الأدب والسينما: حساسية خاصة وتنافس بين فنيين ساحرين
فاطمة حوحو
تثير الحياة الثقافية اشكاليات كثيرة حول مواضيع مختلفة في عالمنا المعاصر، اشكاليات لا تجد طريقها الى حلول او تسويات، بل تبقى معلقة كاسئلة الوجود، تتعدد حولها وجهات النظر وتتصارع فيها الافكار وتتناقض حيالها آراء الكتاب والفلاسفة والمبدعين والنقاد في حل الغازها، ولعل إشكالية العلاقة بين الرواية والسينما تبدو الأكثر إثارة في فك روابط جمالياتها الفنية أو فكفكة عقدها أو مقارنة لغاتها.
فالعلاقة بين السينما والأدب كشكلين مختلفين من الاعمال الفنية، اثارت الحساسيات لاسيما بالنسبة الى بعض الكتاب المشهورين الذين نقلت رواياتهم الى الشاشة الكبيرة، ولم تنصف المخرجين الذين عملوا على اختصار مئات الصفحات المكتوبة وتصوير الاحداث والانفعالات في اشرطة لا تتجاوز الساعتين وفي حالات نادرة الثلاث ساعات.
وان كان النقاش حول علاقة السينما بالادب لم يحسم بعد لصالح الرواية ام الفيلم، الا ان العلاقة قائمة وهي علاقة عضوية وعميقة تربط هذا الفن بذاك ولا تستغني عنه.
منذ بدايات السينما نشأت العلاقة مع الادب حيث انجز المخرج جورج ميليس احد رواد الفن السابع اربعة افلام بين العام 1899 والعام 1901 مقتبسة عن اعمال ادبية وهي “سندريللا” و”اللحية الزرقاء” و”جاندراك” و”عمود النار”، وظهر التجاذب في الاراء، فهناك من رأى ضرورة في نقل الرواية كما هي والحفاظ على سياقها في الفيلم والامانة لتفاصيلها الواردة من خلال الحوار وهناك من دعا الى فصل لغة الادب عن السينما، فالادب يعتمد السرد الادبي بينما السينما تعتمد على السرد السينمائي والبصري، ولذلك كانوا مع ترك الحرية للمخرجين السينمائيين في ابداع اعمالهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة في تصوير التجربة الشعورية التي يعيشها المخرج مع الرواية من خلال الكاميرا.
وهناك من حاول الربط بين الرواية والفيلم اي بين الاديب والمخرج، فنظر الى السينما كأداة تضيء الرواية رغم عالم الكاتب الخاص، الا ان السينما تقدم له شكلا اسهل في الكشف عن جمالية الرواية وسحرها.
وهنا نذكر قول المخرج الاميركي بيلي وايلدر الذي اجاب لدى سؤاله عن اهم ثلاثة عناصر في العمل السينمائي فأجاب: “السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو”، وقال المخرج الفرد هيتشكوك “اعطني سيناريو جيدا ولا تسألني عن شىء بعد ذلك”،
وعندما سئل المخرج سيسيل دي ميل عن الوصايا العشر السينمائية اجاب التسع الأولى سيناريو محبوك والوصية العاشرة المخرج والممثل والجمهور. والسيناريو إما أن يكون منقولا عن عمل ادبي قصصي روائي أو مسرحي أو أن يكون مكتوبا خصيصا للسينما، فإن كان السينمائيون يرون أهمية في السيناريو فانهم كانوا الاجرأ في اقتباس القصص الروائية الى الشاشة، ونقلها الى العامة من أيدي النخبة، ولذلك كانوا مرتاحين اكثر من الادباء الذين كان البعض منهم يتهم السينما بتزييف روايته، وفي هذا المجال نذكر كيف خرج الكاتب الكبير ارنست همنغواي حين كان يشاهد فيلما مأخوذا عن احدى رواياته وهو يصرخ “اوقفوا هذه المهزلة ايها الاوغاد”.
