على هامش “في الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب”
أفق : يكتبه صدوق نورالدين
1
نشر الأستاذ كمال عبد اللطيف مقالة ضافية موسعة حول وضعية اتحاد كتاب المغرب. وسم الأستاذ المقالة بـ “في الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب”. وظهرت بموقع “ضفة ثالثة”، وهو منبر ثقافي عربي بتاريخ (18 يوليو 2022).
وكنت أتوقع بمجرد قراءتها أنها ستثير ردود فعل ونقاشات تسهم من ناحية في إغنائها – ولئن كانت وبكل صدق وموضوعية جامعة مانعة_ و من ثان، تحرك بركة الصمت المهيمنة على الاتحاد منذ مؤتمر طنجة (22/23 يونيو/ 2018).
من ثم ارتأيت الإسهام بالكتابة في الموضوع، و بالتحديد حول هذه المقالة داعيا إلى قراءتها، وبالتالي اتخاذها أرضية للنقاش حول مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، مادامت الحاجة لاستعادة قوة الحضور تفرض ذاتها أمام صمت غريب، وكأن الجميع يئس من الفعل الثقافي والرهان عليه في تسييد إشعاع أدبي فكري، إذ بات من غير المستساغ كون الاتحاد الذي لعب عربيا دورا فاعلا تأسيسا من ندوات خصت بها الرواية، القصة والنقد، وشكلت علامات في تاريخ الثقافة العربية ومرجعيات تعتمد إلى اليوم، أن ينتهي للظل بعيدا عن أية محاولة لتأكيد واستعادة الدور والوظيفة وترسيخ حضور المثقف بالرأي و النقد والإضافة.
2
يحدد الأستاذ كمال عبد اللطيف في مقالته التي أعتبرها تكسيرا للصمت الذي طال مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، إلى كونها الصورة الحقة عن المثقف الملتزم الحريص على الاستمرارية الثقافية تأسيسا من المنظمات والمؤسسات الفاعلة والمؤثرة، علاقته بالاتحاد التي لا تنحصر – فقط – في كونه عضوا وإنما المساهم الممتلك لقوة وجرأة الاقتراح وفق ما تمثل سواء في الإعداد والتحضير لمؤتمرات الاتحاد أو المشاركة ضمن اللجان والأنشطة، وهو ما أهله في العمق للمزيد من المعرفة والاضطلاع. فالأستاذ كمال في ضوء هذا المنتمي، العارف والمشارك. يقول:
“زاوجت في علاقتي باتحاد كتاب المغرب بين العمل في إطار أنشطته والمساهمة في إطاره المؤسسي. حيث كنت ومازلت عضوا في اللجان الموسعة التي تنشئها مكاتبه في أثناء التحضير لمؤتمراته. وقد أهلني ما سبق للإحاطة ببعض العلامات الفاصلة في تاريخه، وتبينت من خلالها قدرته على مواصلة عطائه
وإنجازاته، رغم التحولات الكبرى التي كانت تقع في بنية الثقافة و القيم داخل المجتمع المغربي. وإذا كنا نعرف الحساسية الكبرى للمبدعين والكتاب، وقدرتهم الفائقة على استكناه خبايا الزمن، حق لنا أن نتساءل عن أسباب هذا الذي حصل في الاتحاد؟ “.
إن العوامل السابقة في شموليتها، قادت إلى التفكير في أهمية الحاجة لاتحاد كتاب المغرب في سياق الراهن حاضرا ومستقبلا، وما يطبعه من تحولات تستلزم الفهم الجديد للدور الذي يجب أن تؤديه مؤسسة اتحاد كتاب المغرب بعيدا عن الحساسيات الذاتية:
” أتصور أن المسألة واضحة تماما، والمأزق الحاصل منذ سنوات قابل للفهم و التجاوز”.
3
تناول الأستاذ كمال عبد اللطيف وضعية الاتحاد بالتركيز على :
1/ بعد التشخيص
2/ وبعد اقتراح البدائل المكنة للخروج من المأزق.
انبنى التشخيص على تجميع ولملمة آراء الكتاب والأدباء المنتمين للاتحاد، واللافت تعددها وتباينها ثم تهويلها بادعاء انتفاء الحلول الممكنة، إلى الشروخ التي طبعت صف أعضاء الاتحاد. إلا أنه وبالرغم من التعدد، فإن الأستاذ حصر التشخيص في نقاط نذكر منها المبالغة في وصف الأزمة، هيمنة الذاتي والعرضي، ضرورة وعي التغيير الذي يسم الزمن و التحولات التي تطبعه بعيدا عن الأوهام المغلقة، ثم أهمية التخلي عن النظريات العدمية وتسهيل عملية الانتقال المجاوز للوضعية الحالية باستعادة الإشعاع الثقافي والفكري لمؤسسة الاتحاد.
وأما بخصوص البعد الثاني، بعد اقتراح البدائل، فالغاية الوقوف على الحلول الممكنة الهادفة إعادة الاتحاد لممارسة وظيفته، من منطلق ان لكل أزمة حلا، وهو ما أشار إليه الأستاذ كمال بـ “تصحيح المسار” وقراءة سياقات الأزمة. يقول:
“لتجنب مثل هذه الاستعمالات، نشير إلى أننا حاولنا التفكير في تجليات ما يسمى بأزمة اتحاد كتاب المغرب، انطلاقا من وعينا بالدلالة المركبة لمفهوم الأزمة، حيث تصبح الأزمة مناسبة لتشخيص الخلل المؤسسي، بالصورة التي تسمح بتداركه، وإذا اقتضى الأمر إعادة بناء المؤسسة بالوسائل التي تسمح بتصحيح مسارها”.
