سقوط جيرارد ديبارديو.. غول السينما الفرنسية

سقوط جيرارد ديبارديو.. غول السينما الفرنسية

رضا الأعرجي

        لم يعد عمالقة السينما الفرنسية محصنين بعد قرار القضاء الفرنسي إدانة الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو بتهمة الاعتداء الجنسي على امرأتين في موقع تصوير أحد الأفلام.

وأصدرت “محكمة باريس” بحقه حكماً يقضي بعقوبة السجن لمدة 18 شهراً مع وقف التنفيذ، وذلك في نفس اليوم الذي افتتح فيه “مهرجان كان السينمائي” دورته الجديدة هذا العام.

وتبدو المزامنة وكأنها مشهد من سيناريو فيلم، حيث يُعد ديبارديو، أحد أهم الممثلين الفرنسيين وربما أهمهم على الإطلاق، إضافة إلى كونه رمز عصر كامل للسينما الأوروبية بفضل تعاوناته المتميزة، وأدائه في أفلام لمبدعين عظماء، ونجاحاته التجارية، وتقديره الفني الدولي.

وأثار القرار القضائي الذي “هز” صناعة السينما الفرنسية الكثير من التساؤلات حول تأثيره على هذه الصناعة، وعلى النهج الأوسع للمجتمع تجاه قضايا العنف الجنسي.

لكن الرجل البالغ من العمر 76 عاماً لا يعاني فقط من القضيتين اللتين أديتا إلى إدانته في الدرجة الأولى. ففي وقت سابق، تقدمت حوالي 20 امرأة بشكاوى بشأن سلوكياته غير اللائقة.

ومن المؤكد أن سمعة ديبارديو قد تضررت، وقد تكون مسيرته الفنية انتهت على الرغم من أنه يظل واحداً من أعظم الممثلين، إلا أن الطريقة التي سنشاهد بها أفلامه من الآن فصاعدا قد تتغير أيضاً.

كانت تداعيات الإدانة محسوسة في (كان)، المهرجان الذي ارتبط به ديبارديو في الماضي. وكانت اللحظة الأكثر تميزاً هي حصوله على جائزة أفضل ممثل عن أدائه في فيلم “سيرانو دي برجراك”. كما كان آخر ظهور له هناك في عام 2015، عندما قدم فيلم “وادي الحب ” مع إيزابيل هوبير.

وبعد مرور عشرة أعوام، طُلب من رئيسة لجنة تحكيم المسابقة لهذا العام، الممثلة جولييت بينوش، في مؤتمرها الصحفي، التعليق على الإدانة. وكانت العبارة التي استخدمتها تشير إلى مدى أهمية شخصية ديبارديو في السينما الفرنسية: “لم يعد مقدساً“.

ومن المثير للاهتمام هنا، التقرير البرلماني الذي تم إعداده بمبادرة من ساندراين روسو النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث وصف السلوك المسيء بأنه “مشكلة متوطنة” في فرنسا، مؤكداً أنه على الرغم من حركة (#MeToo)، فإن السلوكيات في مكان العمل، وخاصة في صناعة الترفيه، لم تتحسن.

يذكر، أن شخصيات قوية في المجال العام الفرنسي وقفت إلى جانب ديبارديو. كما حظي بدعم الممثلة الشهيرة فاني أردان (تصور معه حالياً فيلماً في جزر الأزور البرتغالية*، والممثل فينشان بيريز، والممثة الاسطورية بريجيت باردو. حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، قال في عام 2024: إن ديبارديو “جعل فرنسا فخورة“.

ويرى كثيرون أن ديبارديو وخطاب المدافعين عنه يمثلان رمزاً لعصر آخر قد مضى . فليس من قبيل المصادفة أن الممثل كان مدعوماً من قبل ممثلين وممثلات أكبر سناً، وليس من الجيل السينمائي الجديد.

