رياح الجنوب تعصف بسلاح حزب الله
حسين عطايا
منذ تحرير الجنوب في 25 أيار- ماي من العام 2000، إثر الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، لا يزال اللغط قائما حول هذا الموضوع، إذ ترددت عدة روايات ودراسات وتقارير صحفية، وروجت معلومات مختلفة و”خبريات” نُشرت في العديد من المجلات والصحف العربية والعالمية، ومنها “ديرشبيغل” الألمانية. ونوقش الموضوع من زوايا عدة، فهل تم ذلك الأمر بقرار إسرائيلي أحادي الجانب، بناء على وعود قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ايهودا باراك لأهالي الجيش الاسرائيلي، أو جاء نتيجة صفقة ما، ساهمت بالانسحاب، أم كان نتيجة ضربات المقاومة؟
حتى اليوم لا يزال حزب الله يحتفظ بسلاحه، وفق نظريته الخاصة بأن المقاومة تُحصن لبنان وتحميه، ولذلك المطلوب من الشعب اللبناني حماية المقاومة وسلاحها، وهنا مكمن الخلل الأساس في المعادلة اللبنانية.
في أثناء التحضير لانتخابات هذا العام التي خاضها حزب الله جرى العمل من أجل تحقيق هدفين:
– الأول: تعويم حلفائه عبر السعي لإنجاحهم، بعدما كانت “انتفاضة 17 تشرين” عرّت هذه السلطة الحاكمة التابعة له، لا سيما التيار العوني، إذ أظهرت الإحصاءات واستطلاعات الرأي حصول انخفاض دراماتيكي بشعبية التيار، مما دفع حزب الله للنزول بثقله، وخصوصاً في بعض الدوائر حيث الأصوات الشيعية أكبر ثقلاً وتأثيرا فيها .
– الثاني: وضع كل ما يملك من أسلحة إعلامية ومالية ودينية في معركة التصدي لأي خرق قد يحصل في بيئته الشيعية، التي يمتلك وبالقوة حصرية تمثيلها مع حليفه في الثنائية “حركة أمل”، وله حضور فيها في الجنوب والبقاع، خصوصاً في مناطق الجنوب، حتى دفع به الأمر إلى استعمال الدين والآيات القرآنية في حربه الانتخابية، عدا عن تخوين المعارضين، وكل من يُصرح بأنه معارض لتوجهات الحزب الإلهي، ووصل الأمر بقادته لتشبيه المعركة الانتخابية بحرب تموز ضد المقاومة، أي بجعل كل المعارضين انتخابياً “ترشيحاً واقتراعاً” بمنزلة العملاء وصهاينة بوجه مقاومته.
هذا الأمر، عدا عن صرف المال الانتخابي وبسخاء على شريحة واسعة من الجنوبيين، وعلى كل المستويات وليس دفعات وحيدة فحسب، بل رواتب شهرية منذ أيلول- سبتمبر من العام 2022 ولغاية آخر شهر حزيران- يونيو المقبل، عدا عن الدفعات السخية لعائلات ومساعدات غذائية (حصص غذائية، بطاقات “سجاد”، وغيرها للشراء من مؤسسات حزب الله الاقتصادية)، وأُضيفت إليها “بونات” بنزين لما سبق من يوم الانتخاب وبقيت ليومين بعد يوم السادس عشر من أيار- ماي.
إذاً، لم يوفر حزب الله نوعاً من أنواع الأسلحة التي يملكها، إلا واستعملها، بما فيها سلاح الترهيب والاعتداء على المرشحين والمعارضين، إضافة إلى التدخل السافر يوم الانتخاب، حيث كان مندوبوه يدخلون خلف العازل مع الناخبين، كل هذا لم يمنع المعارضين من خرق لوائحه، لا سيما في دائرة الجنوب الثالثة حيث وبقدرة شعب الجنوب الذي اعتاد المقاومة الوطنية وأتقن فنونها، إذ تم خرق دائرة الجنوب الثالثة بمرشحين اثنين، وكانت النتيجة مفاجأة صادمة لحزب الله وحلفائه، بعد أن تم إسقاط النائب الدائم على لوائح حزب الله وأمل منذ العام 1992، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، والذي يعتبر أحد أدوات النظام السوري والممانعة على مستوى لبنان، كما تم إسقاط المرشح مروان خير الدين الذي يشكل أحد أعمدة المنظومة المصرفية، التي نهبت أموال المودعين بالشراكة مع أجهزة الحكم الفاسدة المتعاونة مع منظومة المال والحامية لها.
وكان لهذا الحدث وقع كبير في صفوف الثنائي، لا بل كان بمثابة صفعة وهزّة لقوة السلاح غير الشرعي الحامية لمنظومة الحكم الفاسدة، وهذا ما أعطى الجنوبيين فرصة للثأر ممن كانوا أساسا سببا في ضياع ونهب ودائعهم على مستوى الجنوب، لا بل على مستوى الساحة اللبنانية، وبذلك كتب في الجنوب فصلٌ جديد من فصول ملاحم البطولة التي صنعها الجنوبيون على مدى عصور وأجيال، وستكون مدماكاً أساسياً يُبنى عليه، في المواجهات القادمة وعلى مختلف المستويات.
لم يقتصر الأمر على دائرة الجنوب الثالثة، بل تعداه الى دائرة الجنوب الأولى، أي صيدا عاصمة الجنوب وجزين عروسة الشلال، حيث أدى إلى خروج النائب اسامة سعد من تحت عباءة ما يُسمى بــ “المقاومة”، بدءاً من تشرين الأول 2019، وانضمامه إلى صفوف “انتفاضة 17 تشرين”، وصولا إلى خوض الانتخابات خارج رايات الثنائي، وإعلانه عدم تحالفه مع أي من أحزاب المنظومة، ومنها حزب الله، الذي أرسل له أكثر من رسالة تهديد بإسقاطه، وعلى الرغم من ذلك نجح سعد مع النائب الحليف عبد الرحمن البزري ورفيقا لهما في جزين، التي تحررت من ثوب التيار العوني، مما أخرج دائرة الجنوب الأولى من أي وجود نيابي للثنائي.
شكل الأمر صدمة لحزب الله والتيار العوني، كذلك للرئيس نبيه بري الذي خسر مرشحه الدائم ابراهيم عازار، والخرق الذي حصل في الدائرة الثالثة مما أسقط الغطاء الوطني عن حزب الله، وأخرج الجنوب من هيمنة وسيطرة حزب السلاح والاستكبار على اللبنانيين، وكان يوم الخامس عشر من أيار- ماي يوم الانعتاق والتحرر من الهيمنة، ووجه الجنوب رسالة قوية لحزب السلاح وأحرجه وأسقط منطقه، فالجنوب الذي يدعي حزب الله حمايته انتقل إلى زمن آخر.
لقد كان الجنوب وسيبقى حجر الزاوية في كتابة تاريخ لبنان، الذي يُعطي أملاً بغدٍ أفضل على الدوام. فكما سطرت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) صفحات عز، واستطاعت تحرير أجزاء كُبرى من لبنان وإعادته إلى ما وراء الشريط الحدودي المحتل، كتب أهل الجنوب بأطيافهم المتنوعة المتلونة صفحة جديدة في حب الوطن، واستطاع تاريخ الخامس عشر من أيار- ماي 2022 كتابة مستقبل لبنان السيد الحر المستقل، ليكون عِبرة لجميع من تسولهُ نفسه احتكار تمثيل الجنوب وأهله، ولتكون درساً للتواقين إلى فجر حرية وأمل في مستقبل زاهر للبنان.