التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي في السينما بالمغرب
سعيدة الحيحي
أوصت أول دراسة من نوعها حول “العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما بالمغرب” أعدتها جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان الى القيام بإصلاحات قانونية، وذلك من أجل وضع قواعد مهنية لمكافحة كافة أشكال التمييز والعنف القائم على النوع، وكذلك لضمان احترام ظروف عمل المهنيات في قطاع السينما وفقا لقانون الشغل ودفاتر التحملات المبرمة مع الجهات الوصية.
ودعت هذه الدراسة إلى “تقديم الدعم والتوجيه لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما ووضع نموذج خاص بالممارسات الفضلى وإعداد عقد نموذجي من قبل المركز السينمائي المغربي ووزارة الثقافة، باعتبارهما مؤسسات الوصاية، من أجل حماية النساء المهنيات في القطاع السينمائي بالمغرب من كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، من خلال تحديد المهام بوضوح، وإدراج مواد تتعلق بحسن السلوك وتعاقب على الممارسات التمييزية وتحظر العنف القائم على النوع الاجتماعي، مع العمل على تعزيز المناصفة في قطاع السينما.
كما أوصت بالعمل على تعبئة وتنظيم صفوف النساء المهنيات: التكوين والتحسيس لفائدة المهنيين والمهنيات وإدراج وحدات التكوين المتعلقة بحقوق المرأة بشكل منهجي، خاصة ما يتعلق بالوقاية والحماية من جميع أشكال العنف القائم على النوع (على مستوى المدارس ومؤسسات تكوين مهنيات ومهنيي القطاع السينمائي، فضلا عن التكوين المستمر؛ فضلا عن تنظيم حملات تحسيسية لفائدة النساء المهنيات في قطاع السينما وإعداد خريطة وقاعدة بيانات وتعميق البحث بخصوص التأثيرات الحقيقية للعنف القائم على النوع على الضحايا في قطاع السينما.
وشددت الدراسة التي تم إعدادها بدعم من الاتحاد الأوروبي، والتي تسعى إلى كسر طابو العنف ضد المرأة في العالم السينمائي، واقتراح مداخل تقييم حجم الظاهرة وتأثيراتها وسبل العمل لدعم الضحايا وحماية النساء المهنيات وتوعية الرأي العام، على أن مكافحة العنف القائم على النوع في القطاع السينمائي، على غرار باقي القطاعات الأخرى، يمر أساسا عبر رفع هذه الطابوهات ، وانخراط وسائل الإعلام، وخاصة وسائل الإعلام العمومية، لمعالجة القضية بكل جرأة، وذلك من خلال “فتح النقاش حول هذا الموضوع خلال انعقاد المهرجانات الوطنية والدولية”.
وبالنسبة للاستنتاجات المستخلصة من تحليل الوثائق والمقابلات شبه المهيكلة مع مهنيي يات\ بقطاع السينما والاستطلاع عبر الأنترنت وتحليل التجارب الدولية المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، قدمت الدراسة، تسعة استنتاجات مترابطة فيما بينها، تتعلق بالخصوص، الطابع المحدود للإطار القانوني والمؤسساتي الوطني المتعلق بمكافحة العنف القائم على النوع في قطاع السينما، مع ندرة المبادرات والمصادر الوثائقية التي تعالج موضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي في مجال السينما في المغرب، فضلا عن تعدد التصورات المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي حسب المهن ومناصب المسؤولية (غير أنها تصورات تكمل بعضها البعض!).
كما أكدت هذه الاستنتاجات، استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي بمختلف أشكاله، مع انتشار واضح للعنف النفسي، وعوامل محفزة لانتشار العنف القائم على النوع قائمة على منطق الاستغلال والوضعية الهشة للضحايا، إذ تَعتبر العاملات في المجال التقني أن العوامل التي تؤدي إلى وقوع العنف القائم على النوع الاجتماعي مرتبطة بحلقة مفرغة تدور حول الاستغلال وعلاقة السلطة الممارسة وضعف الإطار القانوني وهشاشة الضحايا المحتملات.
وفي معرض جردها لعوامل حدوث العنف المرتكز على الضحية بالخصوص من قبل الممثلات: حسب تصريحاتهن، أوضحت الدراسة بأن العنف يقع في كثير من الأحيان عندما تظهر الضحايا المحتملات هشاشتهن (النفسية والاقتصادية و/أو التقنية) وخاصة عندما لا يتم توعيتهن بسبل حماية أنفسهن من مخاطر هذا العنف في بداية مسارهن المهني مشيرة إلى أن إدارة المحيط المهني لقطاع السينما، تتم بشكل أساسي من خلال “تقديم الخدمات”، مما يؤدي إلى ترسيخ انعدام الأمان في صفوف المهنيات. كما أنها تخلق مناخا من المنافسة وسلوكات فردانية تنشأ عنها أشكال مختلفة من العنف، خاصة العنف القائم على النوع والتي لا يتم التبليغ عنها بالشكل الكافي ولا تحظى بالدعم من قبل باقي المهنيين.
وفي هذا الصدد ذكرت الدراسة بأن 80 بالمائة من التصريحات حول تجارب (أو شهادات) تشير إلى التعرض على الأقل لحالة واحدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال المسار المهني، وعدم وجود توصيف (بروفايل) محدد لمعالم شخصية مرتكب العنف، في حين تشكل العلاقات المهنية التراتبية والوضعيات المهيمنة مناخا ملائما لظهور كافة أشكال العنف، مع وجود عقبات (داخلية وتنظيمية وأخرى خاصة بقطاع السينما) تحول دون التبليغ عن العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وانطلاقا من قناعتها الراسخة بأن التزام المغرب بحقوق الإنسان يهم جميع القطاعات وجميع الفاعلين، تسعى جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان إلى وضع أرضية تشمل سبل العمل من أجل ضمان انخراط مختلف الفاعلين، إذ تأتي هذه الدراسة، لتكمل تقرير السياسة العمومية المتعلقة بالسينما في المغرب الذي أعدته الجمعية سنة 2023، بهدف اقتراح قراءة أفقية وعمودية لقضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالقطاع السينمائي في المغرب. وإذا كان التقرير قد ركز على السياسات العمومية في المجال، فإن الدراسة قد سعت لتسليط الضوء على الممارسة المهنية ذات الصلة باحترام حقوق المرأة.
يندرج إعداد هذه الدراسة، في إطار تفعيل إحدى التوصيات الرئيسية التي كانت تضمنتها دراسة “السياسة العمومية في مجال السينما وحقوق الإنسان في المغرب: في أفق الملاءمة مع دستور الحقوق والحريات” التي أصدرتها جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان. كما تمثل إحدى اللبنات الأساسية في مسار الترافع الذي تنهجه الجمعية في أفق وضع سياسة عمومية خاصة بالسينما تعزز حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وتضمن حمايتها من كافة أشكال التمييز والعنف.
انطلاقا من هذه الرؤية، سلطت الدراسة، التي سعت إلى الإجابة على مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بأشكال العنف الأكثر تفشيا في قطاع السينما، وتحليل العوامل التي تؤدي إلى ظهورها، وعوامل الهشاشة التي تعزز وقوعها، ووسائل الانتصاف، وكذلك قياس تأثير أشكال العنف القائم على النوع على تطور المسارات المهنية للمرأة التي تشتغل في قطاع السينما، الضوء على العلاقات غير المتوازنة بين الرجال والنساء العاملين في المجال السنيمائي، لتحفيز نشر الممارسات الفضلى ذات الصلة بمكافحة الصور النمطية التمييزية على أساس الجنس وجميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلا عن اقتراح جملة من التوصيات التي تنبني على تحليل معمق للوضع القائم.
وتهدف الجمعية إلى الخروج برؤية واضحة وتوصيات جوهرية قادرة على تعبئة المهنيي والمهنيات والمدافعين والمدافعات عن حقوق المرأة لبلورة استراتيجية متكاملة لمكافحة جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما، من جهة، وتعزز إدماج المرأة بشكل أفضل في مجال الإبداع وتسمح لها بإبراز قدراتها بشكل أكبر من جهة أخرى. كما ترمى إلى تعبئة مهنيي قطاع السينما، بهدف تعميق التفكير الفردي والجماعي بخصوص هذا الموضوع، من خلال تنظيم مقابلات شبه مهيكلة مع 15 شخصا يمتهنون الإخراج، الإنتاج، التصوير والمهن التقنية. كما تم تنظيم ورشة عمل، بتاريخ 25 شتنبر 2024، من أجل مناقشة نتائج الدراسة من قبل الفاعلين السينمائيين والفاعلين الحقوقيين، خصوصا في مجال حقوق المرأة.