مُسيّرات حزب الله.. رسائل متعددة
حسين عطايا
في الوقت الضائع، وحيث المنقطة العربية تتهيأ لانعقاد قمة خليجية عربية أمريكية، كما أن منطقة الشرق الأوسط تتحضر لاستقبال الرئيس الأميركي، وفي الوقت التي انتهت فيه جلسة مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في لقاء تشاوري في بيروت، قرر حزب الله إرسال ثلاثة مُسيرات مختلفة الأنواع، ليقول “أنا هنا .”
من خلال قوله هذا يُريد إرسال عدة رسائل في آنٍ واحد.. .
أولاها: إلى جمهوره، لأن حزب الله مأزوم في بيئته، نتيجة اتساع الفجوة الاقتصادية، والتي طالت كل شرائح المجتمع اللبناني، حتى وصلت إلى باب منازل أتباعه، من متفرغين (مقاتلين ومتعاقدين) في الخدمة الفعلية، وجمهور الحزب. وليقول لهم “إننا كحزب لازلنا أقوياء وقادرين على الفعل” .
ثانيها: منذ وصول المنصة العائمة إلى حقل كاريش في بداية شهر حزيران، يونيو الفائت، اكتفى حزب الله بقوله نحن خلف قرار الحكومة اللبنانية. وبالتالي تنازل قولاً وفعلاً عن الخط 29 وما يتضمنه من حق لبناني في حقل كاريش، والذي أصبح إسرائيلياً باعتراف من أعلى سلطة في الدولة اللبنانية، أي الرؤساء الثلاثة. وبالتالي فقد حزب الله مشروعيته في مقولته بأن سلاحه للدفاع عن لبنان وحقوقه، وهنا أصبح على الحزب أن يقوم بأفعال تُجدد شرعية سلاحه الفاقداً لها أصولاً .
ثالثها: يعرف حزب الله بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي ليست فاعلة، كونها تقدمت باستقالتها وتم حل الكنيست الإسرائيلي، وتم تحديد موعد للانتخابات النيابية في تشرين الأول – أكتوبر المقبل، وبالتالي فإن هذه المُسيرات غير مُسلحة لن تحتمل رداً إسرائيلياً عسكريا، بل مجرد رد سياسي وإعلامي، وهذا ما حصل .
رابعها: تتحضر المنطقة لزيارة الرئيس الأمركي جو بادين في الأسبوعين المقبلين، ومن ضمنها زيارة للسلطة الفلسطينية ولإسرائيل، وبالتالي من المهم أن يقوم الحزب بعملٍ ما يُظهر للضيف الأمريكي بأن ذراع إيران في لبنان (حزب الله) لازالت قادرة على اللعب في الوقت الضائع، وقد تستفز إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، وتساهم في تأزيم الوضع بالمنطقة، خصوصاً أن العالم مُرتبك نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. وبالتالي كانت المُسيرات مُجرد رسالة إيرانية للرئيس الأميركي، هدفها لفت النظر لا أكثر، خصوصاً بعد فشل مُحادثات الدوحة غير المباشِرة بين إيران والولايات المتحدة فيما يخص العودة إلى الاتفاق النووي .
هذا من جهة الأهداف السياسية للمسيرات، بينما لاشك بأن حزب الله يُدرك بأن المنصة الرابضة في منطقة حقل كاريش هي ليست متروكة عرضة لأي هجوم، ومن دون وسائل دفاعية تُحيطُ بها .
لذلك كانت المُسيرات الثلاثة أيضا لاستكشاف عدة اهداف منها
أولاً: أي مِن المُسيرات الثلاث قادرة على التمويه في اختراق الدفاعات الإسرائيلية المحيطة بالمنصة .
ثانياً: على أي مدى هي المنصات الدفاعية الإسرائيلية قادرة أن تصد أي هجوم؟
كان قادما من لبنان أو من أي جِهةٍ أتت .
ثالثاً: ما هي أجهزة الدفاع التي تستعملها إسرائيل في الدفاع عن منصة شفط النفط والغاز المتواجدة في حقل كاريش .
رابعاً: لا شك بأن المُسيرات الثلاث، المتنوعة وغير المُسلحة، وقبل إسقاطها من قبل وسائط الدفاع الإسرائيلي قد أرسلت صوراً للمنطقة، وبالتالي أمنياً وعسكرياً قد أصبح لدى القيادة العسكرية لحزب الله عِلماً بها، وبالتالي سيبني خططه على أساس معلوماتٍ موثقة بالصور، هذا إذا لم يكُن يمتلك معلوات وصور قبل المُسيرات .
فإذاً، مُسيرات حزب الله، وإن استطاعت إسرائيل إسقاطها إلا أنها لم تكن قد ذهبت سُدى أو لمجرد أنها عمليةً سطحية لا نفع منها .
لذلك، كانت المُسيرات لَعِباً في الوقت الضائع، بإرسال مجموعة رسائل بالسياسة وبالأمن والعسكر، مُذيلةً بتوقيع حزب الله، وبأن الإمرةُ لي في لبنان، بكبيرها وصغيرها، وبالتالي قادرون على افتعال الأحداث والأزمات، وإننا لازلنا نمتلك بعضاً من قوة وهامش من مساحة لعبٍ على خطوط النار، والعزف على أوتار السياسة والأمن في المنطقة.