لبنان: عهد عون ينتهي بدون حكومة…

لبنان: عهد عون ينتهي بدون حكومة…

  أحمد مطر

مع الدخول إلى الفترة الدستورية للاستحقاق الرئاسي الوقت أصبح داهماً، فطرح الكلام، الذي نقله رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم قبل فترة عن لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من ان الرئيس يعرف تماماً حدوده الدستورية، فهو لن يبقى يوماً في بعبدا، بعد انتهاء ولايته في 31 ت1 المقبل، لكنه في الوقت نفسه لن يقبل أن تؤول صلاحياته الدستورية الى حكومة مستقيلة، يعتبرها فراغاً لملء الفراغ إذا شغرت سدة الرئاسة، وبالتالي لا قيمة للمادة 62 من الدستور التي تنص على أن الصلاحيات تنتقل وكالة الى مجلس الوزراء مجتمعاً، لذا يصر على حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات تحظى بثقة مجلس النواب من جديد، طرح هذا الكلام التباساً خطيراً، وفتح البلاد أمام معضلة دستورية وسياسية، وربما ميثاقية ووطنية، اذا وصل لبنان لتاريخ انتهاء الولاية الدستورية في نهاية ت1، من دون تأليف حكومة جديدة، وفي الوقت نفسه من دون الاتفاق على اسم المرشح المقبول لأن يكون رئيساً للجمهورية، كما درجت العادة منذ اتفاق الطائف، المعضلة يمكن تلخيصها  بالتالي ،كيف سيتصرف الرئيس، هل يعود ويذعن الى المطالبة الواسعة المبنية على الاجتهادات الدستورية، وعلى الدستور نفسه، وتتسلم حكومة تصريف الاعمال الصلاحيات الى جانب صلاحياتها، أم ان الرئيس سيستند الى تجربة ما حدث في نهاية الرئيس أمين الجميل، ويسلم السلطة لشخصية تتولى تأليف حكومة، من دون المرور بالاستشارات النيابية الملزمة، أم يستبق الضغوط الجارية ويتجه الى المجلس النيابي في رسالة جديدة لعرض المشكلة عليه، او رمي الاشكاليات الدستورية باتجاهه، أم ثمة خيارات ليست بالحسبان، قد يلجأ اليها عون، الذي لن يذهب الى توقيع مراسيم، لا تأخذ بعين الاعتبار المطالب المسيحية، التي يرفعها بوجه الرئيس المكلف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لجهة الميثاقية ووحدة المعايير والشراكة، مما يعني ان حكومة من 30 وزيراً قد تكون هي الحل شرط ان يضم اليها 6 وزراء، فتصبح 30 وزيراً بين تكنوقراط وسياسيين، مع ضمان ان توفر الثلث المعطل للقرارات التي قد تقدم عليها، إذ لم ترق لباسيل.

من الواضح مع هذه المعطيات الضاغطة والملتبسة ان المأزق العوني، أو البعض المسيحي، من زاوية المطالب الافتراضية حول الشراكة، يدخل في دائرة ضيق الوقت وتسابق المهل، ومن هذه الزاوية بالذات، يحاول هذا الفريق التحرك على مسارات عدة من ابرزها تحويل مسألة، عدم تسليم حكومة تصريف الاعمال الصلاحيات الرئاسية الى مسألة، رأي عام مسيحي وماروني بالتحديد، في جانب آخر، إبقاء خط التشاور بين ميرنا شالوحي وحارة حريك في الضاحية الجنوبية قائماً، لجهة تطوير موقف حزب الله، المتفهم، والمتبني في الوقت عينه لما يسميه مطالب فئة وازنة من المسيحيين، لن تقبل بأن تؤول الصلاحيات الى حكومة، يتحكم بخياراتها وقراراتها الرئيس المكلف

وحسب المعلومات المتوافرة، فإن حزب الله، الذي دخل في علاقة فاترة مع الرئيس المكلف، لجهة دعوته لعدم التمسك بمسودة الحكومة التي قدمها في 29 حزيران الماضي، والانفتاح على مطالب التيار الوطني الحر لا يرى مناصاً من تأليف حكومة جديدة، ولكن هل برئاسة ميقاتي أم شخصية أخرى يمكن إعادة تكليفها مع التلاعب بالمهل المحددة في الدستور، وعدم السماح بالوصول الى هاوية الفراغ، التي تعني ازمة حكم وحكومة، قد تعيد الاحتقان المذهبي والطائفي الى الواجهة، في ظل اوضاع اقتصادية ومالية وخدماتية ومعيشية بالغة السوء.. وممكن ان تتفاقم بصورة دراماتيكية، إن لم يكن سلماً فربما على صعيد التوترات وربما الانهيارات الامنية، بعد اضراب القضاة، واستمرار موظفي القطاع العام بالإضراب للشهر الثالث على التوالي، وسط تخل دولي دبلوماسي ومالي عن توفير الدعم، الذي حكي عنه مطولاً من دون الوصول الى جدوى.  

وسط هذه المعطيات، دخلنا في اطار المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية ومع هذا الدخول ستظهر جملة، من المواقف ذات الصلة بالوضع السياسي المعقد، وبمجموعة الرؤى التي يمكن ان تقترح ومن ضمنها رؤية الثنائي الشيعي للخروج من المأزق، والابتعاد قدر الامكان عن تعميقه .

بين الإنتظارات المتعددة، وضيق الوقت الضاغط، يراهن فريق بعبدا على دعم مضمون استفراده، مما يسميه التيار الوطني الحر، الطبقة السياسية، ويقصد بها بري، جنبلاط، ميقاتي، فرنجية، الذين يعزي اليهم محاصرة عون، وتوفير الدعم اللازم للرئيس المكلف .

مع اللعبة الداخلية المحكومة بـحدود معينة، يشتد التطلع الى مآل المفاوضات المتصلة بالملف النووي الايراني، هذا الملف الذي يحظى برهانات قوية لدى فريق بعبدا، وحزب الله بالطبع ، ثمة من يقول في الداخل، ان مفتاح الحلحلة او المزيد من التعقيد، رهن الانفراج في هذا الملف، فالتقارب بين الدول الكبرى الولايات المتحدة والدولية الاقليمية الكبيرة ايران من شأنه ان يريح سائر النقاط الساخنة في الشرق الاوسط .

ختاماً لا هم للمسؤولين سوى التهافت على السيطرة في الحكومة العتيدة، التي ستقوم بصلاحيات رئيس الجمهورية لأن كل المؤشرات الراهنة تؤكد استبعاد حصول الانتخابات في موعدها الدستوري، وبالتالي فإن استمرار حالة المعاندة الطاغية على مواقف فريق بعبدا حولت أصحابها إلى أسرى لمواقفهم الشعبوية المعلنة، وسدت كل منافذ الاختراقات للتوصل إلى صيغة تسوية مقبولة، تؤمن ولادة حكومية مقبولة وسلسة، وتكون قادرة على إخراج البلد من المراوحة المدمرة التي من شأنها أن تقضي على البقية الباقية من مقومات الدولة .

لقد بلغ السيل الزبى بالنسبة لنقمة الناس على صراع الديوك بين كبار المسؤولين، والبلد الغارق في العتمة والنفايات تملأ الشوارع والساحات، والمياه غائبة عن المنازل، والمحروقات تحرق الجيوب والقلوب، والدواء شبه مفقود رغم كل الوعود

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني