هل صربيا باتت على موعد مع ميدان جديد؟
خالد العزي
اتهم الرئيس ورئيس الوزراء المعارضة بمحاولة الاستيلاء على السلطة في صربيا، بحسب تقارير تنشرها صحيفة “كوميرسانت” الروسية، وفقا لمراسل في البلقان، حيث توقف في تقريره بتاريخ 25 كانون الأول /ديسمبر ليشير: “بأن المظاهرات تتصاعد في ليلة الميلاد الغربية والميدان يلوح في الأفق في بلغراد”.
فبعد أسبوع من بدء احتجاجات المعارضة الصربية، التي تتهم السلطات بتزوير نتائج انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول، وتطالب بإجراء انتخابات جديدة، اتخذت المعارضة الصربية موقفاً متطرفاً بشكل حاد. وأسفرت الاحتجاجات عن اشتباكات عنيفة مع الشرطة واعتقالات. وأكد رئيس صربيا ورئيس وزرائها أنه “لن يكون هناك ميدان في صربيا”. ووعد زعماء المعارضة بعدم الانحراف عن أهدافهم “مهما كان الثمن”.
الحصار والاعتداء
لقد حدث تصعيد حاد للأوضاع في بلغراد خلال الاحتجاج السابع للمعارضة، حيث يخرج أنصارها إلى الشوارع كل مساء منذ الأسبوع الماضي، متهمين السلطات بـ”سرقة انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول” والمطالبة بإجراء انتخابات جديدة. وانتهت الانتخابات، خلافا لكل التوقعات، بانتصار ساحق للحزب التقدمي الصربي الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس ألكسندر فوتشيتش، والذي سيطر على برلمان البلاد وكان متقدما على المعارضين حتى في العاصمة، حيث كان من المتوقع أن تحصل المعارضة على فوز لا منازع فيه. فإذا كانت الاحتجاجات قد استمرت حتى الأسبوع الماضي بشكل سلمي نسبيًا واقتصرت على حصار مبنى اللجنة التنفيذية المركزية للحزب الجمهوري، فضلاً عن إضراب العديد من زعماء المعارضة عن الطعام، فقد تحولوا إلى التطرف بشكل حاد في مساء يوم 24 ديسمبر ليلة عيد الميلاد الغربية.
إذ انتقلت بؤرة الاحتجاج، الأحد، إلى مبنى برلمان العاصمة، الواقع على مسافة غير بعيدة من لجنة الانتخابات المركزية، حيث كان نواب المعارضة يعتزمون الدخول بالترتيب، كما صرحوا، “لإعلان الفوز في الانتخابات في بلغراد من العاصمة”. لكن هذه المخططات تم إحباطها من قبل قوات الشرطة والدرك، التي سبق أن أغلقت مدخل مجلس المدينة من الداخل. وبدأ حشد من الآلاف الغاضبين يرددون شعارات مناهضة للحكومة، ثم بدأت مجموعة من الشباب الملثمين في إلقاء الحجارة والزجاجات على المبنى، مما أدى إلى تحطيم النوافذ وتحطيم الأبواب. وردت الشرطة بالغاز المسيل للدموع.
المواجهة التي استمرت على هذا النحو لعدة ساعات، والتي رافقتها دعوات دورية من المتظاهرين لـ”تحرير” مبنى الإدارة الرئاسية القريب، انتهت قرب منتصف الليل باعتداء على الشرطة.
بعدها قامت وحدات الشرطة والدرك الخاصة، التي تستخدم الهراوات وغيرها من المعدات الخاصة بنشاط، في أقل من ساعة بدفع المتظاهرين بعيدًا عن اجتماع المدينة، ثم أخرجتهم بالكامل من المنطقة الواقعة في وسط بلغراد، حيث تقع المباني الإدارية، وبعد ذلك أخذوه إلى حلقة ضيقة.
وأسفرت الاشتباكات التي استمرت ساعات طويلة عن إصابة ثمانية من عناصر الشرطة (بحسب وزارة الداخلية) والعديد من المتظاهرين (بحسب المعارضة). وتم اعتقال أكثر من 30 متظاهراً.
