لعبة فرنسا الخطرة في لبنان
ريم ياسين
منذ حوالي سبعة أشهر، يغرق لبنان في فوضى سياسية، بدون رئيس جمهورية. في ظل المفاوضات الجارية لإيجاد حل، من الممكن أن تدعم باريس مرشح حزب الله، سليمان فرنجية، اسم يعرفه القليلون في فرنسا. وبالرغم من ذلك، من الممكن أن يصبح رئيسَ جمهورية لبنان. رئيس “تيار المردة” وصديق الطفولة لبشار الأسد، هو المرشح لرئاسة الجمهورية من قبل حليفه حزب الله، الحزب الشيعي القريب من إيران. وفق النظام اللبناني، حيث رئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونيا، لكن سليمان فرنجية لا يحظى بشعبية في الشارع المسيحي. “هو خائن”.. يقول أحد سكان عين الرمانة في بيروت. ليس لديه سوى نائب واحد في البرلمان، وهو أسوأ مرشح بالنسبة للمسيحيين في لبنان. تمثل الأحزاب المسيحية الأخرى ثلث النواب في المجلس النيابي، وهي تستطيع أن تحول دون انتخاب سليمان فرنجية. ومنذ سبعة أشهر لم تتكون أي أغلبية لانتخاب أي رئيس.
بينما يستمر الفراغ الرئاسي، ترتفع نسبة الغضب. وقد بدأ نائبان الاعتصام في مجلس النواب تعبيرا عن اعتراضهم. وهما يقضيان الوقت في البرلمان، بل وينامان فيه منذ أكثر من 100 مائة يوم. يقول ملحم خلف ساخطا: “الدستور يجبرني على ذلك. القانون يفرض علينا أن نجد رئيسا عندما يكون هناك شغور في السلطة. عدم القيام بذلك هو انتهاك للولاية التي أعطيت للنواب. هؤلاء يشبهون صورة مجلسهم”. عندما يشير ملحم خلف بأصبعه إلى الديكور الذي يحيط به، نفهم أن ذلك ليس إطراءً، فالمجلس النيابي فارغ، يغطي الغبار بعض أثاثه من رخام أصابه التصدع. حتى أن في هذه المؤسسة الكبيرة، ليست هناك كهرباء. ويضيف النائب خلف: “إننا نحاول أن نقول للقوى العظمى أنه يجب إنقاذ المؤسسات. يجب عدم القبول بحالة الشذوذ اللبناني. هذه الحالة تستند على وجود مفتاح الانتخابات الرئاسية في أيدٍ خارجية غير لبنانية. ففي البرلمان، إرادة حزب الله التابع لإيران بفرض مرشح له تصطدم باعتبارات قوة أخرى مؤثرة مثل المملكة العربية السعودية”. هذه المملكة الغنية بالبترول، التي تلعب دورا مهما على الساحة اللبنانية، ترى بعين السوء إلى ترشيح سليمان فرنجية.
في سياق هذه المواجهة، تتخيل فرنسا دورا لنفسها كوسيط بين الكتلتين المتصارعتين. في 31 مارس الماضي، استقبل باتريك بوريل، مستشار الرئيس الفرنسي، سليمان فرنجية في باريس في زيارة ذات طابع رسمي، وفق ما قاله المرشح في مقابلة على قناة “تليفزيون الجديد”، فإن الموضوع كان هو الإجابة على بعض الأسئله التي تدخل في نطاق الاجتماعات مع السعودية. الفرنسيون يقترحون مساومة وأنا أجد أنها واقعية وبراجماتية.
في التعليق على على هذه المبادرة نجد الدبلوماسيين الفرنسيين حذرين جدا. فمن الصعب عليهم أن يدعموا علنيا مرشحا قريبا من حزب الله، الموجود بجناحه المسلح على قائمة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي. حسب مصدر دبلوماسي في بيروت، فـ”إن فرنسا تريد الحديث مع جميع الأطراف لتجنب الفراغ السياسي بأي ثمن. وجميع الأسماء وضعت على الطاولة، وقد وجدنا أن فرنجية هو المرشح الوحيد الذي بإمكانه الحصول على التوافق بسرعة”.
انتهى الوقت الذي كان الرئيس الفرنسي يطالب فيه المسؤولين اللبنانيين بترك السلطة. فقد عادت السياسة الواقعية. يجب علينا إحياء النظام وتجنب انهياره. من الممكن أن يحث اقتراح اسم مثل سليمان فرنجية الأحزاب المسيحية على الاستيقاظ واقتراح اسم بديل، وفق ما يقول مصدر فرنسي آخر، الذي يعترف بأن فرنسا تريد التخلي عن مسؤولياتها التي أخذتها على عاتقها بعد انفجار مرفأ بيروت. ويضيف هذا المصدر أن فرنسا لا تريد بعد الآن أن تتخذ موقف المتحدث الرسمي عن لبنان على الصعيد الدولي، خاصة أن الانهيار الشامل سينعكس سلبا على صورة فرنسا في العالم.
رجال السلطة سرقوا كل شيء
أما وسائل الإعلام اللبنانية فلها نظرياتها في تفسير هذا الدعم، منها أن دعم مرشح حزب الله سيسهل المصالح الاقتصادية الفرنسية. فحزب الله يسيطر على مرفأ بيروت الذي اشترته شركة فرنسية سنة 2022.
من المؤكد أن المصالح الخارجية هي على صورة البرلمان اللبناني، إذ لا توجد كتلة واحدة يمكنها أن تفرض مرشحا بمفردها. ولكن يبدو أن فرنجية ومؤيديه واثقون من أنفسهم. فمن زغرتا في شمال لبنان، المركز الرئيسس للمرشح، يؤكد أحد المقربين أن الفيتو السعودي سقط. وأنهم الآن ينتظرون ضمانات حول توزيع الحقائب الوزارية ورئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان. إنها لعبة توازن. والتفاوض هو على سلة واحدة.
الموقف الفرنسي اتجاه سليمان فرنجية يزعزع المعارضين له. في المبنى الفخم الذي يسكنه، يقول النائب جهاد بقردوني، وهو قريب من الحزب المسيحي “القوات اللبنانية”، إن هذا حساب خاطئ. فلن تقبل أي مجموعة مسيحية بهيمنة حزب الله على رئاسة الجمهورية.
يقول الدبلوماسيون الفرنسيون إنه في ظل لعبة التفاوض هذه، تجد فرنسا نفسها في فخ تورطت به. فهي إما قد لا تفعل شيئا وتترك المفاوضات تأخذ مجراها بين القوى الإقليمية الأخرى، وإما تتفاوض مع الأمل أن تأتي الإصلاحات.
لا يعتقد جهاد بقردوني بهذا الأمل. ويضيف قائلا إن رجال السلطة في لبنان سرقوا كل شيء. وإذا طبقوا ولو إصلاحا واحدا من الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، فسيسقط ذلك على رؤوسهم. والضمانات المطلوبة من صندوق النقد الدولي مثل رفع السرية المصرفية، وضبط تهريب رؤوس الأموال، تشكل شروطا لمنح لبنان مساعدات دولية. ولكنها لا تتوافق مع ممارسات وأهداف الطبقة السياسية اللبنانية المعتادة على اختلاس الأموال، حتى أن الدولة اللبنانية أصبحت آلة مبهمة لخدمة مصالحها الخاصة.
إعادة تأهيل بلطف
يبقى أن دعم فرنسا لترشيح سليمان فرنجية القريب من بشار الأسد، يرسم ظلال ارتباط خطير، فمنذ الزلزال الذي وقع في سوريا في فبراير الماضي، يحرك النظام السوري أوراقه بذكاء. بين إعادته إلى حضن الجامعة العربية، التي أعلن عنها الأحد الماضي، والتقارب السعودي الإيراني، فإن إعادة تأهيل نظام جزار دمشق تتم بهدوء، بالرغم من أنه ما زال يخضع للعقوبات الأوروبية بسبب جرائم الحرب.
فرنسا من جهتها تعي هذه المخاطرة. يقول مصدر قريب من هذا الملف، إنه لا توجد مشكلة إذا استفاد آخرون من ترشح فرنجية، ما دام هذا يفيد أيضا اللبنانيين. والخيارات السياسية التالية ستكون خيارات اللبنانيين أنفسهم وليس خيارات فرنسا.
الغائب الثابت عن هذه المفاوضات هم المواطنون اللبنانيون أنفسهم. فهم لا يتحكمون بالتصويت، وليس لديهم أي وزن في المفاوضات. إنهم المنسيون في هذه المعادلة، بالرغم من أنها تعنيهم بالدرجة الأولى.
(عن صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية)