سرديات نصر الله وأوهام القوة
حسين عطايا
مثقل حزب الله في هذه الايام بأزمات ومشكلاته كثيرة، تبدأ من بيئته اللصيقة في مناطق نفوذه ولا تنتهي في اماكن انتشاره في العراق واليمن، ولا سيما الاساس في سوريا .
يواجه حزب الله ازمات حقيقية تقض مضاجع قيادته من لبنان الى طهران، وما كثرة الاطلالات التي يقوم بها امين عام الحزب حسن نصرالله، إلا من باب تطمين قاعدته وبعض بيئته الذي بات يتسرب اليها الوهن والتعب نتيجة ما تعانيه من ازمات لبنان، والتي بدأت تنعكس على محازبيه وبيئته.
وما بعض الاحداث التي تحصل من حين لآخر في مناطق الجنوب تحديداً، إن في عين قانا في اقليم التفاح منذ اسبوعين، او في تول القريبة من النبطية منذ ايام، سوى غيض من فيض ما يطفو على الاعلام او ما يعلم به الاعلام وينشره .فقد بلغت الامور حداً بدأ حزب الله يستعمل اسلوب الترهيب مع البيئة الجنوبية لاسكات الاصوات المعترضة والتي تُعتبر من داخل بيئته، وكانت حتى الامس القريب يتغنى بها السيد نصرالله وبأنها صامدة ولا يُصيبها الوهن او التعب .
ولذلك، يتراءى للسيد نصرالله ان حياكة قصص وروايات حول الأزمات التي تعصف بالكيان الاسرائيلي، وبأن الانقسام قد وصل لصفوف جيش العدو وانقساماته وبروز مقدمات لحرب أهلية إسرائيلية سوى بعض مما يُثيره نصر الله بين الحين والاخر كمجرد شائعة لتهدئة النفوس القلقلة .
لاشك انه لا يوجد عربي في العالم إلا ويتمنى ان تكون تلك الشائعات حقيفة وواقع، ولكن في الكيان الاسرائيلي مؤسسات دولة وبنية اقتصادية متينة وجيشها يتمتع بقوة ووحشية، كما يوجد مؤسسات تعليمية وجامعات تُعتبر من الاوائل على مستوى العالم، بينما في المقلب الاخر، وفي الدول التي يُسيطر عليها محور الممانعة الذي ينتمي اليه نصرالله، لا يوجد مؤسسات حُكم بل شخص ديكتاتور يختصر كل شيء بذاته حتى نصرالله نفسه اصبح يختصر حزب الله بشخصه وتبقى كل المؤسسات ديكور فضفاض ليس لها اي دور، كما في ايران وغيرها من الاماكن التي تحت سيطرة محوره .
وفي لبنان على سبيل المثال، اقدم حزب الله وبتخطيط مُحكم على تهميش وتفكيك مؤسسات الدولة اللبنانية وبنيتها التحتية حتى اصبحت شكل دون مضمون وتسنى له السيطرة الكاملة عليها، كما عمل ويعمل مع مافيا السلطة والمصارف على ضرب القطاع المصرفي وضياع ودائع اللبنانيين ومنهم غالبية من الطائفة الشيعية الكريمة، واستحضر كل انواع العقوبات والحظر من المؤسسات المصرفية الدولية حتى يتسنى له الوصول الى نظام الكاش بعد انعدام الثقة بالقطاع المصرفي وهذا في المدى القريب قد يجلب عقوبات وتصنيفات للبنان وقد حذرت المؤسسات الدولية من ذلك، لا بل اعطت لبنان مهلة عام لتسوية اوضاعه قبل وضعه على اللائحة الرمادية، كما في التعليم ادت سياسات حزب الله الى ضرب التعليم الرسمي وإفقار الجامعة الوطنية على حساب دكاكين التعليم التابعة له ولحلفائه، مما سينعكس سلباً على اجيال ولفترة طويلة من الزمن .
على صعيد السياسي، ليس الفراغ في سُدة الرئاسة الاولى سوى نتيجة نهج حزب الله المُتبع لايصال مرشحه لرئاسة الجمهورية وسياسة التعنت التي يُمارسها حزبه وحلفائه، ويستجلب التدخل الخارجي، ليفاوض الفرنسي والامركي لعله يصل الى نوع من الحماية على بقية مشاريعه كما حصل في الترسيم البحري جنوباً والذي قبضت ثمنه ايران، على حساب لبنان وشعبه .
بذلك، يكون المحور الذي تقوده ايران ويُسمى زوراً محور الممانعة والمقاومة هو المأزوم والذي يواجه الانهيار ويستجدي المفاوضات مع الولايات المتحدة لحلحلة بعض أموره الداخلية عبر فك الحظر عن بعض المليارات لإيران لفك عزلتها من ناحية ولتسيير بعض أمورها المالية والاقتصادية من ناحية أخرى .
صحيح أن الكيان الاسرائيلي يواجه أزمات حالياً وقد يصل بعضها الى ازمات وجودية إلا انه لازال يتمتع بمؤسسات فاعلة وشعب يُدافع عن مؤسساته وديمقراطيته الخاصة به، مع اقتصاد متين مبني على قاعدة صناعات تكنولوجيا وعسكرية ودخله القومي يفوق الاربعماية مليار دولار، كل ذلك يدل على مدى التخريب الذي افتعله محور ايران واذرعته في الدول التي يسيطرُ عليها ومدى الازمات التي تعصف بها .
السيد نصرالله وعبر إطلالته ينشر وهماً بأن كيان العدو سيسقط غداً او بعده وبذلك تختلط الأمور على جمهور الحزب حين سيكتشف انه كل ذلك أكاذيب وأباطيل ليس لها اساس حقيقي مستند على وقائع صحيحة بل مجرد روايات وحكايات لا تُجدي نفعاً ولا تُحرر فلسطين او قدسها، بل تخلق حالات احباط سيكون لها تأثير سلبي على تلك الجماعات التي تتبع ايران واذرعتها بأنهم كانوا يلهثون خلف سراب واوهام ليست لها أسس متينة، وكأن السيد نصرالله وحزبه لم يتعلما شيئاً من السرديات التاريخية والتي مضى عليها الزمن منذ عقود.