صدمة تعنيف طفلين في حضانة .. وجرح اللبنانيين
د. سيلفا بلوط
تمتلئ في كل مرة صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بخبر يتناول تعنيف طفلة أو طفل، فيطلق لدى الولدين الهواجس المتعلقة بكيفية حماية أطفالهما من أي تعنيف قد يتعرضون له. بمعنى آخر، تجتاح حالة شبه دائمة من القلق حياة الوالدين نتيجة ما يجري من انتهاكات بحق الأطفال، من اغتصاب وضرب وابتزاز……
ولم يكن خبر تعنيف الطفلين في الحضانة إلا بمثابة “رصيداً” يُضاف إلى إنهاك طفولة لبنان واغتيالها!
من الطبيعي وأيضاً البديهي أن تفرض هذه الأحداث المأساوية التعرّض لظاهرة التعنيف ضد الأطفال التي تلقي بثقلها أكثر فأكثر، على مجتمعنا اللبناني الذي يئن، في الأساس، تحت وطأة أزمات اجتماعية و اقتصادية و تربوية تنهك طفولته البريئة.
ومن هذا المنطلق، تتبدّى مقاربة التعنيف ضد الأطفال من خلال تناول أسبابه وانعكاساته أيضاً، ولو بشكل موجز، ضرورة ليصار إلى فهم أكبر لهذه الظاهرة الخطيرة من أجل تداركها قدر الامكان
تظهر أسباب التعنيف الذي يلحق ضد الأطفال عديدة، وتتمثل أبرزها في سوء معاملة الوالدين للطفل من خلال مواقف خاطئة، بحيث ينظران إلى التعنيف وسيلة تربوية ناجحة، إلا أن ما يحصل هو تشكيل أفراد خاضعين ومطيعين وعاجزين عن التكيف مع ظروف محيطهم.
ويأتي إدمان الوالدين وفقرهما وعلاقتهما المضطربة ليجعل من طفلهما “كبش محرقة”، فيتحول بدوره إلى مستودع، إن صح التعبير، يفرغان فيه “عصارة” سلوكياتهما وانفعالاتهما المضطربة
وإذا ما تناولنا ظاهرة التعنيف ضد الأطفال، من زاوية سوسيولوجية، لوجدنا أنه، في المجتمعات العربية ومنها اللبناني، يتم توارثه، بنسبة كبيرة، من جيل إلى جيل في محاولة لتجذير نمط تربوي خاص يحدّد بدوره هويته الثقافية الأبوية والمتسلّطة.
وأما فيما يتعلق بالمحدّدات النفسية للتعنيف ضد الأطفال، فتظهر التجارب أن الأطفال الذين كانوا ضحايا للعنف تحولوا بدورهم إلى أفراد عنيفين في مراحل حياتهم اللاحقة في محاولة منهم لاستعادة السلوك العنيف الذين تعرضوا له لكن، هذه المرة، ليس كضحايا وإنما كممارسين له ، ولا سيما تجاه أطفالهم!…
يبيّن تناول انعكاسات تعنيف على الأطفال الكثير من الاضطرابات الخطيرة، ومنها الاكتىاب والاضطراب ما بعد الصدمات والاضطرابات السلوكية والصعوبات المدرسية. ومن الطبيعي أن تطلق الصدمات التي لم تلقَ حلولاً أو علاجاً صعوبات لاحقة في إدارة الانفعالات واقامة العلاقات السوية مع المحيط وأيضاً الالتزام بالقواعد السلوكية الصحيحة.
وبالعودة إلى حادثة الحضانة، فإن ماجرى يلقي الضوء على وجود ثغرات ليست فقط تربوية وإنما قانونية تطال دور الحضانات ووظيفتها. مما يؤثر بشكل خطير وكبير على الحياة النفسية للأطفال. يجب أن يفرض تنظيم عمل الحضانات مسألتين أساسيتين للحؤول دون سوء معاملة الأطفال. تتمثل الأولى في ضرورة اخضاع المربيات إلى اختبار نفسي يكشف ما إذا كنّ يعانين من اضطرابات نفسية. وأما بالنسبة إلى المسألة الثانية، فتكمن في إلزام تشكيل لجنة رقابة مشكلة من الأهل للوقوف على ما يجري في الحضانات والمحاسبة في حال تم انتهاك حياة الأطفال. هذا عداعن ضرورة وجود رقابة مباشرة من مؤسسات الدولة المعنية، ولاسيما التربوية والاجتماعية والصحية.
لا تعدّ الطفولة مرحلة عمرية حساسة فحسب، بل تؤدي دورها الحاسم في تكوين الهوية النفسية للفرد. ولذلك يؤدي تحصينها وحمايتها دعامة أساسية لتحصين الحياة النفسية للمجتمع ككل
أخيراً، إلى متى ستبقى طفولة لبنان ضحية إهمال طبقته السياسية التي ما زالت تمعن في انتهاك حقوقها على المستويات كافة؟