إِنْذَار بِانْزِلَاق الجَماعات والشُّعوب نَحو اِنْتِحَار جَماعي شَامل!

إِنْذَار بِانْزِلَاق الجَماعات والشُّعوب نَحو اِنْتِحَار جَماعي شَامل!

رحمان النوضة

سُؤال: مَا عُيوبـنا، نحن البَشر؟

جَواب : نَحن البَشَر، لَا نَتَحَكَّم بشكل عَقْلَانِي في مَصِيرِنَا الجماعي. وَعَـقْلِيَتُنَا الفَردية والجَماعية مَريضة. وَنَحن لَا نُدرك ذلك. فَكَيْفَ يُمكننا أنْ نَقوم بِوَاجب دراسة عَقليتنا الجَماعية المَريضة، وفهمها، وَنَـقْدُها، وَتَـقـويمها، وَتَثْوِيرُها، إذا كُنّا لَا نَـعِـي أنها مَريضة.

سُؤال: وما نَتيجة ذلك؟

جَواب: أنا مُقتـنـع أننا، نحن البَشَر، ذاهبون كلّنا، وَبِالتّأكيد، إلى كارثة شَامِلَة، أو نََكْبَة كَوْنِيَة، أو فَنَاء جَماعي مُذْهِل. والخطير في الأمر، هو أنّه، بِقَدر ما يَعمل الحُـكَّام على مُعالجة المشاكل المُجتمعية، أو العَالمية، بمَنَاهِج المَنْطِق الرأسمالي المُفْتَرِس الفَاسِد، بِـقَدر ما يُسَهِّلُون، أو يُسَرِّعُون، السُّـقُوط في الهَاوِيَة العُظْمَى، أو الثُـقْب الْأَسْوَد (black hole). ورغم خُطورة هذا الانحدار الـقاتل، فإنه يَـبـقـى غير مَحْسُوس. ولَا يُلاحظه سوى أقلّية قَليلة من العُلَمَاء، أو المُثَـقَّـفِـين الثّوريِّين.

سُؤال: ومَن هم الأعداء ؟ وأين تَراهم ؟

جَواب: يَجب على كلّ مُواطن أنْ يَـعرف أنّ الشُّعوب لها أعداء، وأنّ هؤلاء الأعداء يُضِرُّون بِالشُّعوب، وَبِطُرق شَتَّى. بَعضها جَلِيّ، وبعضها خَفِيّ. وبعضها داخلي، وبعضها خارجي. وهؤلاء الأعداء يَدفعون الشُّعوب نحو الْاِلْتِبَاس، أو التِّيه، أو الضَيَاع، أو الضَلَال، أو الْاِسْتِلَاب (alienation)، أو الهَلَاك، أو المَوت، أو الفَنَاء. وَمِن بين أعداء الشّعوب، نَجد، ليس فـقط القِوَى الرّأسمالية، والإمبريالية، والاستعمارية، ولكن نَجد أيضًا الحَرَكَات السياسية الدِّينِيَة (religious)، والحركات السياسية الهُوِيَّاتِيَة (identity-based). سَواءً كانـت هذه الحَركات عَلَنِيَّة، أم سِرِّيَة. وَتُوجد «حَركات دِينِيَة» يَهودية، أو مسيحية، أو إِنْجْلِيكَانِيَة، وإسلامية، وَهِنْدُوسية، الخ.  [وَحَركتي حَمَاس، والجِهَاد الإسلامي، ليستا حَركتين دِينيّتين دَعَوِيَّتَيْن، وإنما هما حركات تَحرّر وَطني].

سؤال: ولماذا تُصَنَّـف الحركات الدِّينية، والحركات الهُوِيَّاتية، ضِمن أعداء الشُّعوب؟

جواب: لأن هذه الحَركات الدِّينية، والحركات الهُويّاتية، تُضَلِّل المُواطنين، وَتَزُجُّ بهم في صراعات مُصْطَنَعَة، وَمَغلوطة، وَمُخرِّبَة، أو قاتلة. وَتَسْتَبْدِل (هذه الحَركات الدِّينية، أو الهُوِيَّاتِيَة) الصِّراعَ الطََبَـقِـي بين الطَبقات المُسْتَـغِلَّة والطَبقات المُسْتَـغَلَّة، بالصِّراع بين الأديان، أو بالصراع بين الطَوائـف الدِّينية، أو بالصِّراع بين الهُوِيَّات الـقَبَلِيَة، أو العِرْقِيَة، أو الإِثْنِيَة، أو الجِهَوِيَة، الخ. والمُدْهِش هو أنّ مُجمل الحَركات الدِّينية، والحَركات الهُوِيَّاتِيَة، لَا تَنْتَـقد الرّأسمالية، وَلَا الإمبريالية. بَل تُهادنها، أو تَتحالـف معها، أو تَسْتَـقْوِي بها.

سؤال: وَمَن تَتَّهِم؟

جواب: كلّنا مُتّهمون. لأننا كلّنا مَسْؤُولون. لكن «الأعداء» الكبار هم المَالِكُون الكِبَار، وهم المُسْتَـغِلُّون الكبار، الذين يُهَيْمِنُون على المُجتمع، وَيَسُوقُـونَه، بِلَا رَحْمَة، إلى الهَلاك العظيم. وخُصُومنا هم الأشخاص «المُحافِظُون»، الذين يَرفضون تَـقـويم وَتَثوير المُجتمع. وهم الذين يُدافعون عن ما هو قائم، بِاعتباره «أحسن ما يُمكن أنْ يَـكُون». وهؤلاء «المُحافظون»، هم العَرْقَلَة الكُبرى ضِدَّ أيّ إصلاح سيّاسي، أو تَـغْيِير مُجتمعي.

سؤال: وما هي الأسباب؟

جواب: لَا أدري جيِّدًا الأسباب. لأنها كَثيرة، وَمتَنَوِّعَة، وَمُتداخلة، وَمُترابطة. لكنني أُحِسُّ أنّ الأسباب تُوجد في أنظمتـنا السيّاسية، أو في نَمَط إِنْتَاجِنَا الرَّأسمالي المُـفْتَرِس، أو في نَوْعِيَة ضَمائِرنا البَشَرِيَة «الأنانية»، أو في هذه البِنْيَات جَميعها.

سؤال: وما هي هذه الأسباب الكثيرة؟

جواب: السبب رقم 1، هو أنّ مَنطق «الرّأسمالية» المُفتـرسة، هو مَنطق أناني، وَبَلِيد، وَمُناقض لِـ «الحياة المُشتـركة»، في «مُجتمع مُشترك». وَمَنطق الرّأسمالية هو مَنطق مُضْطَهِد، وَمُخَرِّب لِلمُجتمع، وَمُنـتج لِحُرُوب هَدَّامَة، وَلَا مُنتهية.

سؤال: أَعْطِنِي الأسباب الأخرى المُحتملة؟

جواب: السّبب رقم 2، هو أنّ «الرّأسمالية» تَسُوقُنَا حَتْمًا إلى قَتْل العَـقْـل النَّـقْدِي، وَإلى تَحطيم الإنسان، وَتَخريب المُجتمع، وَتَدْمِير البِيئَة، وإغراق المُواطن في اِسْتِلَاب (alienation) قَاتِل.

سؤال: ثُمّ ماذا؟

جواب: السَّبَب رقم 3، هو أنّ إِلَاهَنَا الفِـعْلِي، والأكبر، والأعظم، والمُشترك، والْأَوْحَد، أصبح هو «المَال»، وهو «المِلْكِيَة الخاصّة الأنانية».

