نصري حجَّاج يعود في ذكراه بكتاب شام
السؤال الآن
في ذكرى مرور عام على وفاة المخرج السينمائي الفلسطيني نصري حجَّاج، والتي تصادف اليوم 11/09/2022، صدرَ عن منشورات المتوسط – إيطاليا، وبطبعتين، عربية، وفلسطينية (ضمن سلسلة الأدب أقوى)، كتابه الذي حملَ عنوان: “كتاب شام”. وشام هي ابنةُ الكاتب التي ينتظر ولادتَها في أولى النصوص والتي ستكبُر بين سطوره، لتصبح هب حكاية بلاد الشام، من دمشقَ إلى الجليل إلى بيروت، حكايةٌ عن الحبّ والحرّية والتوق الدائم إلى عالمٍ خالٍ من الطغاة والقتل والنزوح واللجوء والأصولية والطائفية والسجون والأحقاد والكراهية والفقد.
شام “أوَّلُ طفلةٍ في هذا العصرِ السُّوريِّ، يحملُ بها أبوها وأُمُّها معاً”. ولنقرأ مع أولى الصفحات لحظات انتظار الولادة التي تبدو طويلةً في حملٍ اشتركَ فيه الأبُ بتدوينِ كلِّ تفصيلٍ يخصُّ نموَّ كائنٍ جميلٍ سيأتي إلى عالمٍ لا يثيرُ إلَّا الغضب والحزنَ والأسى من كثرة الدِّماء المسفوكة في هذه البلاد، وليرقصَ القلبُ بعد مجيءِ شام ولتتغيَّر نبرةُ الكلمات وبحَّتُها، وليكون هذا الحبُّ العارمُ من قلبينِ عاشقينِ دليلَ الفتاة في الحياة وبوصلتَها في زمن ضَياع الجهات.
نصوصٌ وإن كانت لا تخلو من عاطفةِ الأبوَّة، الحميمية والخاصَّة للغاية؛ تتنقَّل بنا عبر الذاكرة، لتحكي لنا حكايةَ الأرضِ والإنسان، التهجير والمنفى، والتمسُّك بمعجزة الأمل: “كأنَّ العالمَ تغيَّرَ فجأةً/ كأنَّنا تحرَّرنا/ كأنَّنا صرنا موطنين/ مواطنين سُعَداء/ في وطنٍ سعيد/ عبير وشام وأنا”. أو حينَ تسألُ البنتُ أباها عن أصولها إن كانت فلسطينية؟ أو سورية؟ أو لبنانية؟ وليجيبها: “اِسألي اسمَكِ/ فأنتِ بلادُ الشَّامِ كلُّها/ روحُها وقلبُها المنذُورُ للحرِّية“.
يكتبُ صاحبُ فيلم “كما قال الشاعر” نصوصاً شُجاعة، تدفعُها عاطفةٌ قوِّية لمواجهةِ المنفى وتبعات الحرب والظلام الذي يحجُبُ الأفق، لكنَّها أيضاً نصوص مفعمة بالأسئلة التي تظهر في شكل حواريةٍ بين أبٍ وابنتِه، وربَّما حوارية ذاتية للقارئ، في شكلِ مونولوجٍ يُطرحُ فيه السؤالُ ببراءةِ الأطفال، وتكونُ الإجابةُ بقسوةِ الواقع ورقَّة الشعر، كأن تكون “الحدائقُ في بلادنا/ مقابرَ لمَن يطلبُون الحرِّية والرغيف/ والحدائقُ في بلادهم/ ملاعب للأطفال والأزهار والطيُّور“.
“كتابُ شام” للفلسطيني نصري حجَّاج، كتابٌ رؤيويُّ أُنجزَ كشريطٍ سينمائيٍّ طويلٍ لا يتردَّد في استحضارِ الخسارات الكبرى بالتوازي مع الحبّ الذي يجعلُ من القلبِ مكاناً يسعُ الإنسان والجغرافيا والتاريخِ والمستقبل.
أخيراً صدر الكتاب في 136 صفحة من القطع الوسط، وحملت صورة الغلاف رسماً لطفلة الكاتب شام نصري حجَّاج.
من الكتاب:
عبيرُ وأنا نتوقَّعُ في خلالِ شهرِ ديسمبر/كانون الأوَّل طفلتَنا التي نتمنَّى أن تأتيَ إلى هذا العالمِ خالياً من الطُّغاةِ والقتلِ والنُّزُوحِ واللُّجُوءِ والأُصُوليَّةِ والطَّائفيَّةِ والسُّجُونِ والأحقادِ والكراهيةِ والفَقْدِ، ونتمنَّى أن نزرعَ دربَها بالياسمينِ مِن هنا وهناك وهنالك إلى دمشقَ الحرَّةِ الناصعةِ القلب.
هل هذا كثيرٌ علينا؟!
عن الكاتب:
نصري حجاج: كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، من مواليد مخيم عين الحلوة عام 1951 لوالد لاجئ من قرية الناعمة شمال فلسطين المحتلة ووالدة لبنانية من الجنوب. التحق في صفوف الثورة الفلسطينية في بداية السبعينيات، ومن ثم أتم رسالة الماجستير في بريطانيا في مجال علم النفس، ليتم إبعاده عنها في نهاية الثمانينيات.
من أفلامه: الفيلم الوثائقي “ظل الغياب” الذي تناول هاجس الموت والمنفى للفلسطيني، وفيلم “كما قال الشاعر” الذي وثق فيه لحياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. ومن أفلامه القصيرة “الحقل القرمزي” و “العصفور” الذي تناول فيهما جوانب مختلفة من المعاناة السورية بعد الثورة. كتب في صحف مختلفة في بريطانيا والعديد من الدول العربية. حازت بعض أفلامه الوثائقية على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة “أعتقد أني أحب الحكومة” في رام الله، وترجم بعضها إلى الإنكليزية. كان قد كتب في السنتين الأخيرتين من حياته، الفصل الأول من رواية وحيدة تتناول سيرة مخيم عين الحلوة، لم تكتمل لظروف مرضه.
قضى السنوات الست الأخيرة من حياته مع زوجته عبير حيدر وطفلتهما شام في فيينا، وله ابن ثلاثيني نهاوند يعيش في لندن.
كان يعمل في السنة الأخيرة على إنهاء فيلمه “ميونيخ: حكاية فلسطينية” الذي يوثق لأحداث عملية ميونيخ 1972. وافته المنية صباح يوم السبت بتاريخ 11.09.2021 في منزله في فيينا بعد صراع مع المرض وتم حرق جثمانه نزولاً عند رغبته.
نشرت عبير حيدر زوجة نصري حجاج على صفحتها بالفيس بوك:
كتاب شام.. ليس شعراً ولا نثراً، هو عصارة قلب نصري الرقيق، الحنون، الحكيم، الشغوف بالحياة لأبعد حد..
هو رسالة حب لشام ولعبير وللحياة والمخيم والأوطان التي عاش نصري ومات حالماً بها..
هو قصة حلم.. حلم نصري بشام.. الذي صار حقيقة نعيشها معه صفحة بعد صفحة..
وهو درسٌ لنا جميعاً.. في الفرح والتأمل والامتنان رغم كل مآسي الحياة..
كتاب شام.. شجرة تظلّلنا بالفرح رغم الحزن وبالأمل رغم الفقد..
“أنهض من فراشي بجسدٍ في التاسعة والستين
أزيح الستائر
وأنظر إلى العالم بعينين في الثلاثين
وأقبّل حبيبتي برغبة في العشرين
أبوس يد شام
وهي تغادر إلى المدرسة
كأنني ولدت للتو.”