على أن تثبيت البدائل المقترحة، يجدر ألا يغيب التصورات المرتبطة بسياقات “التفكير في الأزمة” المحيلة على تاريخية مؤسسة الاتحاد. من ثم يحق الحديث عن استمرارية مؤسسة امتدت على مدى خمسة عقود من الزمن، حيث لم يكن ممكنا ولاهينا تحمل المسؤولية بحكم صعوبة الظرف والرهان على التقدم، الإبداع والتحرر، ولئن كانت الموارد المالية المعتمدة جد ضعيفة:
“ظلت هذه الموارد المحدودة والبسيطة بمثابة الوسائل التي تمنحه إمكانية الاستمرار ومواصلة العمل”.
وبالرغم، حوفظ على الفضاء منبرا للحوار الثقافي الحداثي والفكر النقدي الموضوعي. بيد أن عودة سؤال الاتحاد للظهور وفرض الذات راهنا، وليد المتغيرات الظرفية محليا وعالميا، خاصة وأن الرؤى التي سادت في الستينيات والسبعينيات لم تعد تمتلك جدواها وفاعليتها مما يفرض إعادة النظر في الدور الموكول للاتحاد بهدف استمرار مكاسبه إلى قيمة تجديد أدوات لمثقف لفهم التحولات الاجتماعية، الفهم الذي يقتضي حسب الأستاذ كمال استعمال “مبضع النقد”.
4
إن ما تقود إليه “سياقات التفكير في الأزمة”، اقتراح البدائل الممكنة للخروج من مأزق عطالة الاتحاد. يرى الأستاذ كمال عبد اللطيف:
“يستدعي الواقع الحالي للاتحاد التخلص مما فات رغم صعوبات ذلك، والتخلص المقصود، هنا، إرادة وفعل، ينطلقان من مبدأ تجاوز أشكال التعثر في وضعه الحالي”.
ويورد ثلاث نقاط بمثابة متغيرات. إذ يلاحظ بداية أن المشهد الثقافي في المغرب يتسم بالاتساع والتنوع. وهذا يستلزم خلق وابتكار أدوات جديدة لفهم الواقع، ووعي التطور السياسي بحكم الانتقال الديمقراطي، وعلما بأن الدور الأساس تؤديه الثقافة من منطلق كونها وسيلة تنويرية تسهم في/ وعلى فهم التغيرات الاجتماعية. وبخصوص المتغير الثاني، يلفت النظر إلى تسارع وتيرة العولمة، إذ لم يعد التقليد يمتلك قوة الأثر، وهو ما يحتم مسايرة طبيعة التحولات لتجديد الرؤية:
” إن النظرة التي كانت للكتاب والمثقفين عموما زمن الستينيات والسبعينيات، وهو زمن بداية الاتحاد لم تعد تناسب الأحوال والمتغيرات الجارية”.
ويشير في المتغير الثالث إلى الثورة المعرفية المرتبطة بهذه التحولات، وتعود إلى تقنية المعلومات وانعكاساتها على مسار الثقافة.
بيد أن ما يلاحظ على هذه البدائل/ المتغيرات، التداخل. إذ ومهما حاول الأستاذ كمال عبد اللطيف عزلها أو تصنيفها تظل متماسكة بحكم صعوبة فك ارتباط الاجتماعي بالسياسي أو الثقافي.
و أما في ختم هذه المقالة الضافية، فيدعو الأستاذ عمليا إلى ضرورة اغتنام الوقت والإسراع في تسهيل وتأمين عملية الانتقال، خاصة وأن اتحاد كتاب المغرب “قطب مركزي في الفعل الثقافي”.. ومن ثم يتحتم التفكير في لجنة لصياغة آفاق تطوير الاتحاد وفق صورة جديدة ، بعيدا عن مظاهر و أشكال “التشوه” و “الشطط”. يقول في خلاصة جامعة للنظري و العملي:
“تبني اللجنة، بتعاون مع المكتب التنفيذي هيكلا من التصورات المساعدة على بناء قواعد انطلاق جديدة، لتجاوز ما كان يشكل كوابح أمام تجديد الفعل المؤسسي، وهنا يمكننا أن نتصور أن مواصلة الاتحاد لمسيرته تقوم على وعي أعضائه بأن الزمن لم يعد هو الزمن، وأن الثقافة لم تعد هي الثقافة، وأن مساحة الإبداع اتسعت، وكم الانتاج تضاعف، وأدوات الثقافة أصبحت تصنع في المشهد الإعلامي، وفي إطار ما توفره من تقنيات المعلومات من فضاءات افتراضية جديدة، تشي ببداية تشكل عوامل تستدعي مؤسسات بأجنحة ، أي مؤسسات قادرة على الطيران”.
5
إن ما سعيت إليه في هذا الهامش، الإشارة والتذكير بما جاء به وعبر عنه الأستاذ كمال عبد اللطيف في مقالته “في الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب”. وهي المقالة الضافية كما أسلفت، والتي كسرت الصمت الذي طال مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، إذ ومهما حاولت جاهدا تقريبها بالتلخيص أو إيراد أهم العناصر الواردة فيها، فإن ثراءها وغناها حالا دون ذلك. وهو ما دعاني/ يدعوني إلى تجديد الدعوة لضرورة اتخاذها أرضية للحوار والنقاش حول مؤسسة اتحاد كتاب المغرب الذي تعتبر الحاجة ماسة إليه أكثر من أي وقت مضى. ولا يسعني في الختم إلا أن أشيد بجرأة الأستاذ كمال وكفاءته واقتداره وحضوره اللافت والبارز، في الآن سكت فيه أكثر من مثقف قولا و إبداعا، وهو صمت يستحق الدراسة و الاهتمام.