لكنة أوكرانية ما بين الاتحاد الأوروبي ودول البلقان
د. خالد العزي
أدى احتمال انضمام دول البلقان إلى الاتحاد الأوروبي إلى توحيد الموقف من أوكرانيا، ففي الفترة من 21 إلى 22 آب/أغسطس 2023، انعقدت قمة الاتحاد الأوروبي ودول البلقان في أثينا. رسمياً، تم توقيته ليتزامن مع الذكرى العشرين للاجتماع نفسه في سالونيك، حيث وعد الاتحاد الأوروبي بقبول دول البلقان في صفوفه. وكان الموضوع الأوكراني حاضرا بشكل ملموس في القمة الحالية، وشارك فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أيد المشاركون في القمة “سلامة أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها دوليا”، وتعهدت اليونان بتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرات المقاتلة من طراز إف-16. ولكن يبدو أن أثينا ليست مستعدة لتزويد كييف بالطائرات بنفسها.
ناقش رؤساء الدول المجتمعين في القمة التي تعتبر حلف جديد في أوروبا الشرقية ضد روسيا تحت عنوان الدخول للاتحاد الاوروبي، الوضع الراهن على خط المواجهة الروسية الاوكرانية وكذلك الوضع الامني من جراء هذه العملية الوضع الامني بالمنطقة بظل التصعيد الروسي على الجبهة الأوكرانية.
ولكن الملفت في هذا اللقاء النظام اليونان هذه المجموعة التي طلب منها الرئيس الأوكراني وتحديدا من رئيسها كاترينا ساكيلاروبولوس في رعاية مرفأ اوديسا لاخرج الحبوب من اوكرانيا .
مما يعني بأن اليونان باتت تلتزم خطوات الاتحاد الأوروبي على حساب الصداقة مع روسيا، وخاصة بأن اليونان منذ بداية الحرب ـــ الاوكرانية الروسية تقوم بتقديم الدعم الشامل لاوكرانيا حيث تبنت تدريب طيارين أوكران على قيادة طائرات إف 16.
وبحضور 11 رئيس دولة من جنوب وشرق أوروبا في قمة البلقان حيث صدر إعلان أثينا الذي يعترف بسيادة أوكرانيا على أراضيها وكذلك الاعتراف بحدودها الرسمية التي وضعت في العام 1991 إبان فترة الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، على أساس قيم الديمقراطية وسيادة القانون في مواجهة الغزو الروسي.
فهذا الائتلاف الجديد قد يزيد الدعم الأوروبي الشرقي لأوكرانيا في مواصلة حربها ضد روسيا وفي رفع الأصوات المؤيدة للانضمام كييف للناتو أو لتوقيع اتفاقية ثنائية للدفاع عن أوكرانيا، وهذا ما يخيف روسيا من خلال الحشد الأوروبي لصالح أوكرانيا حيث علقت الصحف الروسية على هذا اللقاء بالقول بأن كييف تجمع دول أوروبية مختلفة تشوه صورة موسكو من خلال لهجة أوكرانية.
ولم يكن من المستغرب أن تهيمن قضية توسيع الاتحاد الأوروبي وموضوع أوكرانيا على قمة أثينا. وتحت تأثير الأزمة الأوكرانية، زاد الاتحاد الأوروبي اهتمامه بمنطقة البلقان، فعاد إلى الوعد الذي قطعه في عام 2003 في قمة سالونيك بدمج بلدان المنطقة في صفوفه. فبعد سنوات عديدة من الركود، أطلق الاتحاد الأوروبي مفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية وألبانيا في العام ونصف العام الماضيين، ودعم منح وضع المرشح للبوسنة والهرسك، فضلاً عن تحرير نظام التأشيرات مع كوسوفو.
وهذه المرة، أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، بعد وصوله بالكاد إلى أثينا: “نحن نحترم سلامة أراضي أوكرانيا، لكننا لن نشارك في العقوبات ضد روسيا حتى أرى أن صربيا في وضع صعب للغاية”. وفي اليوم السابق، حذر السيد فوتشيتش، في خطاب وجهه إلى الأمة، من أنه يتوقع “ضغوطًا هائلة على بلغراد” بشأن مسألة العقوبات – “ربما تكون الأقوى على الإطلاق”.
وتبين أن التحذير المثير للقلق الذي أطلقه الرئيس الصربي كان موجها بالأحرى للاستهلاك المحلي. لم يكن هناك ضغط خاص عليه في أثينا. وفي وثائق القمة، تم في الواقع اختزال فرضية العقوبات ضد الاتحاد الروسي إلى دعوة لدول البلقان لتسريع تنسيق سياساتها مع السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي.
ونتيجة لذلك، اعترف ألكسندر فوتشيتش نفسه، في نهاية القمة، أنه في إعلانه “لا يوجد ما يتعارض مع سياسة صربيا”. صحيح أنه أبدى تحفظا مفاده أنه في البداية كان هناك “موقفان مهمان” في النص لم يناسب بلغراد، بما في ذلك ما يتعلق بالعقوبات ضد روسيا، لكنه أوضح أنه يعارض ذلك، ووعد بتقديم تفاصيل في وقت لاحق.
ويتحدث الإعلان الذي تم اعتماده في قمة أثينا عن أهمية تنفيذ فكرة أوروبا الموحدة، التي ستشمل البلقان وأوكرانيا ومولدوفا، والتي تتمتع “بتراث وتاريخ ومستقبل أوروبي مشترك” والتي يتم قبولها في الاتحاد الأوروبي. سيعني “مساهمة استراتيجية في السلام والأمن والاستقرار الأوروبي“.
ومن جانبه، وبالإضافة إلى الإصلاحات السياسية، يتوقع الاتحاد الأوروبي أن تعمل الدول الأعضاء في المستقبل على تنسيق سياستها الخارجية مع مسار الاتحاد الأوروبي، وفي المقام الأول فيما يتصل بالعقوبات ضد روسيا. ومع ذلك، لم تتمكن بروكسل بعد من تحقيق الإجماع هنا. والدولة الوحيدة بين المرشحين لعضوية الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم إلى التدابير المناهضة لروسيا هي صربيا، التي لا تريد أن تخسر دعم موسكو لكوسوفو والغاز الروسي بأسعار تفضيلية.
وفي أعقاب المحادثات بين زعيمي البلدين، أُعلن أن اليونان ستقوم بتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات إف-16، كما تم الوعد بـ “حزمة دفاعية جديدة” لكييف. ولم يذكر أي شيء عن عمليات التسليم المحتملة للمقاتلين. وهكذا، ظلت اليونان، في الواقع، على المواقف التي أوضحتها الإدارة العسكرية للجمهورية لوزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف خلال زيارته الربيعية إلى أثينا: ستستمر الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا “إن أمكن”، ولكن ليوبارد المطورة ولن يتم تسليم دبابتين ومنظومة إس-300، حتى لا يتم المساس بأمن اليونان نفسها. الآن، في “قائمة عدم التسليم” هذه، يبدو أن اليونانيين قد أدرجوا طائرات F-16.
ومع ذلك، لم يأت فلاديمير زيلينسكي إلى أثينا عبثا. ووقع مع كيرياكوس ميتسوتاكيس إعلانا بشأن دعم اليونان لانضمام أوكرانيا إلى الناتو، “عندما يوافق الحلفاء على ذلك ويتم استيفاء الشروط اللازمة”. ومن جميع المشاركين في قمة أثينا، حصل على “دعم لا يتزعزع لاستقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها ضمن حدودها المعترف بها دوليا”.