خمس سنوات مضت بعد وفاته.. شيء من مسار مناضل

عبد الغني القباج
مثل اليوم .. توفي الرفيق حسن البوطي العلمي، اليوم 21 فبراير 2019، كأنه اختار أن يودعنا في الذكرى الثامنة لـ”انتفاضة/ثورة” حركة 20 فبراير…
وكلما أستعيد عشرون سنة من العلاقة الرفاقية مع حسن العلمي أقرأ تجربة “منظمة 23 مارس”.. وأقرأ مرات نضال وممارسة كارل ماركس وفق وعي نقدي.. كنا في السجن وحواري مع الرفيق حسن نستنطق بهذا الفكر والممارسة واقع التشكيلة الطبقية المغربية والصراع الطبقي الجاري في المغرب وفي ما يسمى بلدان “العالم الثالث”، أو كما يسميها سمير أمين “بلدان الأطراف”، أطراف المركز الرأسمالي. و نبلورة خط نظري وسياسي ثوري جديد يلتزم ولا يتنازل عن المبادئ الثورية.
ونسأل من ينتقد استمرارنا واستمرار مناضلين ومناضلات يساريين ملتزمين بالخط العام النظري والسياسي الثوري الذي بلوره ماركس، إنجلز، لينين، ماو: – هل الأنظمة الرأسمالية المتقدمة، ورأسمالية المغرب الكمبرادورية التبعية الطبيعة الجوهرية لا تمارس الاستغلال الطبقي الذي على الطبقة العاملة المغربية وعلى عموم الكادحين والكادحات؟…
– ألم تحول لأنظمة الرأسمالية المتقدمة الأمريكية والأوروبية سياستها إلى حرب سياسي طبقية عالمية ضد تحرر الشعوب؟ بل وحرب همجية كما تجلى مظهرها الهمجي مع زواجها بالتيار الصهيوني العالمي الذي أبز قاداته ترامب الذي يريد إتمام إبادة الشعب الفلسطيني وستيف بانون اديولوجي ومكون عقلية وسياسة ترامب الذي يحث باديلا زعيم اليمين المتطرف السيطرة على السلطة في فرنسا؟؟!!
إن الذين ينتقدون استمرارنا واستمرار مناضلين ومناضلات يساريين ملتزمين بالخط العام للمشروع المجتمعي اللاَّ طبقي الذي بلور أسسه وفلسفته النظرية والسياسية العامة ماركس، إنجلز، لينين، ماو، وتجارب الحركات التحررية الثورية البديلة للمجتمع الرأسمالي، يتشبثون بمصالح برجوازية صغيرة، سياسية واجتماعية تتوهم إصلاح النظام السياسي البرجوازي الكمبرادوري ولذلك ليس لها تناقض مع مصالح البرجوازية الكمبرادورية التي تستخدما في الفترة التي نعيشها ويتوهمون حل مشاكل الطبقات الشعبية الكادحة بإدخال جملة من الإصلاحات على النظام، وبالتالي الثورة الديمقراطية أصبحت غير ضرورية بالنسبة لهم.
الرفيق حسن العلمي ما فرط يوما في مبادئه
توفي ولم يتجاوز عقده الخامس في الحياة.. توفي بسبب مخلفات الإضراب البطولي والتعنت والقمع السياسي الذي مارسه نظام الحسن الثاني ضد معارضيه الجذريين، ورفض الاستجابة لمطالب أساسية تمكن المعتقلين السياسيين من الاستمرار في الحياة بكرامة داخل سجون النظام السياسي. وأدى هذا التعنت السلطة السياسية إلى استشهاد العديد من المناضلين والمناضلات المناهضين لاستبداد النظام السياسي..
وخلال انتفاضة يناير 1984 في مراكش ومنطقة الريف شن النظام السياسي حملة اعتقالات شملت مناضلين من الحركة الماركسية اللينينية في عدة مدن. اكتشفت أجهزة البوليس السري خلال الاعتقالات مجموعة مناضلين ينتمون لـ”تنظيم 23 مارس”. بدأت الاعتقالات بمراكش يوم 06 يناير 1984 واستمرت حتى شهر ماي.. ومن ضمنهم الرفيق حسن العلمي الرفيق الذي اعتقل في الرباط يوم 2 ماي 1984 واقتيد إلى المعتقل التعذيب السري “درب مولاي الشريف”. ولم يتم نقله ورفاقه الستة إلى سجن لعلو بالرباط إلا يوم 13 يونيه.. بعد المحاكمة كان تدخله سياسيا قويا، كشف زيف خطابات ديمقراطية مزيفة واستغلال الطبقة العاملة ونظام الفساد الاقتصادي والسياسي.
في سجن لعلو بالرباط وعلى إثر انتفاض سجناء الحق العام، تم تعيين كومندار القوات المساعدة المخزنية مديرا للسجن، ليبدأ مسلسل قمع المعتقلين السياسيين الخمسة من “تنظيم 23 مارس” وضرب كل حقوقهم التي حققوها قبل تعيين “الكومندار” ع. الله وحيدي. بعد إضراب دام 50 يوما اضطرت الإدارة العامة للسجون بالتدخل.. وتم تخصيص المستوصف القديم للمجموعة.. وتحسنت أوضاعها.. لكن “الكومندار” الذي أصبح مديرا للسجن عاد إلى طبيعته القمعية.. في هذه الفترة تم اعتقال ووضعه في زنزانة مع الحق العام.. ولما طالب بالتحاق بمجموعتنا تم الزج به في “الكاشو” (الزنزانة السوداء، تحت درج الحي العلوي وكبله الكومندار بسلسلة الكاشو، لا ماء، لا مرحاض، لا ضوء .. بعد صراع قوي وإضراب المجموعة تم فرض التحاق الرفيق ع.الحق شباضة بالمجموعة..
لكن عاد الكومندار لطبيعته القمعية.. بدأ بين حين وآخر يمنع الزيارة عن أسرنا.. أو يمنع عنا الجرائد.. أو يستفز الأسر ما دفع المجموعة للدخول في إضراب عن الطعام في يونيه 1989.. مع إعفاء رفيقين من دخول الإضراب لإصابة رفيق في الإضراب السابق بأزمة قلبية، ورفيق آخر كان يعاني من مرض مزمن في رئتية.. دام الإضراب من يونيه 1989 إلى فبراير 1990. وتم نقل المجموعة للسجن المركزي بالقنيطرة مع 8 رفاق من محاكمة يناير 1977 ، والرفيق علي القيطوني، والرفيق الخياي (اتحادي راديكالي محكوم بالإعدام)، لا زالوا آنذاك في السجن بعد مرور 17 سنة من اعتقالهم سنة 1974.
خلال هذا الإضراب البطولي استشهد الرفيق ع.الحق شباضة يوم 19 غشت 1989، بينما أصيب الرفيقان حسن العلمي، وع.الفتاح بُوقُورُّو بشلل في جهازهما العصبي أفقدهما الحركة الطبيعية. استمر الرفيق حسن العلمي يقاوم في صمت وكبرياء.. لا يشكو.. لا يتذمر، لا ينفعل.. حاضر بوعيه الثوري وبذكائه النقدي الجذري للنظام السياسي.