سؤال: ثمّ ماذا؟

جواب: السّبب رقم 4، هو أنّ مَنطق المَلَكِيّات العَربية المُستبدّة، كل المَلَكِيّات العَربية المُستبدة، هو مَنطق أناني، وَمُتَخَلِّف، وسَخيـف، ومُخرِّب للمُجتمع. وَلَا يَرى المُلُوك العَرب، وَخُدَّامُهم، مِن سَبيل إلى ضَمان دَوَام هذه المَلَكِيّات العَربية المُستبدّة، سِوَى عَبر تَخريب الجُمهوريات العَربية (مثلما حدث في العراق، وليبيا، وسوريا، والصُّومال، والسُّودان، ولُبـنان، واليَمن، الخ). وأنجزت المَلَكِيّات العَربية هذا التَخريب بِتَحالف، وَبِتَعاون، مع الإمبرياليات الغَربية، وإسرائيل. وحتّى بِالتَّعاون مع الإمبريالية التُّرْكِيَة. وَيَظُنّ مُلوك وأُمراء هذه المَلَـكِيّات العَربية المُستبدة، أنّ اِستمرارها يَتطلّب إِبْـقاء الشُّعوب وَالمُجتمعات الناطقة بالعربية في حالة «اِنْحِطَاط مُتواصل». وَيَستحيل أن تَتـقدّم، أو أنْ تَتحرّر، الشّعوب الناطقة بالعربية، إذا ما بَـقِيَت هذه الأنظمة المَلَكِيَة العربية المُستبدّة قائمة.

سؤال: زِدْنِـي مِن العَوَامِل المُمـكنة؟

جواب: السّبب رقم 5، هو أنّ عَقل الإمبريالية العالمية، المُهيمنة على العالم، هو عَقل أَرْعَن، وأناني، وَمُخادع، وَعُدواني، وَغَازٍ، واستـعماري، وَقَتَّال. بَل تَـقتل الإمبريالية البَشَرَ بِمِئَات الآلاف، بدون اِكْتِرَاث بِالأخلاق، وَلَا بالـقانون الدّولي، وبدون أيّة صَحْوَة لِلضَّمِير.

سؤال: وماذا بعد؟

جواب: السّبب رقم 6، هو أنّ الإمبرياليّات العالمية تَستـغِلُّ الـقانون الدُّوَلي إذا كان في مصلحتها، وَتَخرقه بشكل سَافر كُلَّمَا كان في غَير مَصلحتها. وَتَـقـول الدّول الإمبريالية الغَربية المُهَيْمِنَة على العالم، وفي كلّ يوم، للدّول الضّعيـفة : «إذا لم تُلَبُّوا مصالحي، سَأُهَاجِمُكم عسكريًّا». ثم تُهاجمها فعلًا. وَتُطيح الإمبرياليات بالحُكّام «الوَطَنِيِّين»، أو «التَّـقَدُّمِيِّين»، وَتُعَوِّضُهم بِحُكّام عُمَلَاء، أو خَاضِعِين، أو خَوَنَة. ولا تَحدث لَا مُراقبة، وَلَا مُحاسبة، وَلَا عِقاب.

سؤال: وماذا أيضًا؟

جواب: السّبب رقم 9، هو أنّ الصَّهْيُونية المُسْتَـعْمِرَة، ورغم حَماقة أَيْدِيُّولُوجِيَتِهَا، تَـفَوَّقَت في التَأْثِير على مُجمل الدّول الغَربية الـقـويّة. وَتَحَكَّمَت في شَبـكاتها المالية والإعلامية. وَتَلَاعَبت بِعُقـولها. وَأَسْكَتَت ضَمائرها. وَلَوَّثَت فِـكْر مُثَـقَّـفِـيها. بَل الجَوْهَر المُسْتَلَب الكَامِن في مُجمل الإمبرياليات الغَربية، هُو أصْلًا مَنْ أَنْتَج إسرائيل. وإسرائيل هي بِنْت الإمبرياليات الغَربية. وهي الجَوْهَر المُسْتَلَب، وَالمَرَضِيّ، وَالمُشتـرك، في مُجمل الدّول الغَربية الإمبريالية.

سؤال: وماذا بعد؟

جواب: السّبب رقم 10، هو أنّ النُّـكْتَة الخَبِيثَة، بَل المُحَيِّرَة، هي أنّ الصّهيونية، هي في عُمْقِهَا، التَّحْرِيـف الأكثر بَلَادةً، وَتَخَلُّفًا، وَإِجْرَامًا، تُجاه الْـعَـقل البَشَرِي.

