عناد رجل مسرحي
نـجـيب طلال
تصريح بعد الحَـرق:
كنا سنلتزم الصمت، ونكتفي بالمراقبة وتوثيق ما يستحق توثيقه؛ أمام وفاة الفنان المسرحي وصديق العشرة “أحمد جواد” متأثرا بحروقه، الداخلية والخارجية. إنها وفاة تراجيدية / نيرونية! رغم أن البعْـض صنفها في إطار (الانتحار)؟ لكن المؤسف جدا، أن مظاهر النفاق والرياء تتكرر! وسفالة تدوينات تزداد! أمام سقوط / وفاة: مثقـف (ما) فنان (ما) والأخطر من ذلك، أن هنالك نماذج تتصيد مثل هاته المآسي، لتكتب عنها وتنعيها ليس بترنيمات جنائزية، بل بمقالات وبتدوينات وأسطر تخفي ما تخفيه؟ عبر قناع التعاطف الشعْـبي والمؤازرة الإنسانية! تلك النماذج وماظهر منها أمام وفاة (أحمد جواد) قيد حياته. كأنهم نائحات / ندابات في المآثم قبل دفن المرحوم (أو) المرحومة، لمثواها الأخير. عِـلما أن تلك (النواحات) لا يعْـرفون عن المرحوم سـوى [اسمه ] و[اسم أمِّـه] وما تبقى من حياته وعلائقه لا يعرفونها جيدا، هكذا مثل من ضغط على زر الحاسوب، ورقن ما أرد كتابته، ولاسيما أن بعض (الكتبة) لا يعرفونه كمسرحي! ولا يعرفون تاريخه! هنا أشيد بما كتبه الفنان الصادق مع نفسه “نبيل لحلو” وما كتبه الزجال “محمد المسناوي ” و”ياسين عدنان”، ودون أن أغفـل كلام وشرح الشيخ “عبدالله النهاري” وبالتالي بعدما هدأت [نسبيا] عاصفة القيل والقال، نعيد نشر هاته القراءة لكتابه، الذي يكشف فيه معاناته، ورفاق من أزروه سندا. وهنا أشير بالواضح؛ فالذين كتبوا عنه بـعد الإحراق! لم يقتنوا هذا الكتاب، ولا يتوفرون عليه إطلاقا، لأنني أعْـرف عدد المبيعات، والوحيد الذي قدمت قراءة له وهي منشورة بجريدة “المنعطف الثقافي” بتاريخ 07/10/2014 وفي صحيفة “إنــانا “(التونسية) بتاريخ 03/12/2014 والتي انقضى نحبها منذ عقد من الزمن تقريبا.
وهذه الإشارة أو التصريح بعْـد الإحراق (؟) ليست من باب تضخيم (الأنا) أوالإدعاء؛ بقدر ما هي توضيح؛ في توضيح. لمن لا يقـرأ ويَـكتـبْ! أو لمن لا يـعْـرف معْـطيات تاريخية ويُـصرحْ! أولمن له ذاكرة ضعيفة ويُـعاند! أو لمن هـو مصاب بالزهايمر المؤجل، ويبدأ بالتخاريف! أولمن يسعَـون لتوثيق المسرح (في) المغـرب، بواسطة السماع؟ وبالتالي سنحاول نشر ما نشرناه عنه قيد حياته…
علامة استـفهام:
لـم يكن متوقعا أن ما كتب منذ عقدين (1994) عن الفنان المسرحي [أحمد جواد] من مقالات بعضها داعم ومساند لما تعَـرض إليه من اعتقال ومحاكمة: للدخول في معركة حقوقية وازنة ليس فقط للتعبير عن التضامن المبدئي الملموس واللامشروط مع الفنان المسرحي “أحمد جواد” ولكن أيضا لفضح الطبيعة السياسية لاعتقاله ومحاولة كم فمه وثنيه عن التعْـبير عن رأيه بشكل حضاري راق وسلمي عن رفضه الجريء للقرار المتهور للمجلس البلدي القا ضي بهدم بناية المسرح البلدي بالجديدة (1) وبعضها كاشف ومفسر للتاريخ بأنه: جاء زمن تطفلت فيه جهات لا تعْـرف للتاريخ قيمة، ولا تقيم للثقافة أي اعتبار، ولا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، وهي مصالح ضيقة محكومة بهواجس الانتفاع الذاتي ولو كلف ذلك العَـصف بالمصلحة العليا للوطن، هذه الجهات عملت على إقبار كل ما هو جميل في هذه المدينة اليتيمة، أجهزت على الجمعيات الثقافية الجادة والأندية السينمائية الهادفة، أقبرت القاعات السينمائية الأربع التي كانت المدينة تفتخر بها، قضت على الفرق المسرحية الهادفة، في مقابل ذلك روجت وسوقت نوعا خاصا من «الفن» ومن «الثقافة» (2) أن تكون بين دفتي كتاب؛ أو يمكن اعتباره [وثيقة] موثقة بشهود لهم موقعهم في الساحة الإعلامية والثقافية والفكرية؛ عما أقدم عليه من فعل اعتبره المسرحي ع الكريم برشيد في تقـديمه: مثل معلمه سيزيف، وأن يحمل على ظهره صخرة الحق والحقيقة، وأن يصعد بها إلى الأعلى دائما، وأن يظل مؤمنا بأن فشل تجربة لا يعْـني نهاية المسرحية، وأن نهاية فصل في التاريخ لا يعني نهاية التاريخ (3) ولكنه بصمة في تاريخ بلاد كيف يفكر مسوؤلوها في المسرح(؟) كوجه من أوجه الحضارة والعمران(!) وكيف يمارسون عشقهم الإنساني تجاه الإبداع الروحي والعمراني(؟) من خلال انعدام المسؤولية وعدم اكتراث المهتمين بالشأن الثقافي والفني والعمراني للبلاد؛ وبالتالي هاته البصمة هل جاءت نتيجة نزوة لحب الظهور أم إثبات للذات في التاريخ؟ فمن خلال من يعرف ـ أحمد جوادـ لا يمكن أن يضع عليه علامة استفـهام، لأنه من القلائل الذين لم يتلونوا في زمن الألوان والتلون الرهيب؛ بل من الذين لا يطمعون إلا بهواء مسرحي نبيل وأصيل؛ وعلائق إنسانية؛ حميمية صـادقة؛ فلو كان عكس ذلك ووصوليا لما ظل لحد الآن في أسفل الدرك من السلم (الإداري) أين في وزارة الشؤون الثقافية؟) فلو كان انتهازيا؛ لاستـغل موقعه يوم كان مشرفا ومنشطا لنادي الأسرة(؟) فضاء تابع لمسرح محمد الخامس؛ والذي (كان) تقريبا المنافس الوحيد للمراكز الثقافية الأجـنبية؛ ومجال للتلاقي لكل العرب من مثقفين وإعلاميين وغيرهم من عشاق الكلمة وحرقة الحرف ولن نزيد قولا مما خط بالقول: أجمل ما فيه، وأنبل ما فيه، إنسانيته وبساطته وجُـرأته وشجاعته، وهو فنان يعي لحظته الوجودية الصادقة بعفوية وتلقائية، له رؤيته التي لا يستعيرها من أية جهة، ولقد ظل دائما معا لجميع … وهو يعرف أن المثقف أساسا موقف أولا يمكن أن ليكون يكون، وأن الموقف النبيل ليس سهلا أبدا، خصوصا في الأزمنة الصعبة والغامضة والملتبسة، وأعتقد أن مثل هذا الموقف المبدئي لا يمكن أن يأتيه أي أحد، وهو يتطلب الشجاعة والجُـرأة (4) أكيد أنه مبدئي؛ باعتبار أن صدور الكتاب يأتي في أعقاب عدة معطيات تخالف وتتعارض مع ما يؤمن به من حقوق الإنسان؛ وما شب عليه في مسرح الهواة بالجديدة؛ أبرزها أن مسرح عفيفي بالجديدة؛ لا يقبل المساومة أو التسويف في الإصلاح؛ نظرا أن تجربة الإصلاح في مجال العمران وغيره (عندنا ) يعني الإفساد والهدم للبناية؛ لآن المؤشرات تبين أنها تعيش تحت وطأة التهميش واللامبالاة من قبل مسؤولي المدينة الذين تعاقبوا على تدبير الشأن المحلي بعاصمة دكالة. وبالتالي فهناك من تصدى لمحاولة هدمه والإثبات [الكتاب] كشاهد بشهود لأنه: إذا كان هذا المسرح مازال قائما في مدينة الجديدة؛ فبفضل هذا الرجل بكل تـأكيد، وبفضل كل الذين آمنوا بجنونه، و آمنوا بشرف ونبل المعركة التي خاضها، والتي غيرت تاريخ المدينة، وغيرت شيئا مهما في تاريخ المسرح المغربي الحديث. هذا المسرح يحمل اليوم اسـم واحد من رواد المسرح المغربي، ومن غير الرائد المسرحي سعيد عفيفي يمكن أن يطلق اسمه على هذه المعلمة الثقافية والعمرانيةّ؟ (5) وهذا الإثبات شهادة وإشارة قوية ذات اتجاهين؛ تذكير عملي؛ بأنه كانت هنالك معركة بين مسرحي أعْـزل وسلطات المدينة؛ حول مـنع محاولة هدم المسرح باعتباره مرفق عمومي؛ وبالتالي لا داعي لمن يحاول التفكير ثانية في تفويت بناية المسرح التي تأسست 1920 والتي تعتبر بحق رمزا حيا لحضور بصمات الإبداع والفكر في هاته المدينة؛ ولا يحق لآي كان العبث فيها كما وقع مع العديد من المعالم التاريخية من دور للسينما والمسرح في كل أرجاء البلاد؛ وثانيا لمن لا يعرفه (احمد جواد) من الجهاز الإداري الذي مارس عليه الاكراهات والحيف؛ لكن بصموده وخرجاته المثيرة؛ أبرزها محاولة إحراق نفسه كتهديد صريح؛ مدونة في رسالة لوزير الثقافة إذا لم يتم إنصافه وتسوية وضعيته الإدارية؛ وقياسا على ذلك؛ ومن خلال عدة مواجهات حاول دائما (ذاك) الجهاز أن يساومه؛ من أجل إسكاته وإيقاف خرجاته المحرجة لمعالي (الوزير/ وزراء الشؤون الثقافية) والتصريحات والبيانات التي نشرها تؤكد ذلك؛ وبالتالي فتموقفاته واضحة ومكشوفة؛ يعلن عنها الكتاب الذي يحمل عنوانا مثيرا (رجل المسرح الذي يحاكم) بحكم أنه في تاريخ القضاء المغربي؛ لا وجود لملف يحاكم فيه مسرحي صك اتهامه (المسرح) فالمسرح فعل إبداعي؛ وليس فعلا إجراميا؛ ومن ثمة لا يندرج في مسطرة الجنحة ولا الجناية؛ ولكن بأي مسطرة حكم[ أحمد جواد] (؟) والذي يزيد للعنوان إثارة وفضولا لتصفح صفحاته لمعرفة جواب السؤال بأي مسطرة حكم ؛ فرعية العنوان (ملف صحافي عن ملف قضائي) لمـاذا ؟
عـناد رجل:
مبدئيا العناد أو المشاكسة ظاهرة سلوكية؛ تتنوع حسب المراحل واللحظات والمواقف؛ وبتنوعها تتخذ نمطا من الأنماط؛ إما سلبي كالعدوانية (مثلا) أوايجابي كالتصميم؛ وهذا الأخير دائما يكون مقرونا بالإرادة، وبالتالي فالعناد يأتي نتيجة رد فعل مخالف للسلوك أو الموقف؛ يسعى المعاند أن يدافع عن أحقيته في الوجود أو التموقف… من هنا يمكن أن نموضع عناد/ مشاكسة الفنان أحمد جواد؛ ضد كل ما من شأنه يعكر صفو حياته الخاصة؛ أويهدد شيئا( ما) يعتبر في نظره جزء من كيانه؛ وهذا لاحظناه في عدة محطات؛ أبرزها في يناير2011 بعدما أقدم معالي وزير الثقافة تحويل (نادي الأسرة) الذي يعتبر بيته الثاني إلى مقهى (؟؟؟) فلم يتوان للدفاع عنه برسالة لذاك الوزير الذي قرر إقفال الفضاء الثقافي/ التواصلي؛ واقتراح فكرة تأسيس (البهو الثقافي) لكن الإشكالية؛ بأن كل من تقلد منصبا يتنكر للمبادئ والأفكار التي نادى بها أو عبر عنها بخط يده؛ وبالتالي فمصير أية مراسلة الإلغاء وعدم الاهتمام بها؛ وفي سياقها أقبرت رسالته؛ فلم يجد بدا إلا الاعتصام والانخراط في إضراب عن الطعام أمام (نادي الأسرة) لكن المصادفة ماأقـدم عليه متزامن والربيع العربي ونزول حركة 20 فبراير للشارع العام؛ مما تحول تجاهل رغبة وعشق صاحبنا إلى تفاوض مع مدير المسرح الوطني تم بموجبه إحياء (نادي الأسرة) في صيغة (البهو) بدل المقهى.