روائع القصص لم تمت
اذا اقتحمت السينما عالم الرواية وبنت معها علاقة خاصة منذ زمن طويل، واخذت كلاسيكيات السينما العالمية من روايات معروفة، خاصة في الأفلام الأميركية والروسية، وان ذخر الأدب العالمي بروائع القصص والحكايات، فقد ساهم عباقرة السينما في انتشارها ومن هذه الروايات التي عرفت النجاح قديما وحديثا:
ــ “ذهب مع الريح” التي كتبتها مارغريت ميتشل عام 1926، وأمضت ما يقارب العشر سنوات تعمل عليها حتى صدرت الرواية عام 1936، ونالت إعجاب القراء، ونجحت نجاحاً كبيراً، ولايزال أثر هذا النجاح إلى يومنا هذا بفضل الفيلم، الذي قدمها وحاز على عشر جوائز أوسكار.
ــ “آمال كبيرة” للكاتب الانجليزي تشارلز ديكنز، الذي اهتمت السينما بأعماله وقدمتها في غاية الروعة، ومنها هذا العمل الذي قام بكتابة السيناريو له ميتش غلازر وأخرجه ألفونسو كارون.
ــ “تاجر البندقية” قدمه للسينما المخرج مايكل رادفورد، وتعتبر هذه الرواية من أكثر أعمال شكسبير تعرضاً للانتقاد، إذ انه رصد لنا شخصية التاجر اليهودي شايلوك وأدى دوره في الفيلم آل باتشينو. وهذا التاجر ليس عادياً، فهو الطماع المرابي وهاتان صفتان ملتصقتان بالتاجر اليهودي في كل مكان.
ــ “زوربا” للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، وقد تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي عام 1964، وقام بدور البطولة فيه أنطوني كوين وترشح عنه لجائزة الأوسكار.
ــ “عطر” للمخرج الألماني توم تايكور، من أهم الأفلام الأوروبية المنتجة في السنوات الخمسين الأخيرة، وهو معد عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، حققت نجاحاً منقطع النظير، وطبع منها خمسة عشر مليون نسخة وترجمت إلى اثنتين وأربعين لغة.
ــ “شيفرة دافنشي” فيلم مقتبس من كتاب يحمل الاسم ذاته للكاتب الأميركي دان براون يقول إن يسوع المسيح ومريم المجدلية أقاما علاقة وأنجبا أطفالاً. والفيلم من بطولة توم هانكس، وترجم هذا الكتاب إلى 44 لغة، وبيع منه حوالي 40 مليون نسخة في العالم منذ صدوره عام 2003.
ــ “المليونير المتشرد” سيناريو صاغه سيمون بيوفوي، وقد اقتبسه عن رواية سؤال وجواب الذائعة الصيت للروائي والدبلوماسي الهندي فيغاس سوارب، والتي كانت الأكثر مبيعاً في العديد من الدول، وترجمت إلى 36 لغة. واستطاع الفيلم حصد جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أعد للسينما عن رواية أدبية.
ــ “بنجامين بوتن” تحفة سينمائية استغرقت على الشاشة ساعتين و47 دقيقة. اقتبست قصته من رواية ثانوية كتبها الأديب الأميركي سكوت فيتزجيرالد، وطورها كاتب السيناريو اريك روث وأعطاها أبعاداً أعمق وأكثر شمولية.
ــ”إنكهارت” أول فيلم فانتازيا يقوم على سلسلة أكثر روايات الخيال الشبابي مبيعاُ لمؤلفتها الألمانية كورنيليا فانك، وهي ترتبط بأعداد ضخمة من القراء الكبار في أنحاء العالم، إلى جانب الأطفال والمراهقين، الذين يتذوقون عوالم السحر والخيال في رواياتها
“ــ عمى” فيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته، نشرت عام 1995 للروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو، ويؤدي أدوار البطولة فيه إلى جانب جوليان مور كل من مارك روفالو، وداني غلوفر والممثل المكسيكي غاييل غارسيا بيرنال.
