“معروف القلعة”.. ما زال حيًا فينا!
“خلف القلعة قلعة نحنا
ساحات الدنيا مطارحنا …
يا ريس ريس هالمينا
معروف القلعة جاينا …
يا بحـــــرية هيلا هيلا …
هــــــيلا هـــــيلا…”
لا تقتصر مدينة صيدا التاريخية في عمقها التاريخي المضيء عبر العصور والأجيال على قلعة برية تحدق في الأرض… وقلعة بحرية تحدق في أفق السماء…. هناك في عاصمة البحر ومدينته التاريخية رجال تحدق في الأرض والبحر والسماء… رجال تحدق في الشمس… الشهيد… المناضل… أبو الفقراء… (معروف سعد المصري) الرجل الرجل الذي تحدي كل أنواع الظلم والاحتلال والاستبداد… البطل الذي أحتضن شعبه.. وأرضه.. وبحره.. وسمائه…!
نعم، معروف سعد للنخوة مقلع… لقد ربط العروبي البطل معروف سعد بين مفاصل النضال الثلاثة: الوطني، والقومي والاجتماعي. فناضل على كل الصعد ضد الاستعمار والاستبداد والظلم… ربط هذا المناضل المرفوع القامة يمشي بين سنتي 1941 و1945 وأنشأ فرقة عسكرية مكونة من المناضلين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، ودربها في غوطة دمشق، وقادها في العديد من العمليات ضد المستعمرين الفرنسيين والإنكليز، فاعتقل في سجن قلعة راشيا لأكثر من سنة.
تنبه صاحب المقولات الخالدة: زندنا يسترد حقنا.. ارادتنا تعيد لنا الكرامة.. عندما نتقن صناعة الموت نستحق الحياة… نرفض الهزيمة ونتمسك بالكفاح، مهما كان شاقاً وطويلاً، ونصر على أن ما أخُذ بالقوة لا يسترد بغير القوة… وإن ارادة القتال هي السلاح الأمضى لاستعادة الحق السليب في فلسطين. والقضاء على الاستعمار في أية بقعة من بقاع العالم هو نصر لنا ونصر للحرية والأحرار في كل مكان في هذا العالم دون استثناءً يذكر أو لا يذكر… لخطر الصهيونية العالمية على فلسطين!
نعم، تنبه الفدائي معروف سعد المصري العروبي البطل منذ ثلاثينيات القرن الماضي لمخاطر الصهيونية على فلسطين، وآمن بالمقاومة طريقاً لمواجهة أطماع العصابات الصهيونية. هرّب السلاح إلى المقاتلين في فلسطين بالتنسيق مع “عبد القادر الحسيني”. كان السلاح ينقل بالسفن إلى صيدا فيقوم معروف بتفريغه ليلاً قبالة كلية المقاصد، ويخبئه في أقبيتها ويكلف المختصين بتصليحه، ثم يقوم بتهريبه براً إلى داخل فلسطين. التحق بالثورة الفلسطينية في مدينة طولكرم بالضفة الغربية عام 1937م، ونفذ عمليات عسكرية ضد الصهاينة فمنحته الثورة لقب “مجاهد”.
سنة 1948 ارتحل إلى فلسطين على رأس مجموعة فدائيين صيداويين وقاتل في المالكية. من بين رفاقه في المجموعة: خضر سكيني (أبو درويش) الذي أُصيب بكتفه وساقه، وشعبان فنوني، وأحمد بسيوني، وسليم الشياح، وديب عكرة الذي استشهد في إحدى المعارك. ومن رفاق نضاله “محمد زغيب” الذي كان على رأس سرية مقاتلة واستشهد في المالكية. ظل معروف سعد ورفاقه يقاتلون الصهاينة في المالكية لساعات طويلة، وقد جاء في تقرير القيادة العسكرية العربية: “إن ما يحدث في المالكية لم يعد معركة.. بل أصبح بطولة”.
“بعد موت الكائنات.. تظلّ الرائحة والنكهة، وهما الأكثر هشاشة.. لكن الأكثر وفاء، تظلّان لفترة طويلة، كأرواح.. فوق حُطام كلّ ما يبقى، وتحملان من دون تَراجُع، فوق قطراتها الصغيرة المتعذّر تحسّسها تماماً، صَرْحَ الذاكرة الهائل”. نعم، الشهيد الحي معروف سعد في صرح الذاكرة الهائل.. أبن مدينة القلاع التي أحرقت نفسها أكثر من مرة في وجه الغزاة الهكسوس والمغول والتتار القدماء والجدد… ولم تتنازل قيد أنملة عن حجر واحد من بحر الاسكندر المقدوني المهزوم على شواطئها.. ابن مدينة الأبواب الفوقا والتحتا، الأبواب المُشرّعة والمشروعة أمام القريب والبعيد والغريب والمحتاج والنازح واللاجئ إليها والمظلوم.
نعم، ابن مدينة الأبواب الموصدة والعصية على كل محتل غاشم جاء من الشرق أو جاء من الغرب أو الشمال أو الجنوب.. مدينة الأنبياء والقديسين والأولياء والصالحين والصابرين والمجاهدين والمناضلين والمقاتلين في سبيل الحق ضد الباطل. المدينة الوطنية باِمتياز وأوسمة ونياشين ودروع وطنية تليق بصدرها الرحب والقلب الشجاع.. نعم، ابن المدينة التي قاومت كل أنواع الظلم والفساد والاضطهاد والحروب من التدمير إلى التجويع إلى الاحتلال… المدينة التي سجد التاريخ على أبوابها وركع.
المدينة التاريخية التي عاقبها القريب والبعيد.. القاصي والداني تاريخيًا لمواقفها التاريخية.. مواقفها الوطنية.. والعربية.. والعروبية.. والقومية.. والأممية… في محطات تاريخية عديدة… وتواريخ تاريخية لا تعد ولا تحصى… تبدا ولا تنتهي من قبل صمودها الأسطوري في وجه جحافل “ارتحششتا”… وصولًا إلى صمودها في وجه “الصهيونية العالمية” القديمة والجديدة والمستجدة… وما بينهما.. وما قبلهما.. وما بعدهما… مدينة (صيدون بن كنعان بن حام بن نوح)… مدينة رياض الصلح.. ونزيه البزري.. ومعروف سعد.. ورفيق الحريري.. وما قبلهما وما بينهما وما بعدهما من رجال وقلاع.. وقلاع ورجال….
“شدوا الهمة الهمة قوية مركب ينده عَ البحرية يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا… شدوا الهمة الهمة قوية جرح بينده للحرية يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا… طلع الغربي الغربي بيصفر تحت المينا الجوع بيحفر يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا… طلع البحر البحر بيبكي دمع بيشكي القلب بيحكي يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا… خلف القلعة قلعة نحنا ساحات الدنيا مطارحنا يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا”…