سؤال: خُدْ رَاحَتَك، أنا مُستـعد لِلاستماع إليك، واعْرِض عَلَيَّ ما تُريد مِن أُطْرُوحَات؟

جواب: طَيِّب. السّبب رقم 11، هو أنّه مِن المُستبعد أن تَدخل مُسْتَـقْبَلًا “الولايات المُتّحدة الأمريكية” في حرب مُباشرة مع الدّول الصّاعدة الـقـوية، مثل رُوسيا، أو الصّين، أو كُورْيَا الشّمالية، أو إيران. رُبَّما لأن الأسلحة النَّوَوِيَة، الـقادرة على إِحراق مُجمل كَوْكب الأرض، تُشَـكِّل رَادِعًا مُتَبَادَلًا (mutual deterrence).  لكن الإمبرياليات الغَربية سَتَشُنّ بالتّأكيد عدّة حُروب مَحدودة، أو مَدروسة، أو غَير مُباشرة، على دُوّل ضَعيـفة، مَوجودة، على الخُصوص، في بُلدان “العالم الثّالث” (مثل سوريا، ولبـنان، واليَمن، وفينيزويلَّا، الخ). بما فيها بُلدان في العالم الناطق بالعربية.

سؤال: ولماذا هذا الهُجوم المُتواصل على البُلدان العَربية؟

جواب: لأن مُجتمعات العالم النّاطق بالعربية، تَقَعُ في مَواقع «جِييُو اِسْتْراتيجية»، أو تَحتوى على ثروات «اِستراتيجية». ولأنّ المُجتمعات العَربية هي اليومَ الأكثر ضُعْفًا، وَتَخلّفًا، وَانْحِطَاطًا، في عالم اليوم. ولأن الإمبرياليّات تُهاجم الدّول الضّعيـفة، وَتتلافى الدّل القويّة. وَسَيُعَانِـي مَلايين من المُواطنين مِن هذه الحُروب الإمبريالية.

سؤال: وكيـف تُؤثِّر إسرائيل؟

جواب: السّبب رقم 12، هو أنّ إسرائيل سَتـنهار حَتْمِيًّا. وبقدر ما تَقتـرب إسرائيل من اِنهيّارها، بِـقَدر مَا تَتصاعد شَراستها، وَيَتَـقَـوَّى عُنـفها، وَيَتَضَخَّم فَتْـكُهَا بِالفَلسطينيِّين. وَيَتـزايد تَخريبها للبلدان المُجاورة لها. ويهدف هذا التَصعيد الإسرائيلي في العُنـف، والتَـقْتِيل، والتّخريب، إلى إقناع العَرب المُعادين لإسرائيل بأنّ هذه الأخيرة ما زالت «قويّة». لكن «قُوّة» إسرائيل تُخـفـي ضُعفها البِنْيَوِيّ.

سؤال: وإلى متى ستـدوم قـوّة إسرائيل؟

جواب: تُوجد جَدَلِيّة عَميقة. حيث لَا تَـفْهم إسرائيل، وَلَا الإمبرياليّات الغَربية أنها، بِـعُدْوَانهَا المُتَوَاصِل، والمُخَرِّب، ضدّ الشّعوب العربية، تُسَرِّع «صَحْوَة» هذه الشُّعوب العَربية. وَلَو أنّ هذه «الصّحوة» قد تَتطلّب عشرات السِّنين. وَمِن حيث لَا تَدري، تُوقِظُ إسرائيل والإمبرياليات الغَربية وَعْيَ الشّعوب العَربية. وَتَجعلها تُحِسُّ بِخُطُورة تَخَلُّفِهَا السياسي، أو بِانْحِطَاطِهَا المُجتمعي. وحينما سَيَـكْتَمِل اِنْهِيَّار إسرائيل في مُستـقبل غير مُحَدَّد، سَيـكتمل، في نَفس الوقت، اِنهيّار إمبريالية “الولايات المُتّحدة الأمريكية”، وأوروبّا الغَربية، وَحِلْف شمال الأطلسي (NATO). وهم يُشـكِّلون الـقُطب الوَحيد الـقَديم والمُهيمن على العالم. وَهُم كُلُّهُم مُترابطين. وَسَتـنهار هَيمنة «الـقُطب الوحيد»، وَسَيُعَوِّضها «تَـعَدُّد الأقطاب المُهيمنة».