ــ “القارئ” يستند إلى رواية الكاتب الألماني شلينك برنهارد التي حققت رواجاً كبيراً. وقامت بدور البطولة في الفيلم الممثلة العالمية الشهيرة كيت وينسليت التي فازت عنه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة.
ــ “الطريق الثوري” فيلم مقتبس عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب ريتشارد يايتس، وقد نشرت عام 1961؟. ورغم العقود التي أبرمت لتحويلها إلى فيلم سينمائي، إلا أن انجازها لم يتم إلا في سنة 2008 عن طريق المنتج والمخرج سام ماندس.
الرواية العربية والأفلام الناجحة
اما بالنسبة الى علاقة السينما العربية بالادب فهي علاقة وثيقة لاسيما في السينما المصرية الرائدة، على الرغم من انحدار مستوى الافلام المقدمة اخيرا، لاسيما افلام الكوميديا والاكشن. والمتتبع للسينما المصرية في الستينات والسبعينات سيجد ان معظم الافلام الناجحة والتي كانت تلاقي اقبالا جماهيريا واسعا كانت مأخوذة عن روايات الكاتبين الكبيرين نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وكذلك الكاتب محمد عبد الحليم عبد الله، بالاضافة الى يوسف السباعي وتوفيق الحكيم، كما تحولت روايات معروفة حديثا الى افلام ناجحة نذكر منها فيلم “عمارة يعقوبيان” المأخوذة عن رواية علاء الاسواني ونقطة نور لبهاء الطاه وعصافير النيل لابراهيم اصلان.
وفي عودة الى الماضي نجد أول فيلم صامت الذي انتج في العام 1930 عندما قدم المخرج محمد كريم فيلماً عن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل المنشورة باسم الفلاح المصري، ثم عاد في العام 1952 وقدمها مرة أخرى من خلال فيلم ناطق، أما بقية الأفلام المأخوذة عن روايات في تلك الفترة فالنصوص كانت شبه مجهولة في تاريخ الأدب في مصر، مثل “حياة الظلام” لمحمود كامل و”رابحة” لمحمود تيمور، و”أيام شبابي” لصالح جودت. والغريب ان الروايات الثلاث التي تم اقتباسها في العامين 1950 و1951 تم تغيير عناوينها سينمائيا رغم جاذبية هذه العناوين ادبيا، وهو ما أصبح سمة لعدد من الأفلام المأخوذة عن روايات في تلك الفترة مثل فيلم: “أخلاق للبيع”، المأخوذ عن رواية “أرض النفاق” ليوسف السباعي و”لقيطة” لمحمد عبد الحليم عبد الله التي تحولت إلي فيلم حمل اسم “ليلة غرام” وكتاب “الوعد الحق” لطه حسين الذي تحول إلى فيلم ظهور الإسلام.
ويرى البعض أن “البداية الحقيقية لتنبه السينما لأدب نجيب محفوظ كانت في العام 1960 عندما تحولت روايته “بداية ونهاية” إلى فيلم حمل الاسم نفسه وأخرجه صلاح أبو سيف، ونجح الفيلم فنيا وجماهيريا. بيد ان فيلم “آثار على الرمال”، المأخوذ عن رواية يوسف السباعي “فديتك يا ليلى” كان بداية رحلة الانتباه إلى ان الروائيين المصريين يكتبون قصصا تناسب السينما، حيث تم في العام التالي مباشرة تحويل رواية “اني راحلة” ليوسف السباعي أيضا إلى فيلم حمل الاسم نفسه، وبعد ان قدم فيلم “الله معنا “عن رواية احسان عبد القدوس تنبهت السينما إلى الادب المنشور لهذا الروائي والكاتب فبدأ اهتمام المخرجين به وقدم المخرج أحمد ضياء الدين روايته “أين عمري” العام 1956 في فيلم حمل الاسم نفسه، ثم تبعه صلاح أبو سيف في جملة أفلام عن روايات عبد القدوس، وهو ما عرف بالمرحلة الرومانسية الممزوجة بالواقعية عند أبو سيف حيث تناولت أفلام مثل “الوسادة الخالية” و”أنا حرة” و”لا أنام” و”الطريق المسدود”، قضايا واقعية من الواقع الاجتماعي والنفسي الذي يعيشه شباب حقبة خمسينيات القرن الماضي بعد قيام 23 تموز – يوليو -، وكان ابو سيف امينا للغاية في نقل أبعاد روايات عبد القدوس وروح شخصياتها.