إذن؛ فعناد التصميم بالإرادة؛ يفرض تلقائيا وبشكل عفوي في أغلب الأحيان، تكرار المحاولة التي أقدم عليها شخص (مـا) حسب الوضعية والظروف التي وقع فيها أو أحيطت به؛ ووضعية صاحب الكتاب. ترتبط أساسا بما هو ثقافي/ إبداعي؛ من هنا تتمظهر سيزيفية؛ بحكم أنه ينوب عن جيش من المثقفين والفنانين: لـماذا؟ سلوك نابع من طبيعة تكوينه؛ فمحاكمته ذات الأطوار الغريبة والموقعة على بياض الكتاب؛ تنم عن الاستهتار بحرية الفـرد؛ وإن كان رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة [عبد السلام العسال] يعتبر اعتقاله بالفضيحة؛ فهي ليست فضيحة؛ بل هي الوجه الحقيقي الذي يخفيه قناع ما يقال عن التزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية؛ كما هو متعارف عليها عالميا، وكما هو منصوص عليه في الدستور، وظهائر 1958 و1973و1989وبالتالي فالفعل الذي أقدم عليه فعل فردي.
ورغم ذلك: ما معنى أن يتعرض للاعتقال فورا بمجرد أن مار س طقوسيته المونودرامية الاحتجاجية..؟ بل إن السلطات إلـْتـبست ْعليها الأمور، فلجأت بشكل مسرحي إلى إقحام عنصر درامي مؤثر وخطير تمثل في صفة “المجنون” الذي اعتقدت أن الممثل جواد يقوم بتشخيصه تسهيلا لنقله إلى إحدى مستشفيات المجانين. لكن هذا الأخير كان متمكنا من أدواته المسرحية، وكان يعرف أنه لا يلعب فوق الركح؛ و إنما فوق ألغام تتوجب وسائل خاصة لنزع فتيلها قبل أن تنفجر، ولذلك تمكن من الحصول على شهادة طبية تثبت اكتمال قواه العقلية واستحالة تشخيص دور المجنون حتى لايستلذ رجال السلطة بمحنته التراجيدية المحتملة التي… (6) ففي سياق هذا؛ نشدد على نقطتين – الاحتجاج – الجنون:
1) الاحتجاج: كما هو متعارف عليه؛ حراك جماعي للتعبير عن موقف أو رأي جماعة ويكون عادةً بين الغضب والسخرية. من خلال بعض الشعارات ورفع اليافطات واللافتات؛ تشير على سوء الخدمات وتفاقم المشاكل الاجتماعية / الخدماتية/ المؤسساتية؛ مما يتطور إلى مظاهرات إثر محاولة إيقاف أو قمع الاحتجاج من طرف المسخرين لذلك؛ ولكن وضعية الفنان (احمد جواد) خارج سياق كل هذا؛ لأنه كيف يتسنى للفرد أن يتجاوز حدوده ليستطيع تمثل الكلي ؟ ممكن في نظر السلطة:ألم تكن السلطة التي سارعت إلى اعتقال المواطن إياه على علم تام بأن دلالة فعله كامنة في تعرية التمثيل الذي يطبع الحياة العامة في المغـرب؟
أقول ربما. والذي أعنيه أن الذي يفهم أكثر في علاقة الاحتجاج على المسرح بتهمة الإخلال بالنظام هو السلطة فمزيدا من التسليم والله المعين (7) ففي هذا الإطار فالسلطة اختصارا هي القوة المتحكمة والمؤطرة في النسيج المجتـمعي؛ لكن عندنا غير واضحة المعالم والحدود؛ وفي تصنيفها يتمظهر الالتباس وعدم فهم ما السلطة؟ وهذا يتضح من خلال ما وقع لاعتقال” أحمد جواد”، وعَـرضه على المحكمة بمدينة [الجديدة] لا لشيء إلا لأنه رأى أن يعبر على ما آل إليه المسرح البلدي بالجديدة خصوصا، والمسرح بالمغرب عامة! بتنظيم إضراب عن الطعام، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، معتقدا أن هذا الأسلوب السلمي والهادئ لن يثير غضب أحد، ولن يعرضه لأي أذى، وبالتالي فالجمعية الحقوقية بالجديدة تشير: اعتبرنا اعتقاله تعسفيا يندرج في إطار الهجوم على الحق في حرية الر أي والتعبير و ضمنها الحق في الاحتجاج السلمي المشروع، اكتشفنا، من خلال تحرياتنا، أن النيابة العامة، ممثلة في شخص كل من الوكيل العام أو وكيل الملك، ليست هي من أعطى الأمر بالاعتقال، توصلنا إلى أن أمر ا اعتقال صادر عن السلطات الأمنية، وقد تأكدنا من ذلك، من خلال عدة معطيات ملموسة من بينها رفض السيد الوكيل العام متابعة أحمد لعدم ا اختصاص، والإحراج الكبير الذي وقع فيه السيد وكيل الملك؛ أصبح الجميع في ورطة (8) بحكم تداخل السلط وتعتيم من له أحقية ممارسة تلك (السلطة) حسب المقتضيات والظروف والملابسات؛ لكن رغم ذلك؛ فلكل ورطة مخرجا؛ والسلطة لها ألف مخرج أحلاها:
