتلق كوسوفو أبدا تحرير التأشيرات الموعودة منذ فترة طويلة مع دول الاتحاد الأوروبي.
ــــ حتى المؤتمر الصحفي لزعماء الاتحاد الأوروبي، المقرر عقده عقب نتائج القمة الأوروبية البلقانية، تم إلغاؤه “بسبب ضيق الوقت”.
هذه المواقف كانت لها انعكاستها السلبية لدى زعماء البلقان الذين عبروا عنها من خلال التالي
ـــ تحدث زعماء البلقان بصراحة وبتعبيرات قاسية عن رفضهم لسياسة قادة الاتحاد في التعاطي مع دولهم. ولم يخف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش استياءه من حقيقة أن جميع قادة الاتحاد الأوروبي تقريبا مارسوا ضغوطا عليه، مطالبين بالانضمام إلى العقوبات ضد روسيا.
ـــ لم يحاول رئيس الوزراء الألباني إيدي راما حتى التقاط عبارات دبلوماسية: “إنه لأمر مخز أن تحتجز بلغاريا دولتين أخريين في الناتو، ألبانيا ومقدونيا كرهائن، مما يعرقل بدء مفاوضاتهما مع الاتحاد الأوروبي، بينما 26 دولة في الاتحاد الأوروبي تظهر عجزا رهيبا”.
ــــ ان الأعضاء المتبقين في مجموعة البلقان الستة، رؤساء الجبل الأسود ميلو ديوكانوفيتش وكوسوفو فيوزا عثماني، ورئيس وزراء مقدونيا الشمالية ديميتار كوفاتشيفسكي ورئيس هيئة رئاسة البوسنة والهرسك شفيق جيفيروفيتش كانوا أكثر تحفظا في تعليقاتهم، على الرغم من أنهم لم يخفوا التقييمات السلبية.
من هنا نرى، بأن فكرة توسيع الاتحاد الأوروبي تم تأجيلها بلا شك. ومن الواضح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يخفي عدم رغبته في دعم تقارب كبير بين البلقان والاتحاد الأوروبي. وهو ليس وحده في الاتحاد الأوروبي .
لقد طرح الرئيس الفرنسي فكرة مجتمع سياسي أوروبي من شأنه أن يوحد ليس فقط أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضا الدول التي تسعى للاندماج في الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من إصرار ماكرون على أن العضوية في المجتمع لا تلغي العضوية المستقبلية في الاتحاد الأوروبي، فإن العديد من السياسيين والخبراء في البلقان رأوا في فكرة الرئيس الفرنسي محاولة لتقديم المرشحين بديلا عن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
لقد بدأت بعض دول البلقان نفسها في إنشاء اتحادات إقليمية، تم تصميمها رسميا لتعزيز اندماجها في الاتحاد الأوروبي، ولكنها في الواقع تكرر فقط آليات الانضمام الحالية وتبطئ العملية برمتها.
على هذا النحو، ينظر الكثيرون في المنطقة إلى مبادرة صربيا “البلقان المفتوحة” لـ “إنشاء منطقة إقليمية لحركة البضائع والأشخاص والخدمات الحرة”. وتم دعم الفكرة من قبل ألبانيا ومقدونيا الشمالية، لكن الجبل الأسود والبوسنة وكوسوفو ترفض الانضمام إليها، حيث ترى في هذه المبادرة ليس فقط بديلاً للاندماج في الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا إنشاء هيكل تهيمن عليه صربيا.
تؤكد مصادر دبلوماسية أوروبية أنه لا يوجد بالفعل استعداد بالإجماع في الاتحاد الأوروبي “لقبول الآن موجة جديدة من التوسع في البلقان”.
ما يحدث اليوم في أوكرانيا ورغبة الاتحاد الأوروبي في تقريب البلقان من نفسها، ومنع زعزعة استقرار جديدة هناك، يجبر القادة الأوروبيين على البحث عن طرق لإظهار الالتزام بسياسة التوسع المعلنة سابقا. ربما يكون السبيل الوحيد للخروج من هذا الموقف هو التوسع الفردي وقبول منطقة بلقان صغيرة واحدة في الاتحاد الأوروبي. والدولة الأكثر تقدما في طريقها إلى الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، الجبل الأسود الصغيرة، التي كان من الممكن أن يكون إدراجها غير مؤلم، لكنه أكد بوضوح استعداد الاتحاد الأوروبي للتوسع.
بالمناسبة، لقد استرشد الناتو بالمنطق المماثل إلى حد كبير في عام 2015، عندما تلقى الجبل الأسود دعوة للانضمام إلى الحلف. وفي الوقت الذي تمت فبه بتاريخ 23ـــ 24\6\2022 حصول أوكرانيا ومولدوفا، على وضع المرشحين لعضوية الاتحاد الأوروبي ، فهل الدعوة السريعة للعضوية ستنعكس ايجابيا على تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع الدول التي لا تزال تنتظر العضوية وسيكون الموقف الأوروبي مختلف في تلين ومساعدة الدول الصغيرة من خلال تنشيط وتفعيل الدور الأوروبي المفقود في البلقان .
بالرغم من المحاولات الروسية الدؤوبة للدخول الى البلقان من البوابة الصربية التي تحاول روسيا أن تجعلها رأس حربة في مواجهة الوحدة البلقانية، ووضعها إسفين في الوحدة الاوروبية، حيث تسعى الى فرط عقد الاتحاد البوسني وإخراج صرب البوسنة والمطالبة للانضمام الى صربيا، بالاضافة الى محاولة التخريب في كوسوفو لجعل إنشقاق في بريشتينا والمطالبة من صرب كوسوفو بالانضمام مجددا الى مظلة الدولة الصربية” التي ارتكبت مجازر بحق جيرانها البلقانيين، حيث تهدف محاولة موسكو الجديدة لإحراج الاتفاقات الدولية في البلقان بتركيبتها الحالية لصالح خلط الاوراق مجددا، لكن الأزمة الروسية ـــ الاوروبية الجديدة التي فتحتها روسيا في هجومها لاحتلال أوكرانيا بالآليات العسكرية جعل الطريق مقفل امام روسيا، وبات الاتحاد الاوروبي اكثر اهتماما بدول البلقان لمنع روسيا من فتح ثغرات في جدار التلاعب القومي والمذهبي بهذه المنطقة البلقانية .