رسائل نصر الله الانتقائية

رسائل نصر الله الانتقائية

حسين عطايا

في مناسبة أربعين الإمام الحسين، والتي أُقيمت بمدينة بعلبك هذا العام، أطل السيد نصر الله بكلمته والتي حملت الكثير من الرسائل داخياً وخارجياً، ولكن ثَبُث باليقين بأن سماحته يتقن فن انتقائية الذاكرة، فيتذكر ما يُريد ويتناسى عمداً ما يُريد نسيانه، على الرغم من أن ذاكرة اللبنانيين لا زالت تتذكر كل ما فعله وأقدم عليه حزبه منذ تأسيسه إلى يومنا هذا .

من أبرز الرسائل التي أطلقها نصر الله:

فيما خص ترسيم الحدود:

 وبعد أن تلمس عجزه عن القيام بأية مغامرة عسكرية، لأنها ستعود عليه بخسائر لا يستطيع تحملها في هذا الوقت العصيب، بالنظر إلى ما يعيشه لبنان من مسلسل الأزمات التي أوصلها العهد الذي أنتجه حزبه وفرضه بالقوة على اللبنانيين، بعد فراغٍ رئاسي دام سنتين ونصف .

لذلك عاد طائعاً إلى لغة اللين في مخاطبته الوسيط الأمريكي وإسرائيل، وما كلمته بأن “أعيننا وصواريخنا على كاريش”، سوى كلمةٍ يُراد منها إظهار بواطن قوته، والتي يعلم جيداً بأنها آفلة وفي طريقها إلى الاضمحلال، فكان قوله بأنه مع الدولة اللبنانية في إعطاء المهل، طالما الدولة اللبنانية تُعطي وتوافق على المهل، مع العلم أنه كان قد هدد سابقاً بأن بداية أيلول- سبتمبر هي الخط الأحمر لانتهاء مفاوضات الترسيم .

اليوم تناسى هذا الأمر وتغاضى عنه .

رسالته إلى بعض الداخل:

 عاد السيد نصر الله بالذاكرة إلى أيلول – سبتمبر 1982 حيث وقعت مجزرة مخيمات صبرا وشاتيلات والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء، لبنانيين وفلسطينيين في المخيمين المذكورين، وقوله في هذا أتى ردا على مقولة “لبناننا ولبنانكم” وما شابه، وهو بذلك يلقي التهم على المليشيات المسيحية التي كانت متعاونة في ذلك الوقت مع الإسرائيليين .

لكن غاب عن ذاكرة السيد نصر الله أمران في غاية الأهمية، وهما:

الأول: بأن بطل عمليات صبرا وشاتيلا والقائد والمشرف على تنفيذ تلك المجزرة هو إيلي حبيقة، والذي أصبح فيما بعد حليفاً إستراتيجياً لنظام حافظ الأسد في سوريا وللممانعة التي ينتمي إليها حزب السيد نصر الله .

الثاني: لقد غاب عن ذاكرة السيد نصر الله ما قام به حزبه في بلدة كفرحتى في إقليم التفاح في أوئل العام ١٩٨٩، من مجزرة بحق عائلة المرحوم أبوعلي حمود، المسؤل في حركة أمل في ذلك الوقت، وذبحه أمام عائلته. وهي كانت بداية معارك إقليم التفاح، والتي ذهب ضحيتها أيضاً مايزيد عن ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، وهي النقطة التي شكلت بداية لدخوله القوي على الساحة الشيعية وتقاسم المغانم والنفوذ مع حركة أمل ورئيسها نبيه بري .

أما رسالته إلى الداخل والتي شكلت أمر عمليات مطلوب تنفيذها فوراً ومن دون أي تأخير، كونه يعلم بأن انتخاب رئيس جمهورية قد يتأخر، وبذلك تداركاً لحصول فراغ في سُدة الرئاسة، ولأنه يعلم بأن حليفه جبران باسيل يُعد العدة لافتعال أحداث قد تخلق حالة من البلبلة والفلتان الأمني في الشارع، نما لا تُحمد عقباه، وبالتالي يجعله وحزبه عاجزين عن الإمساك بناصية الأمور التي قد تتفلت، وبالتالي تستدرج تدخلا عربياً وأممياً على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعدما لمس التغيير في مجلس الأمن في القرار 2650  الذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن، بما فيها روسيا والصين، في ما خص التجديد لليونفيل في جنوبي لبنان، والذي أدخل تعديلا لم يكن لصالح حزبه، ما يضع عراقيل أمام حرية تنقل مقاتليه ومخازن السلاح التي يخزن فيها سلاحه بمناطق جنوب الليطاني التي تُعتبر مخالفة لمندرجات القرار 1701 .

كل هذه الأمور مجتمعة دفعته إلى إبلاغ حلفائه بأنه جاد للوصول لتشكيلة حكومية تتحمل أعباء مهام الرئيس في فترة الشغور الرئاسي إلى أن تحل المعجزة في انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهذا أيضاً مخالفاً لما كان عليه موقف حزب الله وقادته في العام 2016  حين منع انتخاب رئيس غير مرشحه ميشال عون، وهذا أيضاً بعض من المتغيرات التي فرضت على حزب الله بعض اللين في مواقفه وخطابه السياسي .

إذاً، عودنا حزب الله على فن اتقان اللين حين يكون مأزوما فتراه مسالماً مهادناً، ويتغول حين يمتلك أكثرية موصوفة تُعطيه فرصة فرض رأيه تنفيذا لمصالح يراها تخدم قضيته وقضية إيران في المنطقة والمفاوضات .

هنا مطلوب من المعارضات اللبنانية النيابية، على اختلاف تلاوينها وتسمياتها، وكذلك المعارضات الشعبية، اقتناص الفرصة في السعي إلى توحيد الجهود المشتركة للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يمتلك مواصفات تخوله الحكم لمحاولة انتشال لبنان من قعر جهنم التي أوصله إليه العهد العوني الذي أنتجه حزب الله.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني