ما جرى في شمال سوريا يستحق المراجعة..

ما جرى في شمال سوريا يستحق المراجعة..

حسان القطب

          الأحداث التي جرت في شمال سوريا، أو ما يطلق عليه الساحل السوري، أطلقت إشارات واضحة، بأن هناك من يريد أن تبقى سوريا ساحة صراع مسلح، مع خروج بشار الأسد من السلطة، وهذا يعيدنا إلى الشعار الذي أطلقه أتباع وحلفاء الأسد الإقليميين مع مطلع الانتفاضة الشعبية السورية، عام 2011.. (الأسد أو يفنى البلد)..

مع تطور الأحداث وسقوط الأسد والمنظومة الداعمة له من ميليشيات طائفية تقاطرت من مختلف دول العالم برعاية وإدارة إيرانية لحمايته ورعايته بممارسات وحشية غير مسبوقة، ومع تجاهل المجتمع الدولي لكل الجرائم التي ارتكبها هذا النظام والميليشيات العاملة في خدمته.. يؤكد لكل مراقب ومتابع أن الأحداث الأمنية في شمال سوريا وفي المدن الساحلية إنما كان عملاً مخططاً له بدقة، ويهدف إلى تحقيق أهداف محددة تتجاوز الشأن السوري، لخدمة أهداف وبرامج إقليمية وهنا يجب أن نتوقف عند بعض الملاحظات والمعطيات والنتائج:

كان واضحاً أن العملية العسكرية التي أطلقتها فلول الأسد والحلفاء الإقليميين لنظامه البائد، كان يتم الترويج لها قبل فترة من الزمن، وبشكلٍ خاص على لسان قادة ومسؤولين ومستشارين إيرانيين.. وأعوانهم من العراقيين واللبنانيين..

الحملة الإعلامية التي واكبت الانفجار الأمني في لبنان والعراق وايران، وإسرائيل، كانت متناغمة ومتجانسة ومتوازية، بما يخدم مشروع تفتيت سورية وزرع بذور فتنة بين المكونات السورية..

لقد روّج الإعلام المؤيد لإيران طوال الأشهر الماضية التي أعقبت انتصار الثورة السورية على جلاديها، بأن حرباً سوف تندلع بين الفصائل السورية المسلحة وهذا ما لم يحدث..

لقد توقعت الأبواق المؤيدة لإيران خلال هذه الفترة، أن تقع في سوريا وعلى يد الفصائل والنظام الجديد أعمال عنف وانتقام ومذابح وسوى ذلك من المفردات الترهيبية، ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل..

الضغط الإسرائيلي في الجنوب، تم استثماره بشكلٍ واسع من أبواق وأقلام مسؤولي محور التطرف الإيراني للدلالة على أن الإدارة السورية الجديدة، ليست سوى أداة غربية عاجزة عن مواجهة إسرائيل أو انها تابعة لها ضمناً..

تداعيات سقوط الأسد على إيران،

انقطاع خط التواصل بين طهران ولبنان عبر بغداد ودمشق،

حسارة الاستثمارات الإيرانية في الاقتصاد السوري،

تراجع ثقة اتباع إيران في المنطقة بقدرتها على مواجهة شعوب دول المنطقة تبني استراتيجيتها أو العمل في خدمتها،

انكشاف طبيعة المشروع من حيث مذهبيته، وطائفيته، وتقديم المصلحة الإيرانية على مصالح شعوب المنطقة، وبشكلٍ أخص على الفصائل التابعة لها وتعمل في خدمتها..

انهيار مشروع الهلال الشيعي في العالم العربي،

خسارة عسكرية مدوية وسياسية فاضحة سوف تنعكس سلبا على الداخل الإيراني إن لم تتمكن السلطة الحاكمة من استيعاب التداعيات وتقديم مشهد انتصار ولو جزئي تقدمه لمواطنيها،

فقدان الثقة بالمرجعية الدينية التي تقود العملية السياسية والعسكرية،

ما الذي تريده إيران من إعطاء شمال سوريا حكما ذاتيا أو استقلالاً كاملاً..

الترويج لهذا المشروع تطلب التالي:

        تصوير الشمال السوري على أنه منطقة نفوذ علوي، يجب حمايته ورعايته، بعد خسارته الهيمنة على السلطة في سوريا طوال  أكثر من خمسة عقود..لحمايته من الأكثرية الإسلامية..

التعتيم والتضليل بالترويج إلى أن شمال سوريا ومدنه يحتضن أكثرية إسلامية بحكم أن المدن الرئيسية في الشمال هي إسلامية سنية، تحتضن إلى جانبها مكونات مسيحية وأرمنية وعلوية..وليس العكس..

الاحتضان الإيراني للكيان العلوي المفترض بالتعاون مع روسيا كما كان يتم التخطيط له، سوف يعيد إيران إلى ساحل المتوسط..

استخدام المطارات والمرافيء السورية، في الشمال لشحن السلاح والمال والميليشيات الى سوريا من جديد،

تأمين الدعم لميليشيا حزب الله التي انقطع عنها كل اشكال الدعم، برا وبحرا وجوا مع تشديد المراقبة الدولية على المعابر اللبنانية، وسقوط نظام الأسد.. الذي قطع التواصل بين طهران وبيروت..

إعادة صناعة وتجارة المخدرات وتهريبها إلى اوروبا لتمويل الميليشيات وبالتالي المشروع الإيراني في المنطقة العربية،

مساعدة حزب الله على إعادة ترتيب هيكليته العسكرية من جديد ومساعدته على العودة إلى لعب دور أمني وسياسي كما كان سابقاً..

ضرب مصداقية الثورة السورية، والإدارة الجديدة بالترويج إلى أن العرب المسلمين غير مؤهلين لإدارة شؤونهم وحكوماتهم وأن سياساتهم تشكل خطر على باقي المكونات غير العربية وغير المسلمة..

الخلاصة:

      سرعة تحرك الإدارة السورية، وحسم المعركة بسرعة، وتنبه المجتمع العلوي إلى أن ما يجري من أحداث إنما يشكل خطرا وجودياً على مجتمعهم ولكن لخدمة إيران ومشروعها، وليس لخدمة الطائفة ومصالحها، ثم غن المجتمع العلوي كان بعضه متضررا من سياسات النظام البائد ولم يكن بكامله في خدمة النظام.. كما أن الانخراط في مواجهات مفتوحة وصراعات غير واضحة الأهداف والمعالم لن تقود إلا إلى مزيد من الهجرة والخسائر المادية في الأرواح والممتلكات وخسارة الحضور والدور.. كما أن المجتمع العربي والدول العربية كانت مدركة لهذه الهجمة والخطوات الإيرانية المنسقة مع الخطوات الاسرائيلية لتفتيت سوريا.. أعلنت موقفا واضحا بتاييد الإدارة السورية ورفضها لكل هذه الممارسات والتحركات..

كما يمكن القول إن الإدارة السسورية كانت متنبهة لبعض الممارسات غير المقبولة والمرفوضة قانوناً وشرعا وعملت على ضبط الوضع والسعي لمعاقبة المرتكبين بصوتٍ مرتفع وبموقف واضح أحبط أمنيات إيران ومن تبعها وعمل في خدمتها.. وردات الفعل التي شاهدناها في لبنان والعراق ضد المواطنين السوريين تؤكد لنا أن الخسارة الإيرانية في سوريا كانت مؤلمة جداً لنظام الإرهاب. 

Visited 5 times, 5 visit(s) today
شارك الموضوع

د. حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات