سلاح الفصائل الفلسطينية بالمخيمات في لبنان

أحمد مطر
في مشهد يعكس تحولاً جذرياً في السياسة اللبنانية تجاه الفصائل الفلسطينية، يشكل موضوع نزع سلاح المخيمات الفلسطينية، الموضوع الوحيد والأهم على جدول أعمال الزيارة المرتقبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، في التاسع عشر من الشهرالجاري إلى لبنان، إلى جانب الأوضاع في المنطقة، والحرب الإجرامية الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني في غزة، وتوسع عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، والعلاقة مع السلطة الفلسطينية، والمسائل المتعلقة بالوجود الفلسطيني عموما في لبنان، لاسيما بعد المتغيرات الناجمة عن الحرب التي تعرض لها لبنان، بعد عملية “طوفان الأقصى”، والإجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية، لنزع السلاح من المجموعات والتنظيمات المسلحة، اللبنانية وغير اللبنانية، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، تنفيذا لخطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزف عون والبيان الوزاري للحكومة، بحصر السلاح بالدولة اللبنانية دون سواها.
في هذا السياق وجّهت الدولة اللبنانية، وللمرة الأولى تحذيراً صارماً لحركة “حماس”، إما وقف الأنشطة العسكرية والأمنية بالكامل على الأراضي اللبنانية، أو الطرد الفوري. مصادر لبنانية رسمية كشفت أن التحذير الأخير إلى “حماس” هو الأقسى منذ سنوات، ويوازيه تحرك سياسي لبناني فلسطيني قد يتوج بإعلان قرار تاريخي لنزع سلاح المخيمات.
ومع أن الدولة بدأت بمصادرة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية الأساسية، والتي كانت تسيطر عليها تنظيمات ومجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة السلطة الفلسطينية، وتوالي النظام السوري السابق، والنظام الإيراني، منذ الأسابيع الأولى لبداية العهد الجديد وتأليف الحكومة الحالية، ووضع اليد على القواعد والأنفاق العسكرية فيها، وإنهاء المربعات والمساحات الأمنية التي كانت تقيمها، إلا أنها تركت أمر البت بسلاح هذه المخيمات بعد التشاور مع السلطة الفلسطينية، التي تتبع معظم التنظيمات لها، حرصاً على العلاقة الأخوية مع السلطة، وتفاديًا لأي إشكالات أو تدخلات من جهات خارجية متضررة، لاسيما مع وجود مجموعات مسلحة أصولية متشددة، تنتشر في أماكن محددة فيها، وكانت سبباً لافتعال مشاكل وتوترات واشتباكات مسلحة، تستهدف أمن المخيمات وجوارها، والأمن في لبنان عموما، طوال المرحلة الماضية .
يعرض لبنان أمام الرئيس الفلسطيني الدوافع والأسباب التي يستند إليها لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية، والمرتكزة لقرارات الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع الوطني، لحصر السلاح بيد السلطة الشرعية دون سواها، وإزالة كل مسببات زعزعة الأمن والاستقرار، وتهديد الأمن القومي اللبناني، إضافة إلى انتفاء أي حجج أو ذرائع كان يتلطى بها البعض للاحتفاظ بالسلاح الفلسطيني، لتأمين حماية المخيمات من الاعتداءات الإسرائيلية عليها، أو التعرض لها، من بعض المليشيات والأحزاب عليها، كما حصل في الماضي، وذلك بعد ضمان الدولة اللبنانية بجيشها وقواها الأمنية أمن وسلامة هذه المخيمات والمقيمين فيها، كما سائر المناطق الاخرى .
أعدت السلطات اللبنانية، بالمناسبة، خارطة تشمل مناطق تواجد وتخزين السلاح الفلسطيني، والتنظيمات والمجموعات التي تسيطر عليه، وباتت تستخدمه وتتحكم فيه، لفرض النفوذ أو تحقيق مصالح شخصية، أو تلبية لرغبة هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لزعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، تحت يافطة القضية الفلسطينية، كما حصل مرارًا من خلال استغلال بعض التنظيمات الفلسطينية وجودها المسلح في المخيمات، لإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، لإحداث ردود فعل واعتداءات إسرائيلية على لبنان واللبنانيين .
ختامًا.. لسنوات، التزمت الدولة اللبنانية بسياسة احتواء الفصائل الفلسطينية، مكتفية بالتفاهمات الضمنية وتجنب الصدام المباشر، إلّا أن التطورات المتسارعة من الحرب في غزة، إلى عدوان أيلول، مرورًا بالغارات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب والضاحية دفعت لبنان إلى إعادة حساباته بشكل جذري .