سؤال: وكم ستـكون كُلـفة هذا التَـغيير؟

جواب: قبل أن تَرْضَى أمريكا بانهيّارها، أو قبل أنْ تَـقبل بِهَزِيمتها، سَتـكون قد خَرّبت أعدادًا هامّة من البُلدان الضّعيـفة في العالم. وَقبل أُفُول الإمبريالية الأمريكية المُهيمنة، سَيُـعَانِي مِئَات المَلَايِين من البَشر عبر العالم مِن عُنـف هذه الإمبرياليّات الغَربية، ومن خِدَاعِهَا.

سؤال: وماذا بعد؟

جواب: السّبب رقم 13، هو أنّ «الْأَنَا» الطَبِيعِي، والتِلْـقَائِـي، الكَامِن في كلّ شخص بَشَرِي، يَميل بشكل لَا يُـقَاوَم إلى «الْأَنَانِيَة»، ثم الانـتهازية، ثم الغِشّ، ثم الكَذِب، ثم النِـفَاق، ثم الاحتكار، ثم يُشَجِّع على اِرتكاب الجَرائم المُتَنَوِّعَة وَالمُمَوَّهَة. والـفاعل الأنانـي (سواءً كان فردا، أم جماعة، أم دولة)، لَا يُدْرِك أنّه أنانـي.

سؤال: وَمِن بَعد؟

جواب: السّبب رقم 14، هو أنّه، في أنظمتـنا السيّاسية والمُجتمعية الحالية، يَصْعُد الأشخاص الجُهّال، وَيَتَرَقَّى البُلداء، وَيَتَسَلَّقُ الأنانيّون، وَيَنجح الانـتهازيّون، وَيُـكَرَّم المَدَّاحُون، وَيُـكَافَأُ المُنْحَازُون، وَيَـغْلُب المُنافقون، وَيُهَيْمِن المُسْتَلَبُون (alienated)؛ وفي نَفس الوقت، يُهَمَّش العُلماء، وَيُضْطَهَد الحُـكماء، وَيُـقْـهَر المُناضلون، وَيُنَحَّى النّاقِدُون، وَيُبْعَد المُبْدِعُون، وَيُهان الفنّانون.

سؤال: وَمِن بَعد؟

جواب: السّبب رقم 15، هو أنّ أنظمتـنا السيّاسية والمُجتمعية الحالية، بَارِعَة في إِنْتَاج التَضْلِيل، والْاِسْتِلَاب (alienation)، وَالرَّدَاءة، وَتَرْقِيَّتِها، وَتَـعْمِيمِها، وَتَقْدِيسها.

سؤال: وماذا أيضًا؟

جواب: السّبب رقم 16، هو أنّنا جَميعًا ضَحايا لِـ «بَلَادَتِنَا المُجتمعية»، وهي «بَلَادة مُشتـركة»، وَمُتَوَارَثَة، وَقَابِلَة لِلنَّسخ، وَلِلتَّنَاسُل، وَحتّى لِلْعَدْوَى.

سؤال: وماذا أيضًا؟

جواب: السّبب رقم 17، هو أنّنا نَحن جميعًا بَارِعُون في مُناصرة الرَّدَاءَة السّائدة، وفي إِعَادَة إِنـتاج التَخَلُّف، والْاِسْتِلَاب (alienation)، والتَمَلُّك الخُصُوصي، والاستـغلال، والاضطهاد، والاستبداد.

