اللغة سياسة والسياسة لغة

اللغة سياسة والسياسة لغة
كاركاسون- المعطي قبال
 
     خلال معارض الكتاب التي تشهدها، بشكل غير منتظم أحيانا دول المغرب العربي، ثمة من يتحدث عن غزو الكتاب الفرنسي لأروقة المعارض ولمساحاتها وذلك بإنزال أعداد هائلة من الكتب تمثل أغلب دور النشر بكل أصناف المواضيع التي تعالجها. ويبرر هذا الطرف هذا الاكتساح بالاهتمام الذي توليه فرنسا للقراءة والكتاب وبالتالي برغبتها في إحكام سلطتها الثقافية على البلدان الفرنكوفونية أو الناطقة بالفرنسية.
خلال السنة الماضية، بلغت المداخيل الناتجة عن تصدير الكتب الفرنسية إلى دول المغرب العربي 25,9 مليون يورو بنسبة تمثل 4 في المائة من الصادرات الفرنسية للكتاب. قدمت هذه الإحصائيات المركزية الفرنسية للنشر وهي هيئة لها مهمة تطوير صادرات الكتب الفرنسية في العالم. وعرفت سنة 2019 قفزة نوعية على مستوى الصادرات والمبيعات حيث سجلت أرباحا بلغت 32 مليون يورو. غير أن هذه الصادرات عرفت تراجعا وذلك على خلفية وباء كورونا حيث بلغت الصادرات تراجعا واضحا فيما عرفت مبيعات الكتب على المستوى المحلي تزايدا ملحوظا.
على أي يخضع وضع الكتاب الفرنسي في دول المغرب العربي الثلاث لمفارقات وتناقضات تختلف من بلد لآخر من بلدان المغرب العربي . فقد سجلت هذا العام المبيعات في السوق الجزائري تراجعا بنسبة 8 في المائة مقارنة بعام 2021، وقد لوحظ هذا التراجع منذ 2015.
هنا الأسباب عديدة: منها الأزمة المالية الجزائرية للسنوات الأولى مع انخفاض أثمنة الغاز والبترول خلال القسم الثاني من. سنوات 2010. السبب الثاني هو الأزمة الديبلوماسية بين الجزائر وفرنسا وذلك على خلفية تقليص منح التأشيرات للجزائريين، السبب الثالث هو رغبة الجزائريين في خلق أفضلية للغة العربية كلغة تعليم ودراسة من الابتدائي إلى الجامعة. لذا انخفضت الاستيرادات مقارنة بتونس التي يبلغ عدد سكانها 11,8 نسمة، فيما بلغ سكان الجزائر 43,9 مليون نسمة. وقد عرفت تونس زيادة بمعدل 2,3% باستيرادها لكتب بقيمة 4,2 مليون يورو. ويعود الرقم القياسي للاستيرادات، 5,4 مليون يورو، إلى عام 2019. ترى فرنسا بعين الاستحسان لهذا الخيار الفرنكوفوني الواضح وتكافيء تونس عليه بسخاء وذلك بتوفير الدعم المادي للمؤسسات الفرنكوفونية.
فيما يخص المغرب يلاحظ نمو لصادرات فرنسا من الكتاب الفرنسي عام 2021 بمعدل +0,5 مليون يورو . وتبقى سنتي 2017 و2018 من أفضل السنوات التي سجلت 20 مليون يورو. وقد عرف وضع الكتاب الفرنسي بدءا من عام 2022 وضعا مغايرا وذلك لأسباب سياسية تتعلق بالسياسة الفرنسية تجاه المغرب فيما يخص التأشيرات وقضية الصحراء المغربية. أبدت الدولة المغربية وأغلبية من المواطنين عن رغبتهم في تفضيل اللغة الانجليزية على حساب اللغة الفرنسية وذلك منذ الابتدائي. وتشدد شبكات التواصل الاجتماعي على إحداث القطيعة مع اللغة الفرنسية وإعطاء كل الأحقية للغة شكسبير. وخلال معرض الكتاب الدولي الأخير المنعقد بالرباط لم يكن للكتاب الفرنسي نفس الحضور الذي كان يحظى به سابقا.
هكذا يتضح أن اللغة سياسة والسياسة لغة.
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".