وخلال تلك الفترة الرومانسية ظهرت مجموعة افلام المخرج عز الدين ذو الفقار وبدأها بفيلم “رد قلبي” و”بين الاطلال”، وهما من تأليف يوسف السباعي، وهي تلك الفترة بالتحديد التي بدأ فيها نجيب محفوظ كتابة سيناريوهات أفلام سينمائية تدور أحداثها في الاحياء الشعبية سواء لصلاح أبو سيف الذي علمه حرفية كتابة السيناريو أو لمخرجين غيره مثل نيازي مصطفى وعاطف سالم.
لكن البداية الحقيقية لتنبه السينما لأدب نجيب محفوظ كانت في العام 1960 عندما تحولت روايته بداية ونهاية إلى فيلم حمل الاسم نفسه وأخرجه صلاح أبو سيف، ونجح الفيلم فنيا وجماهيريا. بعدها مباشرة تحولت روايته “اللص والكلاب” إلى فيلم سينمائي يعد حاليا من كلاسيكيات السينما المصرية، وبعد هذا الفيلم بالتحديد وبسبب النجاح الهائل الذي حققه أصبح نجيب محفوظ ورواياته من اهم المصادر التي تنهل منها السينما موضوعاتها.
وإذا كانت اعمال عبد القدوس هي الاكثر اقتباسا من خلال السينما في الخمسينيات، فإن محفوظ هو الكاتب الذي انكبت السينما على اعماله طوال فترة الستينيات والسبعينيات وظهرت أهم رواياته على شاشة السينما في تلك الفترة، مثل “زقاق المدق” التي كتبها قبل الثورة، و”خان الخليلي” و”القاهرة الجديدة” التي أصبحت فيلم “القاهرة 30″، ثم ثلاثيته الشهيرة “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية”، والفيلم السياسي “ميرامار” وغيرها.
ويحسب لهذه الفترة ان السينمائيين اهتموا بالأدباء الشباب الذين كانوا قد فرضوا أنفسهم على الساحة في هذا الوقت وسرعان ما تعاملت السينما معهم، مثل يوسف ادريس وثروت اباظة وامين يوسف غراب ومحمد عبد الحليم عبد الله وانور الشناوي.
وهكذا بدأت السينما المصرية تنوع مصادر موضوعاتها وأفكارها المستوحاة من الادب المنشور، وفي حقبات زمنية متتالية فتحت انتاجها لاعمال أجيال من الادباء والروائيين، فتحولت أعمال روائيين مثل اسماعيل ولي الدين ويوسف القعيد وجمال الغيطاني وسكينة فؤاد واقبال بركة ويحيي الطاهر عبد الله إلى أفلام سينمائية. وفاز الروائي اسماعيل ولي الدين بنصيب الاسد في مرحلة الانفتاح على امتداد عشرين عاما من 1975 الى 1995 حيث توالت الافلام المأخوذة عن رواياته مثل “الباطنية” و”درب الرهبة” و”السلخانة” و”أسوار المدابغ” و”بيت القاضي” و”الاقمر” و”حارة برجوان”، في حين نجد ان يحيي الطاهر عبد الله له رواية واحدة فقط هي “الطوق والأسورة” التي حولها المخرج خيري بشارة إلى فيلم حمل الاسم نفسه لكن الفرق بين الكم والكيف هنا كبير، فهذا الفيلم الاخير، وما حققه من نجاح فني وأيضا نجاح جماهيري واسع جعل النقاد يميزون بين نصوص أدبية خالصة ونصوص اخرى تمت كتابتها للسينما، وهي أقرب إلى السيناريوهات، وتساءل النقاد هنا، هل يمكن اعتبار (السيناريو) جنسا ادبيا جديدا.
في البلدان العربية
وعرفت البلدان العربية، في مرحلة أو أخرى، انتاجاً سينمائياً لكنه فقيرا الى حد ما ففي سوريا مثلاً، عرفت نصوص حنا مينه طريقها الى الشاشة الكبيرة ومن بينها “بقايا صور” للمخرج نبيل المالح و”الشمس في يوم غائم” ة”اه يابحر” عن رواية “حكاية بحار” التي اخرجها محمد شاهين، ونص أو أكثر لحيدر حيدر ومنها رواية “الفهد” التي اخرجها نبيل المالح ايضا أو فيصل خرتش (صاحب «تراب الغرباء») طريقها الى الشاشة، وفي لبنان، في المقابل، يكاد ينحصر الاقتباس السينمائي عن الأدب في فيلمين لافتين، أولهما حقق في سنوات الستين عن رواية «الأجنحة المتكسرة» لجبران خليل جبران (الراحل يوسف المعلوف وهو مصري من أصول لبنانية)، والثاني، تجربة بهيج حجيج في أفلمة رواية مميزة لرشيد الضعيف هي «المستبد» تحت اسم «زنار النار”.
أما في العراق فإن سنوات الازدهار السينمائي شهدت اقتباسات من غائب طعمة فرمان («خمسة أصوات») اما التجربة الفلسطينية فهناك مثلا نصين أو أكثر لغسان كنفاني (من بينهما الفيلم السوري «المخدوعون» تحفة توفيق صالح). علماً أن التجربة الفريدة من نوعها في المشرق العربي تبقى اقتباس خالد الصديق لرواية «عرس الزين» للسوداني الطيب صالح، في فيلم كويتي، تلى «بس يا بحر» للصديق، الذي وضع عن تجربته تلك كتاباً في غاية الطرافة والفرادة.
وفي المغرب العربي، لا يزال الاقتباس الأدبي في السينما نادراً، على رغم بدايات أتت مشجعة وواعدة «الأفيون والعصا» لأحمد راشدي وبعض التجارب المغربية الأخرى.
اعترفات أدباء ومخرجين
ونستعرض عنها بعض الاراء لادباء ومخرجين شركاء في المعمعة فقد عبر الكاتب الكولومبي الشهير غابريل غارسيا ماركيز عن العلاقة بين السينما والأدب بقوله: “عتقد أن السينما بإمكانياتها البصرية الهائلة، أداة التعبير المثلى، ولعل كل مؤلفاتي السابقة على غرار مائة عام من العزلة منحدرة من هذا اليقين، فهي مكتوبة باندفاع نحو تصوير المشاهد والأشخاص، والصلة الدقيقة بين وقت الحوار والفعل… ولم يجعلني عملي في السينما أدرك ما يمكن أن يقوم به الكاتب فحسب، بل ما يجب ألا يقوم به كذلك. وبدا لي أن سيطرة الصورة على عناصر روائية أخرى، ليست ميزة وحسب، وإنما هي تحديد لها، وقد بهرني هذا الاكتشاف، وأدركت أن الإمكانية الروائية غير محدودة.. من هنا أتجرأ على القول إن تجربتي في السينما ضخمت إمكانياتي الروائية دون ريب“.
وأكد على ذلك المخرج ألن جريفث والذي كان من أوائل المخرجين الذين استخدموا الأدب في السينما بقوله: “أعترف بأن العديد من تجديداتي في السينما تعود إلى ما أوحته لي روايات تشارلز ديكنز“.
فيما اعترف الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ بفضل السينما عليه بقوله: “أنا نجيب محظوظ السينما”. ويقول المخرج الإيطالي الشهير فيليني شارحاً جدلية هذه العلاقة: “إن الإيقاع الأدبي للكتابة مختلف عن لغة السينما، فالكلمات مغرية ولكنها تضيع في المساحة المحدودة التي تتطلبها صورة الفيلم”.