في أربعينيته.. عبد القادر أزريع ذاكرة حية
جمال المحافظ
بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيل الفاعل المدني والحقوقي عبد القادر أزريع، احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة السبت 13 مارس الجاري بالرباط، لقاء تأبينيا نظمته عائلة وأصدقاء الفقيد الذي وافته المنية في في ثاني فبراير الماضي، ألقيت خلاله شهادات تناولت، مساراته وإسهاماته في الميادين السياسية والحزبية والنقابية والاجتماعية والحقوقية والتربوية.
وتميز هذا اللقاء المنظم بشراكة مع المكتبة الوطنية للمملكة، بشهادات لفعاليات مغربية وأجنبية، أجمعت على الإشادة بمناقب الفقيد. كما توقف المتدخلون عند أبرز محطات حياة الراحل والتي تبرز جليل أعماله ومدى دفاعه عن قيم المواطنة والحداثة وحقوق الانسان، مع الرهان على مساهمة المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة، بأوجهها المتعددة.
وفي افتتاح اللقاء، الذي تميز بحضور حشد كبير من الفعاليات السياسية والنقابية والثقافية والحقوقية والنسائية و الجمعوية، عبر محمد الفران مدير المكتبة الوطنية للمملكة، عن الاعتزاز باحتضان القاعة الكبرى للمكتبة لهذا الحفل التأبيني الكبير المخصص لشخصية بصمت بعطاءها المتنوع التاريخ الوطني للبلاد خاصة على مستوى الحركة المدنية والاجتماعية والنقابية والبرلمانية.
حضور نوعي
وأضاف الفران أن مستوى الحضور النوعي والمتنوع في هذا اللقاء الذي تميز بعرض شريط وثائقي مصور حول مسار الراحل، يبرهن بالملموس المكانة التي كان يحظى بها الفقيد ، ويتميز به من خصال نبيلة وعمل دؤوب، متقدما بخالص تعازيه ومواساته الى كافة أفراد أسرة وأصدقاء الفقيد .
وفي شهادته، ركز ادريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج على الفترة التي جمعته بالراحل بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، والممتدة ما بين 2011 و2018. وقال : ” فعلى الرغم من اختلاف مساراتنا، فقد كان الالتزام يقرب بعضنا من بعض. لذلك كان مفروضا علينا أن نتأقلم، لأن الثقافة النضالية، كما نعلم، تقربنا من بعضنا، كما يمكن أن تباعد في ما بيننا. لكن في الحقيقة كان التقارب بيننا سريعا، بقدر كثافة اللحظة”.
تجربة غنية وممتعة
ووصف اليزمي التجربة التي جمعته بالراحل بـ”الممتعة”، وتوجت بدسترة المجلس الوطني لحقوق الانسان في يوليوز 2011، وبتنصيب الفقيد عبد القادر أزريع رئيسا للجنة الجهوية لحقوق الإنسان الرباط – القنيطرة، في وقت كان من اللازم – في سياق غير مسبوق على كافة المستويات- تجسيد استقلالية ومصداقية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، و”إبداع” ما يمكن أن تكون عليه لجنة جهوية لحقوق الإنسان.
وهكذا – يحكى اليزمي- كان لزاما علينا تملك صلاحيات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (التحري حول الخروقات، القرب من الضحايا والمساهمة في تفعيل الدستور الجديد)، مع احترام كذلك لصلاحيات الحكومة المساندة خلال تلك الفترة بأغلبية يقودها حزب العدالة والتنمية الذي لم نكن نتقاسم معه تماما، بعضا من توجهاته.