ثلاثة خطابات رئاسية
خاطب الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الأمة ثلاث مرات يوم 24 ديسمبر ، في الصباح وبعد الظهر، وحتى قبل بدء الاحتجاج، وأعلن أنه لن تكون هناك مراجعة لنتائج انتخابات 17 ديسمبر، لأنها، حسب قوله، كانت شفافة تماما وكان فوز الحزب الموالي للرئيس واضحا. ولم يسمح الرئيس بإجراء تصويت جديد في بلغراد إلا إذا فشل الحزب الموالي للرئيس في تشكيل ائتلاف حاكم هناك، وهو أمر غير مرجح.
وبعد بدء الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، وجه ألكسندر فوتشيتش نداء جديدا، مؤكدا للأمة أنه “لن تكون هناك ثورة ولن ينجحوا”. وبحسب حسابات الرئيس، فإن “”2490 شخصاً شاركوا في احتجاج المعارضة، وتجمع 1195 منهم في برلمان المدينة”. وأكد أن “الدولة لديها القوة الكافية للدفاع عن الديمقراطية وإرادة المواطنين وصربيا وبلغراد”.
وخاطب الرئيس الأمة للمرة الثالثة قرب منتصف الليل بعد اجتماع لمجلس الأمن القومي. وقال ألكسندر فوتشيتش: “اليوم كانت هناك محاولة للاستيلاء بالقوة على مؤسسات الدولة في صربيا. كل شيء كان مخططاً له مسبقاً، ولدينا أدلة قوية على ذلك”. ويتبع ذلك رد فعل الدولة، وستستمر الاعتقالات.
وشكر الرئيس الصربي في أحد خطاباته “أجهزة المخابرات الأجنبية التي أبلغت عما يجري الإعداد له”. وشرحت رئيسة الوزراء آنا برنابيتش كلمات الرئيس. وفي نفس المساء أعلنت مباشرة أن “البيانات تم توفيرها من قبل جهاز الأمن الروسي”. وبعد ذلك أكد رئيس الوزراء: “لن يكون هناك ميدان في صربيا”.
وأصدر زعماء المعارضة الصربية بيانا اتهموا فيه “نظام ألكسندر فوتشيتش بإظهار وجهه الحقيقي كمغتصب من خلال عدم السماح للنواب بالدخول إلى البرلمان وإرسال مثيري الشغب لإثارة الأحداث”. ووعدوا بأنهم لن ينحرفوا عن أهدافهم “مهما كلف الأمر”.
هل اتخذ القرار بتغيير نظام صربيا
لكن لابد من القول هو نفسه الحزب الحاكم في صربيا، كان يحكم إبان إسقاط الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، زعيم الحزب الاشتراكي، بقوة الشارع، وبسبب التلاعب بالأصوات، وكانت روسيا تعد المصريين بالوقوف إلى جانبهم ومنع أي اعتداء عليهم. لكن تحالف الناتو سدد سريعا ضربات جوية للمدن الصربية استطاع تدمير الجيش الصربي وشل حركة الدولة، عندها استسلم الحزب ووافق على انتخابات مبكرة بعد تجمع المعارضة الصربية، التي أتت من مدينة نوفا ساد في شمال البلاد، والتي كانت أول ثورة شعبية بعد ربيع أوروبا الشرقية تستطيع إسقاط دكتاتورية بواسطة الاعتراض الشعبي، فهل الظروف مناسبة اليوم لتكرار السيناريو السابق وإسقاط “نظام ألكسندر فوتشيتش وحزبه الاشتراكي الصربي”، وهل باتت صربيا تشكل عائقا في ديمقراطية البلقان (أنظمتها وشعوبها)، لذا حسم الأمر للتخلص من التركة القومية والعصبية الصربية وخاصة بأن روسيا تعاني من أزمة فعلية نتيجة حصارها على المسرح الدولي، بسبب ورطتها في المستنقع الأوكراني.