إسبانيا ومعضلة السياحة في المغرب

إسبانيا ومعضلة السياحة في المغرب

 مدريد:  عبد العلي جدوبي

ماذا ينقص قطاع السياحة في المغرب ليكون رائدا يستقطب ملايين السياح، من كل الأقطار وعلى مدار السنة؟

ماذا استفاد القطاع من توجيهات وبيانات مكاتب الدراسات التي تصرف لها الملايين دون جدوى ودون حصيله تذكر؟

ما الفائدة من صرف الملايين على مؤسسات أجنبية للترويج للسياحة في عدد من الدول الأوروبية، إذا كانت الحصيلة لا ترقى إلى ما صرف من العملة الصعبة؟

لماذا نجح جيراننا الإسبان في استقطاب الملايين من السياح سنويا، (استقبلت اسبانيا 53.73 مليون سائح خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2024، وبزيادة 12%، مقارنة بنفس الفترة من العام 2023، وفق المعهد الوطني الاسباني للسياحة. كما يتوقع هذا المعهد أن يتجاوز عدد السياح الرقم القياسي المسجل خلال السنة الحالية 2025 ليصل إلى ما بين 85 و 88 مليون سائح!

ماذا ينقصنا إذن؟  لدينا شواطئ رائعة على امتداد 3500 كلم، وتتوفر بلادنا على مناظر خلابة قل  نظيرها، من جبال وتلال وأنهار وسهول.، ومآثر تاريخية ضاربة جذورها في أعماق التاريخ في العديد من المدن المغربية، وفي مجال الفنون المعاصرة.. لدينا متاحف ومعارض للفنون التشكيلية، ونتوفر على تنوع ثقافي وفني غزير، ومؤلفات للكتاب والأدباء المغاربة، ومسارح شيدت مؤخرا بمواصفات عالمية، ومشهود لبلادنا بفنون الطبخ المغربي الأصيل والمتنوع، كما أننا نتوفر على أطر وكفاءات مهنية عالية في مجال الفندقة والتسيير ، وعلى يد عاملة مدربة، وبنية تحتية مهمة وطرق سيارة بمواصفات عالمية..

فماذا ينقصنا إذن ؟

لماذا ما يزال المتعاقبون على تدبير وتسيير قطاع السياحة عندنا من وزراء ومسؤولين في هذه القطاع يتطلعون إلى استقطاب 10 ملايين سائح كل سنة! وهو نفس الرقم الذي ظل يتردد على مسامعنا منذ ما يزيد عن ربع قرن وإلى اليوم؟ وفي الوقت الذي انخرطت فيه العديد من الدول النامية في عمليه التطور العلمي والتقني الحديث، الذي شمل العديد من الجوانب الخدماتية بقطاع السياحة، مما جعلها تحقق نتائج مهمة من حيث الإيرادات، ومن حيث إحداث مناصب شغل جديدة، وما يبعث على الاستغراب حقا أنه في عز موسم السياحة الصيف الماضي “فضلت” السيدة وزيرة السياحة، قضاء عطلتها في (زنجبار)، تاركة الجمل بما حمل كما يقول المثل..!

كما أن الأرقام التي تصدر عن الوزارة المغربية للسياحة حول أعداد السياح الوافدين على بلادنا كل سنة، هي أرقام غير دقيقة وتفتقد للمصداقية!

لماذا يصر  القائمون على قطاع السياحة ببلادنا على استنساخ تجارب الدول الأخرى، علما أن لكل برنامج خصوصيته وإمكاناته المادية والبشرية وظروفه التاريخية في تشخيص نقاط الجذب السياحي وتحليل أسعار الخدمات السياحية المعروضة  لدى الدول المنافسة؟

وهل السياحة في المغرب تقتصر على مدينة مراكش دون غيرها من المدن المغربية؟ وما حظ المدن الأخرى التاريخية من الترويج السياحي؟

هذا، ومن بين السلبيات التي تعيق تطور قطاع السياحة ببلادنا أبرزها يكمن في عدم احترام المواعيد من قبل الجهات المنظمه للقطاع.  وبالتالي عدم انتظام الرحلات الجوية، فالموسم السياحي يرتكز فقط على فصل الصيف وليس على باقي فصول السنة! كما أن ارتفاع الأسعار وأثمنة المبيت في الفنادق والخدمات المرتبطة بها، وجشع بعض العاملين بالقطاع لا يشجع الزائر الأجنبي على العودة إلى المغرب مرة أخرى، بل قد نجده ينصح أصدقاءه ومعارفة بعدم قضاء عطلتهم بالمغرب، بسبب طرق النصب والاحتيال على السياح ، بدءا من خروجه من بوابة المطار حتى العودة ثانية من حيث أتى. هذه العشوائية  في تسيير القطاع  يظهر جليا الافتقاد لتصور شمولي حول منهجية واضحة لتطوير السياحة ببلادنا.