نقيب رؤساء لجان حقوق الانسان
وبعدما أشار الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الانسان، إلى أن الراحل كان ضمن مجموعة الرئيسات والرؤساء الثلاث عشر التابعة للمجلس الذين كانوا يجتمعون ليلة كل جمعية عمومية، أو في إطار ” ندوة الرؤساء”، قال ” إن سي عبد القادر كان يضطلع وبشكل طبيعي دورا حيويا: حيث كنا آنذاك نصفه ب ” نقيب الرؤساء” لتجربته الطويلة في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ولقدراته التفاوضية المتميزة، ولما كان يتوفر عليه من حس عالي ودربة في مجال العلاقات العامة، وهي الخصال التي كانت تؤهله أن يلعب دور الوساطة الضرورية في مؤسسة كانت تبحث آنذاك عن مكانها الطبيعي .
مناضل متعدد الأبعاد
أما عبد الله ساعف مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، فاعتبر أن الراحل كان في المجمل مناضلا متعدد الأبعاد، فاعل سياسي ونقابي وتقدمي وحداثي حقيقي واشتراكي وديمقراطي ومدافع عن حقوق الانسان من أجل مغرب متضامن حاضر في جميع النضالات العادلة للشعوب العربية وأممي ووطني كبير.
ولاحظ ساعف الأستاذ الجامعي وزير التعليم في عهد حكومة التناوب، أن حضور عبد القادر أزريع كان كبيرا في المشهد السياسي والاجتماعي والمدني، حضورا وصفه بالمتعدد الأشكال، إذ لم يكن الأمر يتعلق بأي حضور بل بحضور قوي تحركه طاقة غريبة وإرادة من أجل الفعل ورغبة في تحقيق أشياء لها قيمتها.
وأضاف إن هناك ملامح عديدة تبرز بقوة شخصية الراحل، من الصعب حصرها في ملمح أو بعد واحد، إذ عاش بشكل أساسي حياة فاعل سياسي – نقابي أو سياسي – نقابي نشيط جدا إلى جانب الراحل نوبير الأموي، فكان رجل ميدان مهاب الجانب سواء بالنسبة للذين يناضلون من مواقع مختلفة، أو بالنسبة للمسؤولين الرسمين الذين كانوا يتواجهون معه.
شارك في المعارك الاجتماعية
وذكر ساعف بأنه كانت للراحل الذي شارك في جميع المعارك المرتبطة بالحقل الاجتماعي، قدرات كبرى في فن الخطابة وموهبة خاصة في الحكي، فكان – قيد حياته – راويا وحاكيا لا يمل ولا يتعب، ويملك قدرة عجيبة على إعادة وصف وشرح سياقات الأحداث وأجواءها، مبرزا أن هذه القدرات شبه الأدبية لراو محترف، لا تنقص من قدراته الأكيدة على التحليل والتركيب وعلى الفهم العميق للأوضاع السياسية والاجتماعية ولمواقف الفاعلين ولمختلف الرهانات.
مناضل نقابي صلب
أما علي لطفي الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، فأكد أنه من الصعب جدا تلخيص حياة الفقيد ومسيرته النضالية السياسية والنقابية والتربوية والإنسانية المشرفة في كلمات متواضعة. وأبرز أن الراحل كرس حياته في جهاد ونضال مستمر ومتواصل، وأمضى حياته في النضال الديمقراطي والنقابي والحقوقي فكرا وممارسة وأخلاقا و سلوكا رفيعا وفي الدفاع عن قضايا الطبقة العاملة وقضايا أمته وسيادة وطنه بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
و أضاف أن أزريع الذي كان مناضلا صلبا لم يكن يعرف الراحة والاستقرار، وأعطى الكثير للحركة النقابية بالمغرب، ظل وفيا لأفكاره ومثله ولم ينحن قط أمام العواصف مهما عظمت، وكان مؤمنا بجدلية العمل السياسي والنقابي ومدافعا عن أطروحته ومقاربته في التأطير السياسي للعمال، معربا عن اعتقاده بأن رحيل أزريع الذى كان مدرسة للفكر والمواقف الإنسانية والوطنية المشرفة، وقامة ثقافية سياسية وإنسانية، لم تخسره عائلته فقط ولا أصدقائه، بل كل الوطن.
