فرنسا والمسألة الإسلامية
باريس – عبد العلي جدوبي
عبرت بعض الرموز الإسلامية بفرنسا عن تحفظها بخصوص النقاش العام السائد هذه الأيام عقب تنزيل خطة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، التي تهدف إلى مواجهة “النزعة الانفصالية الإسلامية”، وفقا لموقع “ميديابار”، وإلى طرد المزيد من الأئمة المغاربيين، وسحب تراخيص عدد من الجمعيات الإسلامية، التي تعمل بشكل قانوني في المنطقة الباريسية.
خطة الرئيس الفرنسي زكتها تصريحات زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبين، التي تواصل هجومها ضد الجاليات المهاجرة المسلمة بفرنسا عبر تصريحات نارية، مطالبة من الرأي العام الفرنسي أخد الحيطة والحذر من تنامي “سيطرة” الأجانب على العديد من القطاعات الحيوية الهامة بالبلاد.
وبخصوص هذا الموضوع، أكد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في حوار صحفي مع قناة (ب. ف. م.) أن هذه الخطة الطارئة تستهدف ما لا يقل عن مائة شخصية من جنسيات مختلفة من فيهم المغاربة، مضيفا “بأن الحصول على الجنسية الفرنسية والإقامة لا يعني أن فرنسا ستتسامح مع المتطرفين، وقد تعمل على طردهم من فرنسا “...
يشار إلى أنه خلال شهر يناير الماضي، تم إغلاق تسعة مساجد وثمانية عشرة قاعة للصلاة، بأمر من وزير الداخلية، وتم إخضاع ستة وسبعين مسجدا لمراقبة صارمة.. وبررت وزارة الداخلية هذه الإجراءات بأنها تاتي على خلفية “أسباب إدارية”.
إلغاء اتفاقيات سابقة!
يشار أيضا إلى أن باريس سبق لها أن أبرمت اتفاقيات مع تسعة بلدان، منها المغرب وتونس والجزائر وتركيا، تتيح لحكوماتها إيفاد معلمين إلى المدارس الفرنسية لتدريس اللغات للتلاميد القادمين من هذه الدول، وقد تم إلغاء هذا الاتفاق مؤخرا مع الدول المشار إليها باستثناء تركيا !
في ندوة بإحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية، رأى بعض المتدخلين بأن هناك دوافعا وأبعادا وظواهر كثيرة ومتداخلة في علاقة الدين بالهجرة ماتزال في حاجة إلى المزيد من البحث العلمي في تدبير شؤون الممارسات الدينية بفرنسا..
وكشف تقرير لائتلاف مناهضة الإسلاموفوبيا في باريس، أن المسلمين عموما في فرنسا يتعرضون لعمليات اعتداءات منها ما هو لفظي وما هو جسدي، سواء من طرف أفراد أو مؤسسات، وأوضح التقرير أن 77 % من مجموع الاعتداءات استهدفت النساء المحجبات، وأن أعمال العنف ضد المسلمين ازدادت بنسبة 50 % مقارنة مع السنة الماضية .
فرنسا والإسلام الذي تريده!
ترى فرنسا من وراء “تنظيم” الحقل الديني الذي أعلنت عنه مباشرة بعد أحداث الهجوم على مقر مجلة “شارل إيبدو” (2015)، إلى إدماج كل التيارات والجماعات غير العنيفة مهما كانت توجهاتها، وذلك إلى إرساء مفهوم “إسلام فرنسي”، سواء من حيث المراقبة أو التسيير بدون توجه منها، على غرار ما سلكته حكومة مدريد، مع عدم التنسيق مع كل من المغرب والعربية السعودية في تسيير الشأن الديني، وهو التوجه العام السائد الآن في مجموع أروبا، وهذا لا يعني تدخلا مباشرا – كما يقول الفرنسيون- بل فقط بغاية تأطير وتنظيم المؤسسات الدينية ومراقبتها.. لكن هذا التوجه أخد بعداً آخر خلال السنوات الأخيرة بعد أحداث التطرف التي شهدتها بعض المدن الفرنسية .
وللشارع الفرنسي رأي آخر حول تواجد المسلمين في فرنسا، فحسب استطلاع الرأي فإن 42 % من المستجوبين الفرنسيين، يعتبرون أن المسلمين يشكلون تهديدا للهوية الفرنسية، وهي النسبة الأعلى من بين إجابات أخرى رأت في وجود المسلمين عاملا من عوامل التنوع الحضاري ومصدرا للغنى الثقافي، حيث أظهرت الارقام أن 22 % من الفرنسيين يرون وجود المسلمين بينهم عاملا يقرب ثقافة وطنهم، ومؤشراً على التعددية الثقافية، في المقابل أبدى 36 % من الفرنسيين عدم اهتمامهم بهذا الموضوع، في حين أن 48 % رأوا أن المسلمين يندمجون غالبا في المجتمع الفرنسي، كما ألقى 61 % باللائمة على المسلمين، كونهم يرفضون الاندماج مع الآخرين، وأن 40 % رأوا أن الاختلافات الثقافية هي سبب ذلك!
ويزداد تخوف الأوروبيون، حينما يعتبرون أن تواجد المسلمين برموزهم الدينية في أوروبا يعد تحديا حقيقيا للعلمانية بالقارة العجوز، وأن هؤلاء المسلمون يسعون ليكون التشريع الإسلامي مصدر الحكم، وهو مايثير بحدة حفيظة الأوروبيين. وتجسد هذا التحول في نتائج دراسة حديثة تبين أن 74 % من الفرنسيين يعارضون دخول أحزاب باسم الديانة الإسلامية إلى المعترك السياسي.