فؤاد العروي .. يقدم روايته “ثلاثون يوما للبحث عن زوج” في خريبكة
أحمد لعيوني
في إطار تقديمه لروايته الصادرة مؤخرا عن دار ميالي بارو الفرنسية، “ثلاثون يوما للبحث عن زوج” 30 jours pour trouver un mari، استقبلت قاعة العروض بالمكتبة الوسائطية في 23 ايلول ــ سمبتمبر بمدينة خريبكة، الكاتب والروائي فؤاد العروي في لقاء ثقافي مفتوح، حضره جمهور غفير من المثقفين والمهتمين بالثقافة، وقراء إبداعات هذا الكاتب من مختلف الأعمار.
تدور أحداث الرواية بمقهى لونيفير الخيالي، وتتضمن نصوصها تعبيرا خاصا يتسم بمتعة الكتابة للمؤلف من حيث اختيار الشخصيات، وتطوير طريقة حكيهم، وذلك بأسلوب اختيرت كلماته لتمازج بين المعنى وعمق الأفكار المعبر عنها، مع إدراج كلمات باللغة الدارجة المغربية.
بدأ فؤاد العروي مداخلته بالتعبير عن ارتساماته حول التغييرات التي تحققت بمدينة خريبكة عامة، وانجاز فضاء المكتبة الوسائطية التي احتضنت هذا اللقاء. كما نوه بدور المهندسة صفاء حفيظ في هذا الإنجاز الجميل. وأشاد بما يمتاز به التصميم من ذوق مرهف يجذب الرواد، ويلائم مختلف الطباع بمواصفات معمارية تجمع بين جمالية المبدع والمناظر الطبيعية التي تحيط به، والتي تم دمجها في فضاء التعمير. مع استخدام الأحجام الهندسية التي تعبر عن الرؤى الثقافية وتوحي بهالة بنوع من الروحانية على المكان.
ثم تطرق المحاضر إلى علاقته بالمدينة حيث اشتغل مهندسا بقطاع الفوسفاط بداية الثمانينيات. ولم تكن تتوفر حينها على العديد من المرافق التي أحدثت فيما بعد. وكان هذا المركب الثقافي الذي احتضن اللقاء، قد أثار انتباهه للوهلة الأولى عند وصوله إلى المكان. وأشار بالمناسبة إلى ما سبق أن أكد عليه مدير المكتب الشريف للفوسفاط، بأنه علينا أن نتطلع بعيدا في مجالي الزمان والمكان، وهذه المعلمة حقا جزء من ذلك التطلع. كما راقه العدد الهائل من الأطفال المنهمكين في المطالعة، ومزاولة مختلف الأنشطة، بأمكنة خاصة بكل فئة عمرية، وبتصميم منفتح على الطبيعة.
وانصبت مداخلة الضيف على استعراض الجانب الإنساني في مسار الكاتب وبعض ذكرياته خلال مقامه بالمدينة الفوسفاطية التي وصلت إلى ثلاث سنوات، لكنها كانت حافلة بالمعطيات المتنوعة، وأهمها ما اكتسبه خلالها من تكوين ميداني، وعلاقات إنسانية مهمة تحتفظ بها ذاكرته. فبعد إنهاء دراسته بالمدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، والتحاقه باحثا بمدرسة المعادن بنفس المدينة الفرنسية، بشارع سان ميشيل. وفي أحد الأيام حضر السيد عبد اللطيف الكراوي، الكاتب العام للمكتب الشريف للفوسفاط، لإلقاء محاضرة أمام الطلبة المهندسين، وخلال حوار دار بينهما، قدم له المحاضر عرضا بالتوظيف بالمقاولة التي يشرف عليها بخريبكة، المدينة التي سمع بها لأول مرة.
ويضيف المتحدث، بأنه ما أن التحق بمنصبه حتى تلاشى التخوف الذي كان يخالجه بإقدامه على دخول غمار مدينة لم يكن لها وجود في تفكيره، إذ التقى بفريق رائع من المهندسين المتميزين، من بينهم إدريس بنهيمة، جمال بنصاري، نصر الدين بلغازي، عبد الله حربة. كانوا مجموعة شباب مؤهلين علما وعملا، يشتغلون في انسجام. وكونوا فريقا لكرة السلة يشرف عليه إدريس بنهيمة الذي كان مولوعا بهذه الرياضة. وبعد مرور عام بمنجم سيدي الضاوي، عين مديرا للإنتاج بمنجم امرح لحرش، وعمره حينها لا يتجاوز خمسا وعشرين سنة. كان تحت إشرافه المباشر فريق نشيط، يعمل بجدية وكفاءة عالية، يتكون من خمسة مهندسين شباب، وعدد من التقنيين المختصين المصنفين في إطار إكس سيس، ومسيرو الآلات الضخمة مثل (لامريون) التي يكلف ثمنها مبلغا مهما يصل حينها إلى مليون دولار، وأصبح حاليا يتجاوز المائة مليون. بالإضافة إلى ما يزيد عن أربعمائة عامل.
