أفق: يوم لن يعود رابليه يضحك أحدا

أفق: يوم لن يعود رابليه يضحك أحدا

صدوق نورالدين

     فجأة غاب الضحك من الحياة. اختفى عن حياة المغاربة، وكأن لم يكن يمثل أسلوبا من أساليب وجودهم الإنساني. بات تفجر قهقهة داخل فضاء مقهى، في الحافلة، داخل سيارة أجرة أو في امتلاء الشارع العام، يثير انتباه الجميع وتشرئب الأعناق بحثا عن مصدره، وكأن لسان الحال يعكس تصور الآخرين: أما يزال هؤلاء يضحكون؟ وهل ثمة في واقع المغاربة ما يستدعي الفكاهة والضحك؟

   غاب الضحك من/ وعن الحياة. ضاق الإنسان من حمل الصخرة الثقيلة. ناء. وغدا غير قادر على المواجهة. أحيانا يحس بأنه يمتلك مفاتيح الأبواب جميعها، وأخرى يدرك أنه ومهما ملك/ امتلك، فإن الأبواب تتناسل وتتعدد إلى ما لانهاية. يكفيه _ فقط_ مفتاح لفتح باب ذاته والإنصات إليها. فلم يعد قادرا على صخور الآخرين. تكفيه صخرته.

   غاب الضحك من/ وعن الحياة. استطال القلق والغضب السريع. أضحى رد الفعل أسود. وثمة من يجد متعته في هذه الاستطالة والامتداد. في انتفاء المواساة وابتكار لحظة الضحك، فلم يعد أحد يفهم بأن الضحك علاج إنساني وذاتي في غير ما حاجة إلى طبيب و لا صيدلية.

   يرد في الجزء الأول من كتاب “ميلان كونديرا” (الوصايا المغدورة) والموسوم بـ: “يوم لن يعود بانورج يضحك أحدا”:

   “هذا ما يجعلني أعود مرة أخيرة إلى بانورج. ففي بانتا غرويل، يقع في غرام سيدة، ويريد أن ينالها بأي ثمن، في الكنيسة. أثناء القداس (أليس هذا مقدسا يدنس؟) يخاطبها بكلمات فاجرة مذهلة (التي يمكن أن تكلفه اليوم في أمريكا مئة وثلاثة عشر عاما من السجن بسبب التحرش الجنسي). وعندما ترفض الاستماع، ينتقم منها بأن ينشر على ملابسها مفرزات كلبة في طور السفاد. ولدى خروجها من الكنيسة تجري في إثرها كل كلاب الضواحي (ستمئة وأربعة عشر كما يقول رابليه) وتبول عليها…”

   هذه الفكاهة، هذا الضحك الذي حفلت به الرواية لن يعود. يقول كونديرا:

   “القلب مكروب، فأنا أفكر في يوم لن يعود فيه بانورج يضحك أحدا”.

   أترى حل ذلك اليوم؟

قد يكون.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي