رحيل المناضل اليساري إدريس أومحند.. صاحب الابتسامة الدائمة
الدار البيضاء- السؤال الآن:
عن عمر يناهز السبعين، رحل يوم أمس بالعاصمة الرباط المناضل السياسي والنقابي إدريس أوجند. وقد جرت اليوم مراسيم تشييع جنازته بحضور مجموعة من الرفاق والأصدقاء، بمقبرة الرحمة في الدار البيضاء. وقد أبَّنه المناضل الحقوقي عبد الإله بنعبد السلام بالكلمة التالية، وتلخص سيرة الراحل:
(رفيقنا وعزيزنا، فقيدنا إدريس.. بماذا عسانا نتحدث، وكيف نودعك في هذه اللحظات الأليمة، فكلنا عايشناك وتعرفنا حق المعرفة على سيرتك الفاضلة، في معمعان النضال في إطار تجربة اليسار الجديد، وكان عطاؤك دوما مستمرا. وسنحاول شحذ ذاكرتنا الجماعية للوقوف على اللحظات الجميلة والصعبة التي جمعتنا بآمالها وآلامها، حتى يتعرف عليك جيل الشباب، المنخرط في سيرورة النضال من أجل تشييد وطن الحرية والديمقراطية والمواطنة بكافة الحقوق.
تعرفنا أول ما تعرفنا عليك بمقر النقابة الوطنية للتعليم، في كراج أسفل عمارة بزنقة طونكان بالرباط، كنت كما .. دائم الحضور، والمساهم والمنخرط بسخاء وتضحية في كل النضالات والمعارك التي خضناها كنساء ورجال في هذا الوطن، الذي يعاني القهر والاستبداد.. عرفناك في كافة المعارك.. من إضرابات كان أقواها إضراب 10-11 أبريل 1979 المشهور، والذي لم يقتصر على قطاع التعليم، بل شمل كذلك قطاع الصحة مع قطاعات أخرى، وووجه بقمع شرس من قبل النظام، الذي اعتقل المئات من الأساتذة والمعلمين، عندما جرى تحوير البيت الشعري “قم للمعلم وفِّه التبجيلا”، ليصبح “قم للمعلم وفِّه التنكيلا”، وطرد أكثر من 2000 شخص. وبالرغم من القمع والمحاكمات والتوقيف والطرد من العمل، تواصل النضال ويتواصل، ولن يتوقف يوما حتى بزوغ غد مشرق .
وفي معمعان النضال هذا توطدت علاقاتك الإنسانية والنضالية، خصوصا مع شرفاء وشريفات الوطن الذين تقاسموا نفس الطموحات من أجل وطن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين النساء والرجال. كما نتذكر نضالك ومساهماتك في عملية تأسيس الصرح الحقوقي: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي تشبعنا منها جميعا بالقيم والمبادئ المثلى لحقوق الإنسان، وكنت تشتغل في كم لجنة، حيث كانت الاجتماعات تعقد بمقر اتحاد كتاب المغرب ، قرب مقر منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت من القضايا الرئيسية التي كنا نشتغل عليها قضية المختطفين والمعتقلين السياسيين والقضية الفلسطينية .
نذكرك رفيقنا العزيز إدريس كذلك في انتفاضة 20 يونيو 1981 المجيدة، عقب الإضراب العام، بعد أن تظاهرنا في شوارع الرباط، وطاردتنا قوات القمع، والتحقنا بمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الذي تم تطويقه بجحافل من القوات القمعية، التي كانت تحمل الرشاشات وتقف على أهبة استعداد، وفي لحظة كنا نحاول فيها التجمع بباب المقر المكتظ بالمناضلين والمناضلات، والانطلاق في التظاهر مجددا، إلا أن أحد المناضلين النقابيين العائد أثناءها من الدار البيضاء، أرجعنا وأخبرنا باستخدام القوات القمعية للرصاص الحي بالبيضاء وسقوط عدد من الشهداء، وأن الخروج في مظاهرة من المقر سيكون حقا مخاطرة كبيرة، قد يترتب عليها إطلاق الرصاص من طرف القوات المطوقة للمقر.
وبعدها تم رمي المقر بالقنابل المسيلة للدموع، وهو ما اضطررنا معه، من خلال المنازل المجاورة وبمساعدة الجيران، من مغادرة المقر خلسة عبر الأسطح، وبقيت أنت برفقة القيادة النقابية، حيث هاجم البوليس ليلا المقر واعتقلتَ مع كل الذين لم يغادروا المقر، وحوكمت، وصدر في حقك حكم نافذ بالسجن، أمضيتها بسجن لعلو بالرباط، وبعد مغادرة السجن عانيتَ لسنوات من فقدانك لعملك بسبب التوقيف الذي طالك، وانخرطت وساهمت بفعالية في حركة الموقوفين والموقوفات من نساء ورجال التعليم من أجل استعادة عملهم.
وطبعا الوقت هنا لايسمح بتعداد مساهماتك الكثيرة والمستمرة في العديد من المحطات النضالية البارزة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
*لجان المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين .
*تأسيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف.
*تأسيس منظمة العفو الدولية فرع المغرب.
*تأسيس الأئتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام.
* تأسيس الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب.
وبالطبع من الصعب علينا أن نحيط بكل مساهماتك النضالية الغزيرة، إلى جانب من تقاسموا معك سنوات الألم والوجع، يكفي القول إنك ورغم المرض الذي ألمَّ بك، فقد كنت قويا كما عهدناك، تقاوم المرض، حتى أطلق عليك طبيبك لقب
le combattant
فقيدنا العزيز.. إن وداعك صعب.. لكنها سُنَّة الحياة… نودعك ونحيِّي روحك الطاهرة تحية الحب والتقدير والاعتزاز بك، كتحدي أبناء الشعب المخلصين لقضاياه العادلة، وقد عشت مناضلا ومتَّ مناضلا قويا مشاكسا، ومدمنا في حب الوطن والشعب الذي أنجبك وأنجب خيرة المناضلات والمناضلين .
فلك منا الوفاء.. ولعائلتك أحر التعازي وأصدق المواساة.