التربية على قيم حقوق الإنسان
أما عبد اللطيف اليوسفي، وهو مفتش سابق وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين سابقا، فأشار إلى أن الراحل ظل حريصا على الانفتاح على الجميع، وعلى تمتين علاقاته مع رفاقه مستحضرا بالخصوص تجربته مع الفقيد في مجال ” التربية على قيم حقوق الإنسان “، عندما كان مديرا لأكاديمية القنيطرة، وكان حينها الراحل رئيسا للجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بجهة القنيطرة الرباط، حيث عملا سويا مع فرق مشتركة على بلورة برنامج تستفيد منه أندية التربية على حقوق الإنسان.
مؤسسة تعليمية باسمه
وأضاف اليوسفي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، أن هذا العمل كان لبنة لعمل مشترك سيتطور، مع لجنة النهوض بقيم حقوق الانسان في المجلس الوطني، أثمرت دليلا تربويا وعمليا مهما خاصا ب” التربية على قيم حقوق الإنسان: فهم مشترك للمبادئ والمنهجيات ” معربا عن أمله في اطلاق اسمه على مؤسسة تعليمية أو شارعا في آسفي أو جهة الرباط القنيطرة أو على الأقل قاعة من قاعات مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
منجز متميز بالداخل والخارج
ومن جانبه استعرض الفاعل الجمعوي كمال لحبيب اللحظات الكثيرة التي جمعته مع رفيقه الراحل عبد القادر أزريع. وقال ” كنت أتمنى لو كان الفقيد حاضر بيننا لينصت إلى الشهادات التي قيلت في حقه”، وليتعرف كذلك على المكانة التي كان يحظى بها على الدوام لدى أصدقائه ورفاقه، بمختلف الحقول السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية.
وشدد كمال لحبيب، خلال هذا التأبين الذي تخللته فقرات موسيقية، على أنه وإن كان يعرف حق المعرفة الفقيد، لكن الشهادات التي استمع اليها بإمعان، جعلته يتفاجئ ليس فقط بمستوى الحب والعرفان الذي كان يحظى به من مختلف الفرقاء، ولكن لما تضمنته الشهادات حول منجزه المتميز، ومن تعدد عطاءاته، في كل من العمل السياسي والنقابي والجمعوي والبرلماني. وأضاف، أنه وقف خلال مجاورته للفقيد، يقف عن قرب على ما كان يتحلى من خصال نبيلة، وما يتميز به من كرم وسخاء وصدق ووضوح، مع قدرته الخارقة على تدبير الصراع واحتوائه لفائدة المشترك، وذلك بالكثير من حس التفاوض واللباقة وحسن الحوار .
من أجل وطن كبير
وأشار لحبيب خلال هذا اللقاء الذي قدمت خلاله أيضا شهادات عن بعد لفعاليات من فلسطين وتونس وفرنسا وإيطاليا والهند وكندا والشيلي والبرازيل وبلجيكا، حول خصال ومناقب الفقيد ودوره على الصعيد العربي والدولي، إلى أن صوته كان مسموعا، ليس فقط داخل المغرب، بل كذلك في الخارج خاصة اسهاماته في التظاهرات الدولية منها ذات الطبيعة الاجتماعية في مقدمتها المنتدى الاجتماعي العالمي الذي يوجد مقره في بورتو اليغري بالبرازيل، هو اجتماع سنوي لأعضاء الحركة العالمية لمناهضي العولمة، بهدف تنسيق حملاتهم العالمية، وتبادل وتطوير المعلومات حول الاستراتيجيات التي يعملون وفقها.
كما عبرت عائلة الفقيد أزريع في كلمة لها عن جزيل الشكر والامتنان، لكل من ساهم في هذا التأبين بالتهيئ المفصل له، والذي يعد التفاتة نبيلة الى رجل استثنائي ساهم سياسيا ونقابيا وحقوقيا وجمعويا، بقدر لا يستهان به من البذل والعطاء من أجل وطن كبير.