وصول البطل حدو جادور إلى خط النهاية!
السؤال الآن
“حدو جادور”، اسم لا تكاد تعرفه الأجيال الجديدة في المغرب، كما تجهل أسماء أعلام عديدة في سجلات الأمجاد الوطنية والعربية في مختلف المجالات، سياسية وثقافية وفنية ورياضية وغيرها.
غاب اسم حدو جادور زمنا طويلا، ليطفو الآن على شاشة الأحداث، مثل جثمان غريق من “حراكة” قوارب الموت وقد رفعته أمواج البحر الهادر. فلم يعمم اسم حدو جادور بهذا القدر منذ عقود إلا اليوم بعد إعلان خبر وفاته. ولا غرابة فالجحود والنكران قيمة وعلامة وطنية عندنا. ولنتذكر التحقيق الصحفي الذي نشر في الثمانينيات الماضية بجريدة “أنوال”، حين استطلعت مجموعة من الشباب في تلك الفترة عن مدى معرفتها بأسماء وطنية بارزة بعينها، مثل علال الفاسي والمهدي بنبركة ومحمد الزرقطوني، وكانت الإجابات صادمة، بل تدفع إلى الضحك، إلا أنه “ضحك كالبكا” كما وصفه الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي.
فقدت رياضة ألعاب القوى الوطنية يوم أمس الأحد 11 سبتمبر 2011، البطل العالمي حدو جدور، بعد صراع طويل مع المرض، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة صغيرة بمنزله الكائن بالحي الشعبي تابريكت في مدينة سلا. ومن شدة الفقر والحاجة لم يستطع أهله توفير مبلغ مالي من أجل تطبيبه وعلاجه، أو حتى معرفة المرض المجهول الذي أصابه وألزمه الفراش شهورا فشل حركته تماما، وجعله عاجزا عن النطق والكلام.
الأجيال السابقة ممن لا زالت تتمتع بذاكرة قوية هي من تحفظ اسم البطل حدو جادور البطل المغربي العالمي في رياضة ألعاب القوى، أو رياضة “العدو الريفي” كما كانت تسمى، وقد برزت في هذه الرياضة أسماء كبيرة في فترة بين الستينيات والثمانينيات، مثل عبد السلام الراضي، صاحب فضية ماراتون الألعاب الأولمبية بروما (1960)، والغازي الزعراوي، المعروف بلقب “بنعسو”، صاحب أول لقب مغربي في عدو الأمم (بطولة العالم حاليا)، والعناية وأناسي عمر. وهؤلاء مع آخرين هم من شكلوا الشرارة الأولى لبروز عدائين تألقوا وصنعوا تاريخ ألعاب القوى المغربية لحقبة طويلة، مثل فاطمة الفقير، وحسنية الضرامي، وفاطمة العوام، ولحسن عقا صمصم، وسعيد عويطة، ونوال المتوكل، وخالد السكاح، وابراهيم بوطيب، وصلاح حيسو، وهشام الكروج، ونزهة بدوان، إلى سفيان البقالي.
ولد الراحل حدو جادور سنة 1949 بإقليم الخميسات. وفي 1966 انتمى إلى نادي الجيش الملكي، وشارك في الالعاب الأولمبية سنة 1969 بالمكسيك، كما فاز خمس مرات بالألعاب العالمية العسكرية. وتوقفت مسيرته الرياضية سنة 1980.
كانت منطقة الخميسات تعد بحق مشتلا لأبطال الرياضة، خاصة في العدو الريفي، ومن الأسماء الرياضية في هذا المجال ممن أنجبتهم هذه المنطقة إضافة إلى حدو جادور، يذكر: البوهالي، وعلي بن قاسم، والسيتل العيساوي، وحمو المشاط، وماكيني، وعمر غزلات، وميلود شانا، وتابصارت، ومولاي ابراهيم بوطيب، وحمو بوطيب، وإبراهيم جبور، وهشام بوعويش، ولكرارمي، وامسيعيد، والتوغزاوي، وبوشعرة، وبولحديد، وفاطمة معما، ونجاة واعلي، ونعيمة بنبوبكر، وفاطمة أعروش، وبشرى بنتهامي، وزهرة واعزيز، وسلوى واعزيز، وزهور القمش…
عن بدايات حدو جدور ننقل هنا ما كتبه حميد محدوت: “كان البطل المغربي السابق حدو جادور في مرحلة الطفولة مولعا بالجري في حقول جماعة تيداس (حوالي 45 كلم جنوب الخميسات)، وعندما نجح في امتحان الشهادة الإعدادية كان مضطرا للانتقال إلى مدينة الخميسات لمتابعة دراسته بثانوية موسى بن نصير، الثانوية الوحيدة آنذاك بإقليم الخميسات. وذات يوم ملأ بطنه بالخبز والشاي وخرج ليجد نفسه في الغابة المجاورة ضمن منافسات البطولة المدرسية للعدو الريفي، وعلى الرغم من كونه لم يكن مدعوا للمشاركة، فقد انسل خلسة وسط التلاميذ عند خط الانطلاق حافي القدمين بعد أن تخلص من حذائه (البوط)، وشارك في السباق وتجاوز كل المشاركين وابتعد عنهم بدورة كاملة، وأكمل مسافة السباق في وقت قياسي، وظل يجري حتى تم توقيفه من طرف المنظمين. من هنا كانت انطلاقة حدو جادور الذي قهر بعد ذلك الفرنسيين والألمان والاسبانيين في عدد من البطولات المدنية والعسكرية، وصار اسمه مشهورا، وبفضل إنجازاته رفع العلم الوطني، وتم عزف النشيد الوطني في عدد من المناسبات والمحافل الدولية…”.