الأزمة الاقتصادية: قرارات واستنابات بهلوانية
حسين عطايا
في سابقة لم يُعثر لها على أثر في التاريخ القديم او الحديث ، تعالج أزمة الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان بخلفيةٍ امنية ، وهو ما شهدناه بعملية بمطاردة الصرافين او المُضاربين على النقد الوطني، وهذا لا يخلقُ حالة سوية في الاقتصاد الوطني او يعالج ازمة النقد او السيولة في الوطن .
من هنا ، كل ما يجري على هذا الصعيد مجرد مسرحيةً ، يُراد بها التغطية على مسرحية فاشلة قادها منذ مدة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في وجه قاضي التحقيق العدلي القاضي طارق البيطار .
في اي دولة قد تتعرض لازمة اقتصادية نقدية ومالية ، تجتمع حكومة البلد وتتخذ قررارات ومشاريع قوانين ، تُرسل على عجل للسلطة التشريعية فتُناقشها ويجري إقرارها مباشرة لمواجهة الازمة الطارئة لوقف حدة التدهور في الوضعين الاقتصادي والمالي .
بينما في لبنان ومنذُ اواخر العام ٢٠١٩ بدأت تتفجر المشكلة الاقتصادية الناتجة عن العجز في ميزان المدفوعات والتي بلغت مداها في تشرين الاول – اوكتوبر ، من العام ٢٠١٩ وبدأت عملية تحويل الاموال وخروج الاستثمارات من لبنان . بينما الحكومة ومعها المجلس النيابي والمصرف المركزي ، مكتوفي الايدي لا يُحركون ساكناً بل هم مشغولون بالتلهي بصغائر الامور والمناكفات حتى تعاظمت وكبُرت الازمة واستغحلت ووصلنا الى ما نحن عليه .
لذلك، فإن مسرحيات النيابة العامة المالية ومعها النيابة العامة التمييزية، وبالتعاون مع بعض الاجهزة الامنية ، ومن خلفهم تعاميم المصرف المركزي ومنصته ” صيرفة ” ، كلها معالجات ترقيعية لا تحل الازمة بل مجرد فقاقيع هواء لاتُقدم ولاتؤخر .
علم الاقتصاد وعلم المالية العامة يقوم على نظريات علمية ومحاسبية واضحة السبُل وطُرق المعالجة ، تستدعي العمل الجاد ، ولا تُحل الازمات بطُرق بهلوانية تتخذ من عمليات إلهاء المواطنين والرأي العام ببعض الامور السطحية والتي لاتُنتج حلولاً مستدامة وناجعة .
مضى على إحالة قانون الكابيتال كونترول في لجان المجلس النيابي سنوات واشهر ولم يُقر ويصدر ويُنشر حتى يأخذ طريقه الى التطبيق ، حيث اساساً لم يبق من اموال في المصارف ليتم مراقبتها ، فكل الاموال تم تهريبُها الى خارج الوطن ، وهنا في هذا المجال فإن عمليات تحويل الاموال للخارج هي شرعية وقانونية ولا تشوبها اية شائبة على الاطلاق ، لان لا يوجد قانون يحول دون ذلك ، فحرية نقل الاموال والرساميل محفوظة بالقانون ، وكل ما بُقال هو فقط لمجرد ذر الرماد في العيون .
معالجة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان ، ليست بنت ساعتها بل هي عمل تراكمي بدأ مع قرار تثبيت سعر صرف الدولار في العام ١٩٩٣ مع حكومة الرئيس رفيق الحريري واستمرت ، مع سياسة المديونية والصرف من دون اية عملية إصلاح في الكهرباء التي استنزفت ما يُقارب الخمس واربعين مليار دولار وعمليات بناء السدود الفاشلة مع الصرف على اعمال البُنى التحتية والتي اثبتت اعمال الصرف تلك بأن الفساد يُعشعش بكل مفاصل الدولة اللبنانية ، وتبني سياسة اقتصاد ريعي يقوم على الخدمات، وتم ضرب القطاعات المنتجة في الصناعة والزراعة وغيرها من مصادر الدخل الوطني ، ومن دون النظر لعمليات التنمية المُستدامة والمتوازنة بين المناطق ، الى ان تكرس العجز في ميزان المدفوعات وزادت حدتها اكثر فأكثر ، فانفجرت الازمة وهي غير مسبوقة بتاريخ لبنان الحديث والقديم حتى لم تعرفها ايام المتصرفية او في ظل الانتداب .
لذلك ، يجب العودة الى الاصول في تحديد سُبُل الهدر وزواريبها ، والجهات المستفيدة منها ومحاسبتها والعمل على استرداد تلك الاموال المنهوبة والتي تُقدر بالمليارات إن في وزارتي الطاقة والاتصالات على وجه التحديد وهنا لابد من الاشارة الى تقارير ديوان المحاسبة وبعض اجهزة الرقابة والتي تدل بوضوح على الفاسدين وابواب الهدر ومزاريب السرقات والتلزيمات ومن يقف خليفها .
إذن ، حل القضية الازمة ليس مستعصياً ولم تكن يوماً الحلول غير موجودة بل من تسلم زمام السلطة على مدى سنوات من حكومات ومن شارك فيها مسؤل عما وصلنا اليه اليوم .
<
p style=”text-align: justify;”>مطلوب إصلاحات في المالية العامة وقبلها في قطاعات الكهرباء والاتصالات والنظام المصرفي وغيرها من امور طلبها صندوق النقد وكل المرتمرات التي عُقدت منذ العام ١٩٩٣ ولتاريخ اليوم كانت تحث الحكومات المتعاقبة على الاصلاح دون القيام بأي خطوة من ذلك .