الرهانات الخفية لمعرض الجزائر الدولي للكتاب
كاركاسون- المعطي قبال
تحت شعار «نقرأ لننتصر» تنعقد بالجزائر العاصمة من 6 إلى 16 نوفمبر الدورة 27 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب. وسيعرف المعرض الاحتفاء بشخصيات ثقافية وأدبية من الداخل والخارج.
كعادته لم يسلم المعرض من انفجارات وسجالات سبقت افتتاحه على خلفية رقابة ومنع هذه الرواية أو ذلك العمل التاريخي أو السياسي الشيء الذي يستحوذ على النقاش ويؤثر على آداء ومستوى المعرض نتيجة استحواذ السياسة على الثقافة. ولم تسلم نسخة هذا العام من نفس التصرف بحيث شملت الرقابة هذه المرة دار غاليمار للنشر، أكبر دار للنشر بفرنسا. وقد تلقت هذه الأخيرة رسالة جافة من لدن المنظمين يبلغون فيها الدار بأن تواجدهم بالمعرض غير مرغوب فيه. لم توضح أو تبرر الجهات المنظمة أسباب هذا المنع، الذي على ما يبدو يجد «مبرراته» الشكلية في إصدار الدار لرواية «حوريات» للروائي والمعلق كمال داوود الذي استرجع فيها وقائع وأسباب الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر خلال التسعينات. وقد تزيا النظام العسكري بقناع إسلامي لتمويه الرأي العام بأن الإسلاميين هم من يقف وراء المذابح والانفجارات والعنف المستدام فيما الجيش هو الموقع الحقيقي لها. كما انتقد الممارسات والأيديولوجيا المتطرفة التي تسلب فكر الأتباع من المسلمين الذين يرون في المرأة مجرد سلعة. وركزت الرواية على مكانة النساء وأسطورة حوريات الجنة. لكن ثمة العديد من الأطراف مستهدفة من هذا المنع: دار غاليمار للنشر طبعا، كمال داوود وبالأخص فرنسا.
للذكر حظيت هذه الأخيرة عام 2015 بشرف التكريم كضيف رسمي للمعرض وفي هذا السياق صرح حميدو المسعودي، الذي كان يشغل المندوب العام للمعرض، بأن قضايا الرقابة أصبحت في عداد الماضي. من بين 30,000 كتاب التي عرضت منذ عشر سنوات، لم يمس الحجز سوى 126 كتابا كونها «تعبث برموز الدولة وتدافع عن الإرهاب، العنف والعنصرية». وتضامنا مع غاليمار، قررت مجموعة مادريغال التي تتألف من مجموعة من الناشرين التابعين لدار النشر الأم، وعلى رأسها فلاماريون، كاستيرمان وغيرها، قررت عدم المشاركة بالمعرض. في السنة الماضية، شملت الرقابة منشورات كوكو التي يشرف عليها أرزقي آيت العربي.
وبما أن كاتالوغ دار النشر غاليمار لا يتضمن كتبا سياسية أو تاريخية تنتقد الجزائر، فما سبب منع الدار من المشاركة في المعرض؟ ثمة من يدعي بأن رواية «حوريات» لكمال داوود الصادرة في شهر غشت الماضي عن نفس الدار هي السبب الحقيقي لهذا الحظر. فعلاقة الكاتب بالجزائر بالرغم من مرافقته للرئيس ماكرون خلال زيارته الرسمية للجزائر وادائه لدور الدليل السياحي، ليست على أحسن ما يرام.
وقد شجبت النقابة الوطنية الفرنسية للنشر هذا المنع الذي يتعارض وقمة الفرنكوفونية الأخيرة التي شددت على ضرورة تطوير دورات النشر المشتركة ما بين الدول الفرنكوفونية. لكن وزارة الثقافة الجزائرية عزفت على وتر آخر إذ أعطت تعليماتها لتجنب كل ما هو فرنسي وهذا الموقف يسترجع الحملة السابقة التي شنتها الجزائر عبر قنوات التواصل الاجتماعي على اللغة الفرنسية والمدافعين عنها. غير أن هناك رهانات سياسية وثقافية خفية قد تلعب لصالح الجزائر ولصالح كمال داوود: إذ يتزامن المعرض الذي يتم تدشينه في 6 نوفمبر مع الإعلان عن الفائز بجائزة الغونكور، في 4 نوفمبر 2024. ويرشح العديد من النقاد والمكتبيين رواية «حوريات» لهذه الجائزة. وبذلك تحصل الجزائر بعد سنوات عجاف على أفضل جائزة أدبية. غير أن القيمة الفنية لدوريات تبقى جد تافهة وسطحية من حيث التيمة والبناء والتخييل. إذ لا تعدو كونها ملصقا سياسيا وأيديولوجيا بائخا. فليست كل الأعمال المحظورة جيدة أو رفيعة، بل تكاد تكون مجرد فبركة للبيع من طرف دور نشر تشجع الأدب المناهض للإسلام وللثقافات العربية. وقد أصبحت هذه الممارسة من تخصصات كمال داوود. وإلى الآن لم يبد كتاب الجزائر والعالم العربي أي تضامن مع كمال داوود كون مواقفه الاسلاموفوبية وتوجهه الفرنكوفوني، مثله مثل كاتب جزائري آخر، بوعلام صنصال، زاد لمخيله الموبوء.