ووفقا لمسح أجراه موقع السفر الأمريكي Trip com حول البلدان الأقل أمانا للمسافرين، أن مسألة أخد الحذر في المغرب مصدر قلق كبير للسياح الأجانب، لا سيما في المدن الكبرى والمناطق السياحية، كما أوردت الخارجية الأمريكية في تقرير لها تحذيرات وتوجيهات حول وجهات السفر والسياحة – في الصفحه المخصصة للمغرب –  محذرة النساء بالخصوص من ولوج أماكن خالية، وأخذ الحيطة والحذر  اثناء التسوق، وعدم ارتداء ملابس قصيرة أثناء التجوال في الأماكن العامة بالمغرب، ووجوب أداء المشتريات بواسطة البطاقة البنكية..

نجاح السياحة في الجارة الإيبيرية إسبانيا يرجع بالأساس إلى العنصر البشري العامل بالقطاع، وبالقطاعات الأخرى المرتبطة بها، وهم يعتبرون العمود الفقري لكل النجاحات، فهؤلاء يتعاملون مع السياح من مختلف الجنسيات بمثابه زبناء دائمين، وليس كزبناء عابرين، وذلك بتقديم الخدمات وبتوفير كل شروط الراحة..

في حوار خاص، صرح لي مسؤول اسباني تابع للمعهد الوطني للسياحة بمدريد “أن  احترامنا لزبنائنا هو أهم شيء يجعلهم زبناء دائمين لنا، ويعملون في نفس الوقت على تلميع صورة السياحة في اسبانيا عندما يعودون الى بلدانهم وهذا ربح لنا”.

العنصر البشري إذن  هو نجاح السياحة في إسبانيا، فمثلا سائق سيارة الأجرة في هذا البلد لا يستغل السائح أو ينصب عليه عند خروجه من بوابة المطار.. حامل الأمتعة بالفندق يؤدي واجبه بكل نشاط وأمانة، يستقبل الزبون كضيف مرحب به، لا يضايقه ولا يبدي أي سلوك للتذمر أو للمسكنة أمامه، أو يتحول إلى متسول.!!  الأثمنة جد مناسبة في كل الفنادق المصنفة  أو غيرها، وهي في متناول كل فئات السياح إسبان وأجانب، وهناك أيضا أثمنة خاصة للعائلات وللمتقاعدين..  عند مدخل المطاعم توضع لوحات تعرض أثمنة المأكولات والمشروبات، وعلى السائح أن يختار ما يناسبه، إذ يعرف عند انتهائه من تناول وجبته مبلغ الفاتورة الواجب أداؤه  للناديل، فلا توجد مفاجآت عند الأداء.. ثمن المشروبات في المقاهي تكاد تكون موحدة تقريبا .. جل مطابخ المطاعم إن لم نقل جميعها تصميمها مفتوح على قاعة تقديم الوجبات والمشروبات، وهو تصميم يقصد منه معرفة  إظهار نظافه المطبخ وظروف اشتغال العمال والطباخين بداخله، وعلى نظافه المكان.. فالنظافه شيء أساسي لدى الإسبان..

الشوارع في اسبانيا وأزقتها نظيفة، وسائقو  السيارات يحترمون ممر الراجلين، ويحترمون بعضهم البعض، فلا وجود لأصوات لمنبهات أو لصراعات أسبقية المرور بين السائقين، ولا وجود لأصحاب الجيليات الصفراء من “حراس السيارات”، أو لجيش المتسولين أمام المطاعم أو خلف أبواب الفنادق!  فكاميرات الشرطة حاضرة في كل مكان، ولا وجود لشرطة  المرور بالشوارع.  الكل يعرف ماله وما عليه من واجبات واحترام لقانون السير .

الشعب الاسباني شعب معروف بشخصيته المرحة وبكرم الضيافة. شعب عاشق للموسيقى، خصوصا موسيقى الفلامينكو العريقة.. شعب يعشق  أطباق المأكولات التقليدية، ويكون سعيدا في فترات الاحتفالات الموسمية المختلفة.. شعب محب للحياة، متفائل شغوف بحضوره مباريات كرة القدم، وهو ما جعل الحياه في اسبانيا  ميسورة  التكلفة مقارنة بالدول الأخرى، أرخص بنسبه 21% على مستوى الأوروبي من حيث انخفاض الأسعار المحلية، وتحسين أسعار صرف العملات التي تمكن من جذب السياح .            

شارك هذا الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!