ويحكي العروي بأنه اكتشف حينها أن العمال كانوا يتقاضون أجورا محترمة، ويمارسون عملهم في ظروف تحفظ كرامتهم الإنسانية. ويذهب من خلال حديثة إلى أن للعلاقات الإنسانية التي اكتسبها من الإشراف على هذه الأوراش أحدثت وقعا عميقا على نفسيته وتكوينه المهني، بحيث منحه التعامل مع الفريق باحترام متبادل مكانة مشرفة بينهم. كما يقول، “كان لا فرق عندي بين مدير وعامل بسيط، لأني تربيت في حي شعبي بالجديدة (حي بوشريط) الذي يضم خليطا من فئات المجتمع يعيشون في انسجام وتوادد بينهم، وهذا ما جعلني أتفاهم مع الجميع. وحتى المناضلون المتمرسون بالنقابة كانوا يكنون لي المودة والتقدير، نظرا لمعاملتي المحترمة مع العمال، وأؤكد بكل صدق أن المجموعة التي كنت أسيرها، استفدت من أفرادها بشكل كبير في استكمال تكويني المهني، وتوسيع خبرتي كمهندس في قطاع المعادن“.
لكن بعد قضاء ثلاث سنوات بالميدان، يقول المحاضر، استدعاني المدير العام، السيد كريم العمراني، لأشتغل بالمصلحة التجارية بالإدارة المركزية بالدار البيضاء صحبة جمال بنصاري، وكلفنا بعملية إعداد الصفقات، والانتداب للقيام بمفاوضات بيع الفوسفاط للدول الراغبة في ذلك. وحينها حدثت لي قضية القفازات عند زيارتي للصين الشعبية، التي حكيت قصتها ضمن المجموعة محل المداخلة، باسم “قفازات مدام شي”، وأصبحت تعتبر أغلى قفازات جلدية في العالم، وربما في التاريخ. لقد اكتسبت بالإدارة المركزية خبرة جديدة، وتكوينا من نوع آخر. خلال مروري بأوراش منجم الفوسفاط، واشتغالي طول النهار، لم أبق ملتزما كعادتي بالمطالعة، لكن استفادتي ستكون مثمرة وملهمة في إنتاج أدبي فيما بعد، كان من بينها قصة “الزواج الأسطوري للبولوني” التي استلهمتها من طبيب الأسنان الذي كان يقيم بجوار سكني، وأيضا أسنان الطوبوغرافي التي تحيل على العمل المضني للعمال، وانتهاز بعض الأشخاص للوضع النقابي والسياسي لتحقيق مصالحهم الشخصية.
وفي جوابه عن سؤال لأحد الحاضرين، حول تفكيره في كتابة مذكرات عن الفترة التي قضاها بمدينة خريبكة، سواء في إطار حوليات أو رواية شاملة، من شأنها التدوين لفترة تاريخية للحياة الاجتماعية والإنسانية لمختلف الفئات التي عاشرها، خلال عقد الثمانينيات، في زمن انقضى، وتغيرت العديد من ملامح المدينة المنجمية، والتي لا يعرفها الجيل الحالي. كان جوابه بأنه ربما يفكر في ذلك مستقبلا ليكون موضوع أحد مشاريعه الإبداعية أو الفكرية، نظرا لما لا يزال عالقا بذاكرته من أحداث وطرائف عن مدينة خريبكة، منها حادثة انتخابه رئيسا للنادي السينمائي بتنزيل أغلبية ساحقة من عمال الفوسفاط بإيعاز من رئيسه إدريس بنهيمة للتصويت في مواجهة مرشح رجال التعليم، الذي كان على دراية عالية بالثقافة السينمائية. وتكليفه بتنظيم مهرجان السينما الإفريقية وما صادفه من طرائف، ومشاركته في فريق كرة السلة التي لم يسبق له أن مارسها، وقضية الهاتف الذي كان حينها ينقطع أكثر مما يواصل. ثم جريدة لوموند التي كان مواظبا على قراءتها، ولم تكن تصل إلى المدينة إلا مرتين في الأسبوع، وقد تنقطع لعدة أسابيع. وبالتالي الحرمان من التواصل مع الثقافة والابتعاد عن المطالعة التي كان مولعا بها، وأصبحت جزء من حياته، ولم يتبق منها سوى ممارسة ملء شبكة الكلمات المتقاطعة.
وخلال عرضه تقدم بنصيحة للأطفال والشباب للتشجيع على القراءة والمطالعة، بأن من يريد المواظبة عليها وتحبيبها في نفسه، عليه أن يختار موضوع الكتاب الذي يلائم ذوقه ويناسب ميوله، وبإمكانه أن يكتشف من خلاله جماليات الحياة وبراعة تصويرها، سواء كانت المادة علمية أو أدبية أو رياضية، وكل ما من شأنه أن يحقق جزء من أحلامه وتصوراته. فالإنسان، كما يقول العروي، دائما في حاجة إلى المخيال والأحلام، ففي حياته جوانب مهمة لا تخلو منها الحياة البشرية، وبإمكانه أن يجدها في متعة المطالعة والتأمل، والدعوة موجهة للأطفال والشباب للتعود واكتساب مهارة مصاحبة الكتاب.