تغيير العقيدة الحربية الألمانية.. حلم الجيش الموحد الأوروبي

تغيير العقيدة الحربية الألمانية.. حلم الجيش الموحد الأوروبي

خالد العزي

     حلم الجيش الأوروبي يدفع ألمانيا بتغيير القواعد والمفاهيم العسكرية، التي تم إلغائها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط المعسكر الاشتراكي، حيث تلاشى العدو والخطر في نفس الوقت، لكن اليوم بعد التهديد الروسي الدائم أصبحت خطط زيادة حجم الجيش الألماني على جدول الأعمال مرة أخرى وبند نقاش جدي في”البوندستاغ” الألماني، ووفقا لذلك يطرح  السؤال لماذا تحدث وزير الدفاع الألماني عن ضرورة إعادة التجنيد العسكري؟

   ففي ألمانيا، تستمر المناقشات حول تسريب معلومات حول خطط لاستخدام صواريخ كروز ألمانية ضد أهداف في روسيا. ويرى وزير الدفاع الاتحادي بوريس بيستوريوس نفسه أن مهمته الرئيسية في هذه الفضيحة هي طمأنة الحلفاء. حيث يقولون إن التسرب كان مجرد حادث، وهذا لن يتكرر مرة أخرى. فكان جوهر القضية التي ناقشها جنرالات ألمان رفيعو المستوى، بقيادة قائد القوات الجوية الألمانية (يُطلق عليه في ألمانيا المفتش) إنغو جيرهارتز، هو استخدام صواريخ كروز على جسر القرم. وبحسب الإعلام الروسي الذي يشير بأنه تم  ارتكاب الخطأ  من القائد الأعلى نفسه، الذي كان في معرض سنغافورة الجوي، في وقت المحادثة حول برج الثور. ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان التسريب قد حدث بسبب خطأ أجهزة المخابرات الروسية أم لا، أو بحسب برنامج القناة التلفزيونية الألمانية ARD Teleschou، ولا يزال التحقيق الذي تجريه الوزارة حول هذه التسريبات مستمرا. فالحقيقة هي كما تشير صحيفة نيزافيسيما غازيتا في أخبارها المنشورة بتاريخ 6 آذار/مارس الحالي “بأن حدث سنغافورة يجذب تقليديًا انتباه جميع أجهزة المخابرات العالمية والجواسيس الصناعيين للعديد من الشركات”.

   لكن الوزير  بيستوريوس الطموح يحتاج إلى الحفاظ على مكانته الرفيعة كأفضل وأنجح سياسي ألماني، وهي المكانة التي حصل عليها تقريباً منذ أن دعاه المستشار “أولاف شولتس” إلى هذا المنصب من ساكسونيا السفلى في مقاطعة “هيسن “فخر البحرية الألمانية و”معيارا ذهبيا للاسطول الألماني “. وعلى الأرجح، من هنا  ظهرت في خطط وزارة الدفاع فكرة إدخال التجنيد العسكري  مجددا في البلاد مرة أخرى. بعد أن كان قد تخلى الألمان عن هذه الطريقة في تشكيل الجيش، لأنهم اعتقدوا أنه بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي في أوروبا لم يعد هناك أي معارضين لألمانيا. وحاليا، عاد بيستوريوس إلى هذه الفكرة، لكنها لا تلقى تأييدا في الأوساط السياسية في البلاد.

   وخلال المناقشة الأخيرة في لجنة الدفاع في البوندستاغ، تحدث نواب من الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر ضد إعادة التجنيد الإجباري. وهكذا، اعتبرت رئيسة اللجنة “ماري أغنيس ستراك زيمرمان” أن ألمانيا تفتقر إلى البنية التحتية والتمويل اللازمين لذلك. بمعنى آخر، عليها أولاً بناء ثكنات عسكرية للاستعاب والبدء في إنتاج احتياجات إضافية، الأمر الذي، في رأيها، سيستغرق سنوات. إنها تعتقد أنه في الظروف الحديثة، يحتاج البوندسوير، أولا وقبل كل شيء، إلى متخصصين، وليس إلى كتلة من المجندين،  وألمانيا ليس لديهم من يتدرب.

   من وجهة نظر عضو البوندستاغ الأخضر “سارا ناني”، على الرغم من أن الوضع مع نقص الأفراد في الجيش واضح، إلا أن المسار الذي اقترحه الوزير خطأ. وربما لهذا السبب، كما يخلص المنشور، ذهب بيستوريوس إلى السويد لدراسة التجربة المحلية في تدريب المجندين. بعد كل شيء، وفقا لتعليمات المستشار، بحلول شهر نيسان /أبريل الحالي ، يتعين عليه تقديم مفهوم حقيقي لزيادة القدرة القتالية للجيش الألماني. كما تعلمون، يتكون الجيش السويدي من جنود متعاقدين وتجنيد إلزامي. ويخضع كل من الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 70 عامًا للتجنيد الإجباري.

   اليوم، انطلاقا من التصريح الأخير الذي أدلى به رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، لصحيفة بوليتيكو، بأن”أوروبا تركز على تعزيز جيوش دول الاتحاد الأوروبي”. لكن فكرة إنشاء جيش أوروبي لم تُحذف من جدول الأعمال قط. فإن إنشاء اللواء الفرنسي الألماني في وقت واحد وضع الحجر الأول في مؤسسته. وتعتمد آفاق الجيش الأوروبي على العديد من العوامل، بما في ذلك نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية والإصلاح المحتمل الناتج عن ذلك لحلف شمال الأطلسي. وليس من قبيل الصدفة أن يغادر نائب الرئيس الألماني ووزير الاقتصاد والمناخ روبرت هايك الآن إلى الولايات المتحدة. على الرغم من أن السبب الرئيسي لزيارته الخاطفة، كما ذكرت الصحافة الألمانية، ينبغي أن يكون مناقشة وقف إمدادات الغاز المسال الأمريكي إلى أوروبا. ليس هناك شك في أن نائب المستشارة “الأخضر” سيتطرق أيضًا إلى موضوع مستقبل الناتو في محادثته المقررة مع الرئيس جو  بايدن.

   إذن نحن أمام تفكير أوروبي جاد  بالعمل على ترتيب البيت العسكري الأوروبي، ليس لجهة التصنيع الحربي فقط، وإنما العمل على تأسيس  جيش أوروبي فاعل وله دوره الأساسي في تجسيد وحماية  الوحدة الاوروبية، بعد الحرب الروسية الأوكرانية لجهة حماية  الأمن القومي الأوروبي، وخاصة بعد التهديدات الروسية الموجهة للدول الأوروبية.

Visited 18 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني