تأثير حرب الإسناد وانعكاسها على الشعب اللبناني
أحمد مطر
من الواضح أن حرب الإسناد التي قام بها حزب الله، أدت إلى نتائج كارثية على الحزب وعلى البيئة الحاضنة، ومن الصعب تجاوز آثارها على مختلف الصعد والمستويات، من الثابت أن حجم الخسائر التي مني بها الحزب لن يكون في ظل الظروف التي ولدتها الحرب داخلياً وإقليمياً ودولياً، مسموحاً أن يدعي بأنه قد حقق انتصاراً كبيراً، فالكل يعلم وبكل المقاييس بأن الحزب قد أصيب بهزيمة نكراء جراء الهجمات المدمرة التي شنتها إسرائيل ضد قياداته السياسية والعسكرية، والتي تسببت بزلزال معنوي له ولبيئته ولمجمل اللبنانيين وذلك قبل بدء الهجوم الجوي والبري، والذي فشل الحزب في احتواء نتائجه سواء على جبهة الجنوب أو في عمق بيروت والضاحية وكامل منطقة البقاع، وأن الإصابات وأعداد القتلى الذي بلغ عدة آلاف بالإضافة إلى حجم الدمار للقرى والأبنية والبنى الأساسية تؤشر بدون أي التباس إلى أنه كان لإسرائيل اليد العليا في الحرب .
كانت المفاجأة القاتلة مع بداية المواجهة الفعلية مع إسرائيل بالهجوم الذي شنته إسرائيل، والذي فجر أجهزة النداء وأجهزة اللاسلكي بحامليها، والذي تسبب بقتل أو جرح ما يزيد عن 3600 شخص من كوادر حزب لله، والتي أظهرت بشكل يقيني مدى خطورة انكشاف الحزب أمنياً واستخبارياً أمام أجهزة استخبارات العدو الإسرائيلي، وجاءت عمليات الاغتيال المتكررة وعلى كل المستويات لتؤكد مدى خطورة هذا الانكشاف الأمني الكبير للحزب وبيئته القيادية .
في ظل النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل، كان الحزب يأمل ومعه جميع اللبنانيين بأن يحقق تدخل إيران في الحرب تصحيحاً للخلل الكبير في موازين القوى بين إسرائيل والحزب. ولكن أثبت القصف الإيراني غير الفعال عكس ذلك، حين نجحت الدفاعات الجوية الإسرائيلية مع حلفائها، وخصوصاً الولايات المتحدة في إفشال الهجمات الصاروخية الإيرانية، بالرغم من كثافتها .
لم يكن في نهاية الأمر من بد لقبول حزب لله بقبول وقف لإطلاق النار بالشروط الإسرائيلية، وفق مفهومها لتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، وانسحاب قوات الحزب وأسلحته إلى شمالي الليطاني، وفرض شروط أخرى تتناول مستقبل الحزب العسكري من خلال المطالبة بتنفيذ القرارين 1559 و1680 .
وحكمت الظروف الإقليمية، أن تشن الفصائل المسلحة للمعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” هجوماً سريعاً على كل المدن وصولاً إلى دمشق وإسقاط نظام بشار الأسد، وتهديد الوجود العسكري لإيران وحزب لله وإجبارهما على إخلاء الأرض السورية على عجل ودون قتال .
في رأينا يشكل سقوط نظام بشار الأسد خسارة لكل من إيران وحزب لله لا يمكن تعويضها، حيث شكّلت سوريا نقطة الثقل لمحور المقاومة على مستويين: الاستراتيجي واللوجستي، والتي كان يأمل أن تسهّل له تعويض خسائره العسكرية في الحرب خلال عام. لكن قطعت عليه أية إمكانية لذلك، سواء عبر سوريا أو عبر الجو أو البحر، حيث من المفترض أن تخضع جميع المداخل للأراضي اللبنانية لرقابة إسرائيلية ودولية مشددة .
في ظل هذه الظروف العصيبة التي يواجهها حزب لله، يتحضر لبنان للخروج من أزمته السياسية، وذلك بالتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويرجح استكمال هذا الاستحقاق في الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير- كانون الثاني المقبل. إذا نجح المجلس في تحقيق الاستحقاق الرئاسي، فإن على حزب لله أن يتوقع مواجهة رفض اللبنانيين الاعتراف من جديد بمشروعية وجوده العسكري، من خلال فرض إدراج ثلاثيته الذهبية في بيان الحكومة الجديدة، والأولى التي سيشكلها الرئيس العتيد سيواجه حزب لله صعوبات عديدة، تبلغ درجة الاستحالة، في إقناع اللبنانيين على المستويين الشعبي والسياسي بقبول الدور السابق الذي كان يدعيه حول قدرته على حماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية، بعدما أثبتت الحرب الأخيرة بأنه غير قادر على حماية نفسه وقياداته السياسية والعسكرية، أو حماية بيئته سواء في الجنوب أو في الضاحية والبقاع .
يدرك حزب الله جيداً أن القوى السياسية المسيحية، بأكثريتها الساحقة لن تقبل تحت أي ظرف بإدراج هذه الثلاثية في أي بيان وزاري للحكومات المقبلة. ولن يكون أيضاً الموقف السني العام أقل تشدداً في موضوع عودة حزب لله للهيمنة على القرار السياسي اللبناني، وسيرفضون بكل المقاييس وصاية حزب الله الأمنية، وخصوصاً على العاصمة بيروت، وإني اعتقد بأن المناورات والتحركات السابقة التي اعتاد حزب لله من خلالها ترويض العاصمة لم تعد مسموحة أو صالحة في ظل المستجدات على الساحة اللبنانية وفي سوريا بعد سقوط الأسد والوصاية الإيرانية على دمشق وبيروت .
من المرجح أيضاً أن لا يحظى حزب لله بنفس مستوى الدعم والتأييد داخل البيئة الشيعية، وذلك انطلاقاً من الحسابات التي فرضتها نتائج الحرب، والتي يمكن أن تصل لحد القطيعة أو على الأقل عدم التجاوب الكلي من حليفه الرئيس نبيه بري، وذلك انطلاقاً من دوره السياسي والدبلوماسي في التفاوض لتحقيق وقف إطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار 1701 بكل مندرجاته.
أما على صعيد التأييد الشعبي الشيعي، فإن الحزب سيواجه مشكلة تأمين الأموال اللازمة لإعادة إعمار المناطق المهدمة، والتي ستعجز إيران عن تأمينها، ويبدو الآن بأن الاموال الإيرانية كمساعدات ضئيلة جداً ولن تُرضي المتضررين، والحكومة الإيرانية غير قادرة على زيادتها بسبب عدم رضى الشعب الإيراني .
هناك وسيلة واحدة لتأمين أكثر من ملياري دولار لإعادة الإعمار عن طريق المساعدات العربية، والتي ستأتي حكماً عن طريق الدولة اللبنانية، وتدرك الحكومة ومعها حزب الله بأن هذه الأموال لن تأتي في ظل بيان وزاري يتبنى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
من المؤكد أن الرئيس الجديد للجمهورية سيكون له دور مؤثر في هذا الموضوع السياسي العام، في الوقت الذي فشل فيه الحزب عندما كان بكامل قوته في إيصال مرشحه فرنجية إلى سدة الرئاسة، من هنا يبدو بأن الرئيس المقبل لن يكون في دائرة نفوذ حزب الله. نحن أمام فرصة حقيقية للبنان لاستعادة سيادته الكاملة .