التربية على الميديا ضرورة مجتمعية
متابعات:
يرى سعيد بنيس الأستاذ الباحث بكلية االآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن الولوج إلى العهد الرقمي يجعل من التربية على الميديا ضرورة مجتمعية/حاجة من الحاجيات المجتمعية بل عنصرا من عناصر السياسات العمومية، وذلك من أجل تجنب احتباس افتراضي صاعد من الريبرتوار الديجيتالي في الحالة المغربية (المواقع الجنسية / روتيني اليومي والشخوصات العنيفة والصدامية والسرديات الهامشية، التنمر – التحرش – الكراهية – التسيب القيمي – تقويض العيش المشترك…).
وشدد الأستاذ بنيس الذي كان يتحدث خلال ندوة “التربية على وسائل الاعلام والاتصال.. رؤى متقاطعة “التي نظمها المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال والجمعية المغربية للناشرات والإعلاميات الأربعاء 24 نونبر 2024 بالمقر الوطني للتقدم والاشتراكية بالرباط، على “حتمية استشراف برامج تربية مستدامة على الميديا لكيلا نساهم في صنع وبناء أفراد (طبيب/ مهندس/ أستاذ / رياضي …)، تفتقر للحد الأدنى من القيم المُوَاطِنَة، وقال في هذا الصدد، إن الحاجة صارت ملحة لكي تعتمد المدرسة المغربية على مرتكز التربية عوض مرتكز التعليم من خلال إحداث مسارات ومواد مثل التربية على الميديا والتربية الأخلاقية والتربية القيمية.
وبخصوص مفهوم التربية، لاحظ بأن هناك انزلاق دلالي يخص مصطلح التربية، حيث يتم التركيز فقط على لفظة “النعت” الميديا” (كما في التربية الجنسية) وربطها بالإباحية والانحلال الأخلاقي، لأنها تروم تصحيح وتصويب بعض المفاهيم والممارسات الخاطئة حول السلوك الإعلامي والافتراضي للطفل (ة) والتلميذ (ة) والشاب أو اليافع.
رسائل راقية
بعدما توقف الأستاذ بنيس عند التلقين والتعلم بالممارسة Learning by doing لأن الميديا والعالم الافتراضي هي أساسا سلوك وممارسة، أكد بأنه من الضروري التركيز في تربية الأطفال على تمرير رسائل راقية في جدوى وإيجابيات الفكر النقدي، مبرزا أن عناصر التربية على الميديا في علاقتها بالفضاء الافتراضي وجب بنائها على مقولات بعينها وتصويب دلالاتها المجتمعية بما يتوافق مع مقومات العيش المشترك والرابط الاجتماعي من قبيل المواطنة والقدوة والحظوة المجتمعية والمصفوفة القيمية.
ولدى تحليله لمقولة القدوة والميديا، اعتبر المتدخل بأن القدوة صارت ترتبط عند اليافعين والشباب والأطفال بما يطلق عليه حديثا ب”قصص النجاح” أو “القصص الناجحة” (الحريك). ،مع ولوج العهد الرقمي أضحت مقولة القدوة تنحو منحى افتراضي : من حمولة دينية (“من الدار للجامع ومن الجامع للدار” – “ماتيفوتش الصلاة في الجامع”) ومجتمعية ( معلم ، أستاذ، طبيب ، مهندس ، …) إلى شحنة ديجيتالية (قافز – بريكاد- رجولة – هارب – برو ماكس – كاين … ).
فبروفايل القدوة عند المغاربة، تغير، فأصبح بروفايل القدوة مرتبطا بلاعب كرة القدم أو بمغني أو بفنان أو بصحفي أو تيكتوكر أو يوتبرز أو ستيرمر ، وعامة ما يطلق عليه بـ “مؤثر”، موضحا أنه في ظل هذا الخضم، فقد وقع التحول من قدوة مؤسسة على قيم رمزية مثالية إلى قدوة ترتكز على قيم مادية ربحية.، وصارت القدوة رهينة الحظوة المجتمعية التي تحددها الشهرة الديجيتالية والتي تبنى على الريع الافتراضي (التفاعلات والأدسنس Ad Sense) وليس على الجهد الواقعي (الكد والعمل).
الحظوة الديجيتالية
بخصوص ما وصفه بـ”الحظوة الديجيتالية”، قال انها تعتمد على منطق كمي وليس نوعي أو كيفي (عدد من المتابعين)، ومن “شهرة واقعية” تم الانتقال إلى “شهرة ديجيتالية” ومن “حظوة مجتمعية” إلى “مهنة وحرفة” لكسب قوت العيش والاسترزاق والتحول إلى زاوية، موضحا أن التنافسية الافتراضية ، لا تنضبط التنافسية لقيم العيش المشترك والاحترام المتبادل والرابط الاجتماعي بل لمشيخة المؤثرين التي صارت تلعب دور الزاوية بالنظر إلى عدد المنخرطين و “المرتادين”، فضلا عن أن طبيعة الحظوة الديجيتالية، أفضت إلى وعاء من العنف الرمزي وممارسات تفاعلية لثقافة الكراهية.
ولضبط جدوى هذه المقولات في علاقتها بالتربية على الميديا، استند الأستاذ بنيس على بعض المعطيات والإحصائيات، منها الأرقام والمعطيات الواردة في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2024 حول تأثير الإنترنت على الأطفال في المغرب، والتي أفادت بأن 80 في المائة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الأنترنيت، و70 في المائة منهم يلجون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وأن ثلث العينة (1293 طفلاً وشاباً) أقرت بتعرضها للتحرش السيبراني، و 40 في المائة من هؤلاء يشاركون معطياتهم الشخصية مع أشخاص لا يعرفونهم،في الوقت الذى كسف ذات التقرير على أن 40 في المائة منهم كذلك لا يعرفون كيفية تغيير إعدادات الخصوصية، و 30 في المائة لا يعرفون التمييز بين ما يمكن تقاسمه وما لا يمكن.
أمية في الميديا
وهذا ما جعل الأستاذ بنيس من يؤكد على أنه من الضروري محاربة الأمية الافتراضية / أمية في الميديا / الأمية الاتصالية من خلال التربية على الميديا، وقال إن كل هذه الأرقام والمعطيات تجيز الحديث على أننا أمام حالة من الاحتباس الافتراضي الذي يمكن الإحالة على بعض من مسبباته منها فشل محاضن التربية وراء تنامي العنف الافتراضي وانتشار خطاب الكراهية، الانتقال إلى العهد الرقمي الذي ساهم في بزوغ هويات جنسية متوحشة وشخصيات انعزالية عدوانية.
ومع تهميش قيمة الاجتهاد والعمل، لاحظ الأستاذ بنيس، ظهرت آليات للتعويض من قبيل الغش في الامتحانات عبر وسائط ودعامات رقمية (chat Gpt منها استفحال أمراض جديدة أمراض مثل «ترونسفريت” و”تبارطجيت” أو المشاركة القاتلة كانعكاس لتغييب الحس النقدي عند المتلقي للمعلومة الافتراضية وتقاسمها بشكل تلقائي.
ومن بعض المخرجات التي اقترحها لتجنب الاحتباس الافتراضي وثبيت التربية على الميديا، قال بنيس، اعتبار التربية على الميديا مكونا من مكونات المواطنة لتفادي إنتاج جيل مغترب قيميا ومبغول هوياتيا، وانخراط المنظومة التعليمية بحميع أسلاكها على اعتماد محترفات ومواد “التربية على الميديا” للتشجيع على الممارسات الجيدة في حقل الميديا وموضوعية التلقي وإذكاء الفكر النقدي وتوعية وتكوين الكبار وأولياء الأمور والمشتغلون في محاضن التربية والتنشئة بمخاطر الأمية الافتراضية.
استشراف المجتمع الافتراضي
وأضاف أنه يمكن كذلك الإحالة على بعض توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منها لا للحصر، استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف بشكل استباقي عن المحتويات غير المناسبة، وتشجيع اعتماد آليات الرقابة من الوالدين، فضلا عن تحديد بروتوكولات واضحة وسريعة للإبلاغ عن المحتويات غير الملائمة أو الخطيرة ومعالجتها (التحرش الإلكتروني، محتويات عنيفة…). التفاهم المؤسساتي مع الكاما.
بيد أن الأستاذ بنيس صاحب كتاب “تمغربيت: محاولة لفهم اليقينيات، عبر عن اعتقاده بأن السؤال الأساسي كيف يمكن استشراف المجتمع الافتراضي في علاقته بالأمن الرقمي؟ موضحا أنه للإجابة على هذا التساؤل، أشار إلى بعض العناصر منها، مع استفحال مظاهر الاحتباس الافتراضي أضحت الحاجة ملحة لمزاوجة التنمية الصلبة الاقتصادية بتنمية ناعمة إنسية وديجيتالية هدف تنشئة إعلامية سوية، والتربية على الميديا هي تربية من أجل استتباب الأمن الرقمي لتجنب تلوث الفضاء الافتراضي و القضاء على النفايات الافتراضية، مع التصدي للانعكاسات غير المتوقعة، كانتشار الأخبار الزائفة، أو ظاهرة “التسول الديجيتالي”، وكذا “اغتصاب الخصوصية” للحيلولة دون تجذر حالة من الفوضى والأمن الرقمي.