وقد دأبت الصحافة الفرنسية على رسم صورة ديبارديو كرجل متعدد الأوجه: صديق للديكتاتوريين، عاشق للطعام الجيد والحفلات، أب مجروح، جامع أعمال فنية. والواقع أن ديبارديو هو كل ذلك في وقت واحد.

وُلد جيرارد ديبارديو في مدينة شاتورو الفرنسية، وهو أحد خمسة أبناء لربة البيت آن جيان وعامل المعادن ورجل الإطفاء جوزيف رينيه ماكسيم لايونيل ديبارديو. ولم تكن والدته راغبةً في إنجاب المزيد من الأطفال، وقد أخبرته بأنها حاولت إجهاضه باستخدام إبر الحياكة لذلك ظل عندما كان طفلاً يفحص يديه دائما للتأكد من عدم وجود آثار ندوب من وخز الإبر.

كان يقضي وقتا طويلاً في الشارع أكثر مما يقضيه في الفصول الدراسية، وقد ترك المدرسة في سن الـ 15.

حصل ديبارديو على أول مبلغ من المال عن طريق بيع السجائر والمشروبات الكحولية والمخدرات التي يقوم بتهريبها إلى فرنسا الجنود الأمريكيون. وقد عمل حارساً شخصياً للمومسات، واعترف بأنه قام، من حين لآخر، بأعمال الدعارة من أجل المال. لم يؤد الخدمة العسكرية لأن مستشفى للأمراض النفسية شخصه كمريض ومنحه تقريراً عن فرط نشاطه المرضي.

كان بالكاد يحفظ حوارات أفلامه. ويقول المخرج برتراند بيلير، “كان يضع في أذنه سماعة أثناء التصوير، وكان كسولا للغاية بحيث يتعذر تعليمه، وقد سمحت له هذه التقنية بتصوير ما بين خمسة وسبعة أفلام روائية كل عام.

في 1971، تزوج ديبارديو من الممثلة إليزابيث غينو وهي أم ابنيه الأولين (الممثل المتوفى غيوم والممثلة جولي)، وقد تطلقا بعد 25 عاماً، وبعد انفصاله عن إليزابيث، أنجب ابنته روكسان من عارضة الأزياء كارين سيلا، ثم حافظ على علاقة طويلة (من 1997 حتى 2005) مع كارول بوكيه العارضة والممثلة والمخرجة السينمائية، وفي عام 2006، رُزق بولده جين من هيلين بيزوت الفرنسية كمبودية الأصل. ومنذ عام 2005، عاش ديبارديو مع الروائية الأمريكية خريجة هارفرد كليمنتين إيجو، لكن علاقته بها شابها التوتر في أعقاب اتهامه بالتحرش الجنسي.

في نهاية آب 2018، قالت أمرأة لا يُعرف عنها أية معلومات إن ديبارديو اغتصبها واعتدى عليها جنسياً في مقر إقامتها في الحي السادس بباريس مرتين. نفى ديبارديو هذه الاتهامات بشدة، لكنه اضطر للذهاب إلى الشرطة للإدلاء بشهادته.

كمواطن فرنسي، كان ديبارديو اشتراكياً مع فرانسوا ميتران لكنه شارك لاحقاً في التجمعات الانتخابية التي دعمت نيكولا ساركوزي، المرشح اليميني لرئاسة فرنسا، ثم أعلن نفسه صديقاً حميماً لفيدل كاسترو قبل أن يعتبر نفسه صديقًاً لفلاديمير بوتين الذي منحه الجنسية الروسية عام 2013. كما منحه بنفسه جواز سفره الجديد.

كان ديبارديو اختار روسيا هرباً من دفع الضرائب، ثم اختار بعدها بلجيكا لنفس الغرض قبل أن يعود إلى بلاده من جديد.

يقول الممثل ميشيل بيلورج، أحد أصدقاء ديبارديو: “إنه مفتون بالقوة، وهذه هي طريقته في قيادة حياته”.

شارك هذا الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!