لبنان بين طلبات الخارج ورهانات الحسابات الداخلية
حسين عطايا
لا شك أن العالم اليوم يشهد مُتغيرات كُبرى، نتيجة الحراك العالمي والاقليمي الذي يتطور، وما الاتفاقية السعودية الإيرانية إن هي إلا جزء من هذا الحراك، والمطلوب من خلالها تصفير المشاكل فيما بين الدولتين والمنطقة، ليتم فتح مسارات جديدة من التنمية ونهضة المنطقة وشعوبها، بينما في لبنان زعماؤه أو أقطاب المنظومة السياسية الحاكمة، يعيشون في عصورهم الجاهلية، حيث لا يبحثون أو يتفاهمون إلا على ما يُحقق مصالحهم في استمرار عمليات النهب المنظم لمقدرات الدولة اللبنانية وتحاصصها وتقاسم مغانمها.
لذلك، فالاستحقاق الرئاسي مرهون بأوامر خارجية، لأن القيادات اللبنانية وبعد مئة عام على قيام لبنان الكبير، لازالوا قاصرين عن قيادة سفينة بلادهم إلى بر الأمان، وغير قادرين على توحيد جهودهم في سبيل بناء دولة عصرية، تُراعي حقوق مواطنيها وآمالهم وطموحاتهم، لأن في ذلك ضرب لاستمرارهم في استعباد الشعب وطوائفه لخدمة مصالحهم.
مرَّت ما يُقارب الخمسة أشهر على فراغ سُدّة الرئاسة من رئيس جمهورية، ولا زال القادة اللبنانيون المزعومون قاصرين عن إنتاج تسوية يستطيعون من خلالها الوصول إلى انتخاب رئيس، لا بل هم منقسمون على أنفسهم كمعارقة وموالاة، وحدثت انشقاقات أصبح فيها التيار العوني ورئيسه جبران باسيل خارج تفاهم مار مخايل ، في العام 2006، والذي أوصل ميشال عون إلى كرسي الرئاسة. هذا على صعيد الموالاة، أو ما يُعرف بـ”جماعة الثامن من آذار – مارس”.
أما على الطرف الآخر، والذي كان سابقاً يعرف بـ”جماعة الرابع عشر من آذار”، والذي أصبح اليوم خليطا من مستقلين، سياديين وتغيريين، تبرز فيه انقساماتهم التي لا تُعد ولا تُحصى، فلم يستطيعوا لغاية اليوم التفاهم على توحيد جهودهم وترشيح مرشح من قِبلهم يحتشدون خلفه.
وبعد أن وصل الأمر لكي يصبح لكل فئة مرشحها، حيث أقدم الثنائي “أمل – حزب الله” على ترشيح سليمان فرنجية، وبلهجة التحدي، بلغت ذروتها أخيراً، وبلحظة دولية وإقليمية أنتجت تفاهما سعوديا – إيرانيا، وأخذت التطورات تتجه نحو متغيرات فعلية وتفاهمات قد تنعكس على لبنان، مثلما بدأت بوادرها تنعكس في اليمن، وفي مساعي التقارب مع سوريا، قد تُبشر بخير قادم على لبنان.
في الخارج تُعقدُ مؤتمرات ولقاءات واجتماعات ثنائية وخماسية، تتحدث عن مواصفات الرئيس اللبناني العتيد، وتتحدث عن إصلاحات مطلوبة وضرورة مساعدة اللبنانيين لأنفسهم أولا حتى تساعدهم الدول الأخرى، بينما القادة اللبنانيين في الداخل يبحثون عن مصالح قد يُحافظ عليها مرشحهم العتيد، غير آبهين بما يحدث من انهيارات على مستوى العملة الوطنية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها كل فئات الشعب اللبناني، حتى بلغ بهم ترف الوقت ليبحثوا في أصناف الملائكة، دون الالتفات إلى الوضع المزري الذي أوصلوا إليه الوطن والشعب.
طُرحت بعض المبادرات حتى داخل الصف الواحد ولم يتم التوافق عليها، ولازال لبنان وشعبه يعيش دوامة الانهيار، دون أي مسعى داخلي جاد لإدارة الأزمة والتخفيف من حدة الاصطدام. بل إن الأكثرية المطلقة منهم تنتظر إشارات أو أوامر خارجية للاصطفاف والذهاب لانتخاب الاسم المطلوب خارجياً، دون تكليف أنفسهم عناء الاهتمام بمواطنيهم والبحث عن حل داخلي، مع العلم أن أكثرهم يتحدث عن لبننة الاستحقاق وعدم انتظار الخارج، بينما الفعل على أرض الواقع يناقض هذا الأمر، ويدل من جديد على أنهم مجرد أدوات في غالبتتهم تابعة للخارج، وهم قاصرون عن الفعل.
إذن، الخارج يطرح خارطة طريق، بأنه مطلوب رئيس من خارج سياق منظومة الفساد، يستطيع القيام بإصلاحات حقيقية ليعيد للبنان بعضا من نهوض ودور، بينما الداخل مشغول بالحصص التي يستطيع الوصول إليها، عبر هذا المرشح أو ذاك، دون النطر إلى السياسة والبرنامج أو الأهداف، وبذلك يبقى لبنان منكوباً منهوباً، يتقاسمه غلاة الفاسدين ومن يحميهم باسم الدين وحقوق الطوائف أحياناً، وباسم المقاومة حيناً آخرَ.
Visited 7 times, 1 visit(s) today