2) الجـنون: تلك حالة تلصقها الجهة التي تورطت في موضوع ملتبس؛ ويصبح الرأي العام على الخط؛ وذلك من خلال الهيئات والصحف وتداول الخبر/ الحدث شفاهيا؛ كحالة صاحب الكتاب؛ رغم أنه لم يكن معروفا في الوسط الثقافي والسياسي والإعلامي؛ لكن الصحافة فتحت صفحاتها بكل أريحية تكتب عن الموضوع، الفنانات والفنانون يتضامنون، الحقوقيات والحقوقيون يفضحون حيثيات الملف والفضيحة تكبر، إذ ذاك التضامن والتآزر جاء من باب أنه : كان إضرابا مثيرا، لأنه وضع علينا سؤالا محرجا بخصوص وضعية المبدع في بلادنا، إذا كان إنتاج الفن هو بالنسبة للفنان قضية وجود فبماذا نحكم عليه عندما نمنعه من وسائل إنتاج فنه؟ (9) إضافة كرد فعل لما وقع للمسرح البلدي بالدار البيضاء؛ فلا يمكن أن يتكرر الأمر بالمسرح البلدي بالجديدة.وبالتالي فالكتاب حقيقة يؤرخ ليصنع الحـياة باعـتبارها غاية الحقـيقة ومبتغاها ولو بشكل غير مباشر للهجوم والنسف الممنهج على الفن الجاد والثقافة الهادفة؛ مقابل هذا وثق بانوجاد أسماء وازنة بكل صدق افتقدنا رؤيتها وخطابها وسيولة أفكارها وقلمها كمحمد نجيب كومينة/ ع القادر الشاوي/ أبوفارس/……/
صـفوة العناد:
يمكن أن نؤول العناد هاهنا بالإلحاح؛ باعتبار أن صمود المضرب؛ انتصر ولم يهدم المسرح لحد الآن؛ ولم تنمح ذاكرة المدينة؛ بحكم أن المعركة تشعبت واتسعت بين معاول الهدم وفؤوس الفساد والصحافة والفنانين والحقوقيين؛ من هنا يمكن أن إذ أجمل فكرة يحملها الكتاب؛ وتحتاج لتحليل أعمق؛ ولاسيما أن موقعها معروف في المشهد العام؛ وإن كان مضمرا أو متخفيا في ركن[ ولنا تعليق] :فمازال سجل “غـنيس” خاليا من ذكر بلد يلاحق إنسانا لأنه أضرب عن الطعام. ولكن طبيعة العام القادم قد تشتمل على أننا أول بلد يقترف فيه هذا الأمر النادر. إن أخبار الإضراب عن الطعام كثيرة كثرة الأسباب الداعية للاحتجاج مما تحفل به حياة البشرفي كل صقع وفي كل يوم… ولم يعتبر أحدا أن في المسألة تهديداً للأمن العام (10) ولكن قبل موسوعة غينس؛ فالكتاب يستحق أن يكون في مكتبة جل المهتمين والاطلاع على مرحلة أساسية من تاريخ المصادفات والوقائع المقصودة للإجهاز على الذاكرة الثقافية والفنية؛ التي ليست معزولة عـن الهدم؛ هـدم روح ما تعـبق به تلك الذاكرة؛ وليست معزولة عن رجال يرفضون هدم ذاكرتهم؛ وليست معزولة عـن محكمة الاستئناف، وفي سابقة من نوعها، أغلق ملف (الرجل الذي يحاكم) بدون محاكمة؛ ليتبين أن العنوان الفرعي له دلالته العميقة؛ بأن الملف الصحفي هزم الملف القضائي…
الاستـئناس:
1) كتاب احمد جواد: رجل المسرح الذي يحاكم (ملف صحفي عن ملف قضائي) ط الأولى 1435 / 2014 مطبعة البيضاوي – ص 6
2) نفسه – ص 7
3) تقديم للكتاب لعبد الكريم بر شيد – ص 4
4) نفسه – ص 5
5) نفسه – ص 5
6)نفسه – ص24 بقلــم روض في / جريدة أنوال المغربية
7) نفسه – ص 17 بقلم ع القادر الشاوي / جريدة النشرة
8) نـفسه – ص8
9)نـفسه – ص 19 أبوفارس : جريدة الاتحاد الاشتراكي
10)نـفسـه – ص21 ولنا تعليق : جريدة العلم المغـربية.