سؤال: أَزِدْنِي مِن الأسباب المُمكنة؟

جواب: السّبب رقم 18، هو أنّنا، نُلاحظ باستـغراب، في إطار هَيمنة الرّأسمالية والإمبريالية على العالم، تَزَايُد نِسْبَة الحُكّام، أو رُؤساء الدُّول، الذين هُم مِن صِنـف الجُهَّال، والبُلداء، والمَغْرُورين، والسَّطْحِيِّين، والمُتَعَجْرِفِين، والمُسْتَلَبِين (alienated)، والذين يُـفَـكِّرون بِـغرائز أَنَانِيَة، أو بِدَائية، أو حَيوانية، أو عُدوانية، أو اِستـعمارية، أو عُنصرية. وفي نَفس الوقت، يَتَحَـكَّمُون في جُيوش وأسلحة قادرة على إحداث «دَمَار شَامل». أو يَتَحَكَّمُون في كَمِّيَات هائلة مِن الأجهزة والأموال، التي تَـقدر على شراء الكثير مِن الضَّمَائِر، وعلى إِرْشَاء العَديد مِن العُـقُول، وعلى إِفْسَاد مُعظم المُؤَسَّـسات الوطنية والعالمية.

سؤال: رُبَّما أنّ تَشاؤمك يَجعلك لَا تَرَى أَمَلًا في الأُفـق؟

جواب: أنا لَا أهتمّ بأنْ أكون مُتَـفَائِلًا، أو مُتشائما، وإنما يَعنيني أن أكون مَوْضُوعِيًّا. المُهم هو رؤية الواقع كما هو، سواءً كان مُتـفائلًا، أم مُتَشَائِمًا. وَبِدُون الـقُدرة على رُؤية الواقع كما هو، تُصبح مُجمل أفكارنا، بما فيها المُتَشَائِمَة أم المُتَـفَائِلَة، مَشْكُوك فيها، أو بِدُون قِيمَة.

سؤال: أَلَا تُبالغ شيئًا مَا ؟ وهل «الانـتحار الجَماعي» ممكن فعلًا؟

جواب: بِالتَّأكيد، «الانـتحار الجماعي» مُمكن ! وَيُمكن أنْ تَنـتحر بشكل جماعي، إمّا جَماعة مُعيّنة، أو شَعب مُحدّد، أو البشرية جمعاء. بَل يُمكن أن يَحدث «اِنـتحار جماعي»، حتّى لَوْ لَم يَعمل أَيّ طَرف مِن بين الـقِوَى البَشَرِيَّة المُتصارعة، بشكل وَاع وَمُنظّم، مِن أجل إحداث هذا «الانـتحار الجماعي». يَـكـفـي مثلًا أن يَرتـكب البَشر أخطاءً سيّاسية اِستـراتيجية، غَير وَاعية، وَقَاتلة. مثال رقم 1 : اِنـتحرت بشكل «جماعي» الجماعة الدينية المُسمّاة «مَعْبَد الشّعب» (People’s Temple)، تحت قـيّادة قُسّ أمريكي يُدعى جِيمْ جُونْزْ (Jim Jones). وقد وَقع هذا «الانتحار الجماعي» في 18 نونبر 1978، في مستوطنة جُونْزْتَاوْنْ (Jonestown)، الواقعة في غُويَانَا (Guyana)، في أمريكا الجنوبية. وَبَلغ عدد الـقَتلى 914 شخص. مِثَال رقم 2 : تَذَكَّر «الحَرب البَارِدَة» السّابقة بين المُعسكر الاشتـراكي، والمعسكر الرأسمالي الإمبريالي (بين سنـتي 1917 و 1990). خاصةً وأن هذه «الحرب الباردة» ما زالت مُتواصلة بأشكال مُختلفة. وَمِن المُمكن أن يَتسبّب مُجرّد «سُوء تَـفَاهُم» مُفاجئ بين الدُّول النَوَوِيَة إلى اِشْتِـعال حَرب نَوَوِيَة. وَقَد تُؤَدِّي إلى إِحراق كَوكب الأرض بِكامله بِسُرعة فائـقة.

