شهداء المجاعة..!

عبد العلي جدوبي
تناقلت مختلف وسائل الإعلام العالمية كارثة التجويع التي استفحلت في قطاع غزة، في أبشع حالة إنسانية شهدها القرن الواحد والعشرين بسبب الحصار الاسرائيلي المضروب على القطاع من دخول المساعدات الغذائية والدواء، مما زاد في أعداد وفيات الاطفال والمسنين، وما تزال أعداد أخرى مهددة بالموت من يوم لآخر، مع الأخذ في الاعتبار أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية حظرت عمليا نشاط المنظمة الأممية والوكالات التابعة لها في القطاع، من تقديم أية مساعدات طبية ومواد غذائية!
وتقول السلطات الفلسطينية في غزة أن الناس باتوا يصابون بالغماء بسبب التجويع، في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار على طالبي المساعدات! وتقول التقارير أن نصف مليون فلسطيني معرضون الآن لخطر الوفاة. مما دفع الهيئات الأممية لى وصف ما يحدث بأنه واحد من أسوء حالات التجويع التي صنعها الإنسان في القرن الحالي.. إنها وصمه عار على جبين الإنسانية ..
الجوع في غزة يقضم الأجساد الهزيلة المنهكة للأطفال والمسنين عبر أمعاء فارغة، هؤلاء وصلوا إلى المرحلة الخامسة من سلم المجاعة الكارثية _ حسب اليونيسيف – والعالم “المتحضر” يراقب هذه المأساة الإنسانية عبر شاشات التلفزيون، ويتلذ المواطن في الغرب بتناول الهمبورغر ويتمعن ثانية في مشاهدة اللقطات عبر جهاز التلفاز لأطفال يزحفون على بطونهم فوق أديم أرض غزة من فوق الخراب وبين حطام المنازل، بحثا عن كسرة خبز أو حبات من الأرز أو قطرة ماء، وتزداد صور المأساة قتامة عندما يظل ملياران من المسلمين من المتفرجين غير مبالين بما يقع، والجوع ينخر أجساد الاطفال، يسافر بين الأخبية والخيام ويتجول داخل البطون الفارغه!
وفق اليونيسيف فإن معدل الموت سجل أزيد من 900 شهيدالجوع، كما أن 71 ألف طفل يحتاجون بشكل عاجل إلى علاج لمواجهة سوء التغذية؛ ويظل هدف إسرائيل الإجرامي هو تحقيق رهان إنهاك الأجساد، حتى لا تقوى على حمل الروح المفعمة بالصمود والصبر .
في تقرير لمنظمة أوكسفام لشهر يونيو الماضي، حددت المنظمه العراقيل التي تمارسها سلطة الاحتلال الإسرائيلية لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وذلك بسيطرتها على جميع المداخل البحرية والجوية والمعابر، ولم تفتح سوى معبرين، لكنهما لا يعملان بشكل كامل، وتقوم بإجراءات استفزازية وذلك بالتفتيش غير المبرر، بعد ترك الشاحنات تنتظر لأزيد من 20 يوما، وتقوم بين الفينة والأخرى بشن هجمات على عمال الإغاثة، وحسب التقرير المشار إليه فقد قتل 364 من العاملين في المجال الصحي والإنساني 165. وعندما تسمح سلطات الاحتلال بتقديم مواد غذائية فإنها تقدم فقط أغذية منتهية الصلاحية، مما يسبب في تسمم للأطفال، وهي تدرك تماما انعدام الدواء ، لذلك يظل أولئك الأطفال يتجرعون الألم، وقد يفارقون الحياة في أية لحظة .
العرب والمسلمون غائبون عن هذه المآسي الكارثية التي تحدث في غزة؟ لماذا يبقى الصمت هو السمة الغالبة أمام الجرائم الإسرائيلية؟ إن الصمت وغياب ضمير العالم لن يجدي نفعا طوال الفترة الطويلة من الترقب وانتظار القادم من الأحداث، وتاريخ القرن الواحد والعشرين أصبح يكتب في منحى جديد يعكس الانطباع بأن الظالم والمتجبر على حق! والحقيقة تلاشت في زمن زيف المبادئ تحت وطأة الصمت والخذلان .
وما يثير الاشمئزاز في النفس أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا (توم باراك)، عندما سئل عن المجاعة في غزة، أجاب بأن أمريكا لا تستطيع فعل أي شيء، أو تجبر الحكومة الإسرائيلية التراجع عن سياستها!! مع العلم أن العالم برمته يعرف أن إسرائيل ما هي إلا ملحقة عسكرية أمريكية .