في سمو الرحيل
أحمد حبشي
لحظة قاسية، فقد أليم وحسرة دامية الأثار، كنا ننتظر عودته من غربته القاهرة بلوعة واشتياق، فحملته الأخبار جرحا ممتدا في ثنايا الجوارح. رفيقنا الذي غادر لمتنا كان منارة في مسارنا المشترك، ظل في أقسى اللحظات يبهرنا بسلاسة خطاباته وفصاحة لسانه. أحاديته كانت بوصلة في شعاب هبتنا، واصرارنا على العناد في صد جبروت الطغاة. اقتفينا شهاب يقظته لنكشف مجاهل القهر والاستبداد. في مدارج الكلية وعلى ناصية كل الملتقيات كان صوتا يستعيد صداه وتحيل كلماته على كل ما يثير فينا فورة النضال. لم نكن نقوى على جسارة خطابه وحكمة ردة فعله. كل من جاوره في محنة الاعتقال، كان يستعين بصلابة عزيمته وقدرته على جعل الجلاد يخجل من بؤس صنيعه. في أحاديثه الصاخبة لا تفارق البسمة محياه.
لم تكن لعبد اللطيف أكثر من طريقة في توطيد العلاقات، البسمة لا تفارق محياه وحرصه على أن يأخذ كل الآراء بالاعتبار، يجادل بعد أن يعيد صياغة كل حديث على صيغة سؤال، يستقيم الجدال المستفيض في بسط آرائه عندما يتضح الاشكال. أسلوب يغري مخاطبه بمواصلة الحوار ورفع إيقاع تداول الأفكار. لا يتردد في جعل المسافة تتسع عندما يتعذر التواصل البناء وتكثر الهوامش والأقواس. لا يضيره ان يكون على خلاف ولا ان تتسع الهوة مع من يتقاسم معه الجوار.
عبد اللطيف الدرقاوي الرفيق العزيز الودود رحل إلى متواه، لا جريرة تشكك في استقامته وصفاء سريرته، اختار الغربة حين تعددت المخارج واتسعت المسافة بين اليقين وعناد زمرة الوقائع والأحداث. هكذا ظل في خلوته مقتفيا خطو الحكماء، ساقه المسار لاختيار غربة في دروب التأمل، يستعيد هفوة البدايات، يرتقي بالحكاية إلى مجاهل اليقين وكيف فقد الصراط استقامته وصار في الدرب منعرجات. احتواه السؤال زمنا واستغرقه التأمل في المآل. فاجأه الردى دون أن نحظى بسبر نواياه وكيف اهتدى لحقيقة مناه.
كان المصاب جللا، امتد شجنا عميقا في دواخلنا واستوت تقاسيمه رجات فزع تطفح كمدا يجلي مأساوية نهاية حياة. غالبنا الدمع حتى يبقى خالدا في ذاكرتنا كما اكتملت مودتنا في حضرة لقياه، نحن رفاقه ودويه الذين خبرنا معدنه وصدق نواياه. فلروحه الطاهرة أزكى سلام