سؤال: هذه الأمثلة خاصّة شيئًا مَا.

جواب: يَنْـقَسِم «الانـتحار الجماعي» إلى أصناف مُتـنوِّعة. وَقَد يَـكون «الانـتحار الجماعي» بالمَـعنى الـفِـعْلِي، أو بالمَعنى المَجَازِي، وهو الأكثر اِنتشارًا. وقد يَكون «الانـتحار الجماعي» بَطِيئًا أو سَريعًا، وَاعِيًّا أو غَير وَاعٍ، مُنظّمًا أو عَفْوِيًّا، مَطلوبًا أو غَير مَرغُوب فيه، الخ. وسواءً تَـعَلّق الأمر بالحيوانات أم بالبَشَر، فإنّ الحَياة تَبْـقَـى، في نـفس الوقت، صَلْبَة، وَهَشَّة. وَيُمكن للحياة أن تَتَنَاسَل، كما يُمـكنها أنْ تَـفْـنَـى.

سؤال: وهل حدث هذا عبر التاريخ؟

جواب: «الانـتحار الجماعي» و «الإبادة الجماعية» هُما وَجْهَان لِظَاهرة واحدة مُعقّدة. وَعَبر التّاريخ، سَبق أنْ تَـعرّضت عدّة شُعوب بشرية لِلْفَنَاء، أو لِلإبادة. وَسَابِقة «الإبادة الجماعية» لِـ «الهُنود الحُمر»، السُـكَّان الأصليُّون لِقَارّة أمريكا الشّمالية، ثم سَابِـقَة «الإبادة الجماعية» الجارية اليومَ في قِطَاع غَزَّة الفَلَسْطِينِي المُحاصر، التي تُنجزها إسرائيل. وَتُدَعِّمُ هذه «الإبادةَ الجماعيةَ» في غَزَّة مُجمل الإمبرياليّات الغَربية. وَتَتَوَاطَأُ بِشَأن هذه «الإبادة الجماعية» مُجمل الدُّول العَربية (باستـثناء اليَمَن). ومثال «الإبادة» في غزّة يُذكِّرنا بإمكانية حُدوث ظَاهِرَة «الانـتحار الجماعي» حتّى في العَصر الحَديث.

سؤال: هل تُوجد عَلامات تَدلّ على احتمال «الانـتحار الجماعي»؟

جواب: خُذْ مثلًا ظَاهرة تَصاعد اِنْـقِرَاض العديد مِن أَصْنَاف الحَيوانات في العالم (بسبب الـقَنْص، أو بسبب تَلَوُّث البيئة، أو بِسَبب احتلال البَشر للأراضي التي تَـعيش فيها هذه الحيوانات). وَيُمكن تَأْوِيلُ ظَاهرة تَـعدّد اِنْـقِراض أَصْنَاف الحَيَوانات، كَـعَلَامَة على قُرْب اِنـقراض مُحتمل للجنس البشري هو نَـفسه. خاصةً وأنّ ما نَرتـكبه، نحن البَشر، مِن حَماقات مُدَمِّرَة وَقَاتِلَة، يَـفوق بكثير الحماقات التي تَرتـكبها الحيوانات. وحياة النَبَاتَات، والحَيوانات، والبشر، هي كلها مُتـرابطة بشكل عَمِيق.

سؤال: لِإِثْبَات أُطروحتـك، أعطيني وَلَوْ مِثال واحد على «انـتحار جماعي» لِلبشرية.

جواب: لَا يُمكنني أنْ أُعطيك وَلَوْ مثال واحد على «اِنـتحار جماعي» للبشرية. وَلَوْ حَدَثَ مثال واحد على «انـتحار جماعي» للبشرية، لما بَـقِينَا هُنا، نحن البَشر، مَا زِلْنَا نَتَجَادَل حول فَرَضِيَّة «الانـتحار الجماعي».

