حزب الله يعيد تنظيم أولوياته
حسين عطايا
منذُ قرابة السنة تقريباً ، ومع بدء ظهور ازمة الفراغ الرئاسي، بدأ الاشتباك بين التيار العوني برئاسة جبران باسيل وحزب الله ، مما سبب مفاجأة للحزب ، حيث لم تكن القيادة الحزبية قط تتوقع ان تتطور الامور فيما بينهما الى هذا الحد ، خصوصاً انه لم تمر معركة لميشال عون وتياره وصهره جبران باسيل إلا وخاضها حزب الله كرمى لعيون حليفهم الذي اعطوه الرئاسة واعطاهم بالمقابل مفاتيح السلطة السياسية والغطاء المسيحي طيلة ست سنوات من عهده الفاشل بكل معنى الكلمة .
بناءً على ما تقدم ، فتح حزب الله نقاشاً داخلياً على مستوى القيادة العليا للحزب ، لوضع الاصبع على الجرح وبالتالي إعادة تقييم الاوضاع فيما بين الحليفين المتناقضين الى حد الانقسام والعداء ، خصوصاً مع استمرار حزب الله بتبني ترشيح الوزير الأسبق سليمان فرنجية ، والمعارضة الشرسة التي يُبديها جبران باسيل له .
هذه التطورات التي وترت العلاقة، دفعت بقيادة حزب الله للقيام بعددٍ من الخطوات والتي تأخذ منحى تقويمي لكيفية الخروج من الشرنقة التي اسمها التحالف مع التيار العوني ، لذلك ، اقدم حزب الله على القيام بعمليات استطلاع رأي في الاوساط الشيعية القريبة منه كما في الاوساط المسيحية، والتي على ضوئها سيكون لدى الحزب تصرف محتلف لاسيما على صعيد التحضير لانتخابات العام ٢٠٢٦ وكيفية توزيع اصواته على جهات مسيحية مختلفة عنه وبعيدة عن التيار العوني ، وهذا الدرس الاول الذي يعمل الحزب على استيعابه في المرحلة الحاضرة والمرحلة المستقبلية على المديين المتوسط والبعيد ، وهذا ما سينعكس على بعض نواب التيار لاسيما في دائرتي بعبدا وعالية كما في الشوف وجبيل ، والبقاع ، لاسيما في المناطق ، التي يمتلك حزب الله فائضاً من الاصوات التي يجري توزيعها عادة على الاتباع والحلفاء .
الخطوة الثانية ، يقوم حزب الله بعمليات اعداد ورش تنظيمية حوارية بين صفوف القيادات الوسطى يُشارك بها عدد من القيادات العليا ، وتركز على كيفية مواجهة المستقبل المتوسط والبعيد ، في ضوء ازمة الفراغ الرئاسي ، وما اصاب الحزب من فشل في حشد اصوات لمرشحه فرنجية ، رغم فائض القوة التي كان في اعتقاد قياداته انه قادرٌ على فرض مرشحه كما حدث في العام ٢٠١٦ ، وهذا يؤكد استحالة استطاعته على تحقيق هذا الامر ، مما خلق حالة ارباك في صفوف قياداته وخلق ازمة داخلية وفي بيئته .
ومن هنا كانت إطلالة امينه العام وتركيزه على الاستمرار بترشيح فرنجية ، ولاسيما تصريحات قياداته والظهور بمظهر الفوقية ، لاسيما تصريحات بعض قادته التي وجهت للمعارضة ، بأن ما نطرحه اليوم عليكم قبولهِ لانه متاح اليوم لكنه غير متاح مستقبلا .
فهذه اللغة الخشبية المتعالية حصدت الخيبة ، بعدما اكدت المعارضة على صمودها بوجه الثنائي ، وزاد الامر خطورةً وإحراجاً يوم استطاعت المعارضة التقاطع على اسم الوزير السابق جهاد ازعور والنزول الى جلسة الرابع عشر من حزيران والتي اظهرت هزالة تمثيل الثنائي وحلفائه حيث لم يستطيعوا حشد اكثر من ٥١ صوتاً مع العلم ان في المواجهة ٧٧ صوتاً بما فيهم ٥٤ صوتا لمرشح المعارضة جهاد ازعور .
هذه الامور مُجتمعة وضعت حزب الله في وضع مُحرج امام جمهوره وبيئته ، وامام القيادة الايرانية التي كانت تُراهن على قدرة حزب الله وحلفائه على حشد اكبر عدد من الاصوات .
هذا الامر فرض على حزب الله ، التوجه الى عملية تقييم داخلية وعلى مستوى التحالفات لاسيما السياسية والانتخابية في الدورات القادمة ، ولذلك ، الورش التقييمية التي يُقيمها حزب الله استناداً الى بعض المصادر القريبة من اوساطه تهدف للسعي إلى استعادة زمام المبادرة من خلال إعادة النظر على مستوى التعاطي مع الحلفاء باسلوب مختلف ووفقاً لسياسة تعاطي جديدة بناءاً على التقييم الذي يُجريه وما سينتج عنه من دروس وعبر ومعطيات تُحدد الاهداف للمرحلة الجديدة وفقاً لما سيتوصل اليه من معطيات تفرض سياسة جديدة في المستقبل القريب والبعيد .
خصوصاً أذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الحزب قطع في مرحلتين الاولى في بدايات تأسيسه في العام ١٠٨٥ حين اصدر وثيقته الاولى والتي لم تكن تعترف بالدستور اللبناني والدولة المنبثقة عنه ،
والمرحلة الثانية ابتداءاً من العام ٢٠٠٥ حين انخرط رسمياً في الدولة اللبنانية فيما كانت عينه على تعديل الطائف بما يتناسب مع حجم قوته على مستوى الطائفة الشيعية كونه وشريكه في الثنائية يستبيحون التمثيل الشيعي ويُصادرونه لمصلحتهما .
والمرحلة الثالثة التي يستعد لها حزب الله ستكون مُختلفةً عن المرحلتين السابقتين من حيث المتغيرات التي تعصف بالمنطقة والاقليم وما سينتج عنها تغييرات مختلفة عما سبق خصوصاً في ظل تنامي القوة العربية والرؤية التي يُمثلها ولي العهد السعودي على مستوى المملكة والاقليم وما يقوم به ، والمتغيرات في السياسة الامريكية والتي تختلف عما سبق منذُ العام ٢٠١٥ بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران في عهد باراك اوباما ، الذي اطاح به الرئيس الجمهوري طرامب .
كل هذه المتغيرات المستجدة في المنطقة لا سيما الجهد المبذول لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الاوسط بناءاً على مُعطيات جديدة وقوىً مُستجدة ، تُحتم على حزب الله رسم خطوط المرحلة الجديدة وفقاً لما يُتابعه من معطيات متغيرة ومختلفة عما سبق .