سؤال: وهل تَـعتـقد أننا مُهدّدون بِحُدوث «انـتحار جماعي» في المُستـقبل؟

جواب: بِالمَـعنى المَجازي، نحن الشّعوب الناطقة بالعربية، نَـعيش في حالة «اِنـتحار جماعي» قَدِيم، وَمُستمر، وغير مَرْئِي. ولماذا ؟ لأننا، حُكّامًا وَمَحْكُومِين، نَتَحَمَّلُ، أو نَـقْـبَـلُ، العَيْشَ في حالة تَخَلُّف مُجتمعي، وَنَـقْـبَـل الحياةَ في حالة اِنْحِطَاط مُجتمع دائم. وَنَرْضَى بِالأنظمة السيّاسية القائمة، حتّى وَلَوْ أنها تُؤَبِّد الجَهل، والتَخَلّف، والبِطَالة، والـفَقر، والاستبداد، والـقَمع، والاضطهاد، والتَبَـعِيَة لِلإمبرياليات الغَربية، وللاستـعمار، ولإسرائيل.   

سؤال: وهل مِن تَسَاؤل؟

جواب: التَسَاؤل الضّاغط هو التّالي: إلى مَتَى سَيَستمر هذا الضَّلَال الجَماعي المُشترك ؟ أنا لَا أَدْرِي الجَواب. وَمِن مِنظار شَخص مُتَـفَائِل، قَدْ يَستمر هذا التِّيه إلى أنْ تَحدث صَحْوَة ثورية، وعارمة، لِمُجمل الضَّمَائِر الإنسانية. وَمِن مِنْظَار شَخص مُتَشَائِم، قَدْ يَستمرّ هذا الْاِنْحِطَاط، إلى أنْ يَحدث «انـتحار جماعي» لمُجمل البشرية. وهو اِنْتِحَار مُحتمل، وَمُتَوَقَّع، وَبَلِيد، وَعَبَـثِـي، لكنّه مُسْتَحَقّ. وآنَئِذٍ، أيْ بَعد اِنطلاق صَيْرُورَة هذا الانـتحار الجماعي، سَنَـكُون قد تَجاوزنا نُـقطة الْـلَّاعَوْدَة. لأن كل حَضارة تـكون مَبـنية على الظُّلم، يَكون مصيرها الحَتْمِي هو الْاِنْهِيَّار. ولأنّ الظُّلم، هو المَدخَل لِلْـفَنَاء الجَماعي…

سؤال: وهل مِن تَساءل آخر؟

جواب: التساؤل الْإِضَافِي، وَالمُكَمِّل، هو التّالي : هل البَشر قادرون على عَـقْلَنَة أفكارهم، وسُلُوكِيَّاتِهِم، بِمَنهج يأخذ بعين الاعتبار «عَيْشَهم المُشتـرك»، في «مُجتمع مُشتـرك» (وطني، وعالمي)، مع ما يَسْتَوجِبُه هذا «العَيْش المُشترك» مِن تَعاون، وَتَكامل، وَتَضَامُن ؟ والمُدهش في هذا التساؤل، هو أنّ البَشر، ولو بعد تاريخ يُعَدُّ بِآلاف السِنِين، لَم يُثْبِتُوا بَعْدُ أنّهم قادرين على إِنْجاز هذه العَـقْـلَـنَـة في أفكارهم، وَفي سُلوكيّاتهم المُجتمعية. 

لَقَد بَلَّغْتُ حَدَسِي. فَلْيَتَأَمَّل العَاقِلُون، قبل فَوَات الأَوَان، إنْ كان هذا التَأَمُّل مُمكنًا ! والمَدخل لِلْـعِلَاج قَد يَكون هو : النَّـقد المُتبادل، والمُراقبة المُتبادلة، والمُحاسبة المُتبادلة، والعِقَاب العَادِل، والجَزَاء المُسْتَحَقّ، والعَدالة الثّورية، والصِرَاع الطَّبَـقِـي، والجُرأة على التَـفْـكِير، والجُرأة على النِضَال، والجرأة على المُبادرة، والجُرأة على الإنتاج، والجرأة على التَّضحيّة، والجرأة على المُشاركة في الثّورة المُجتمعية، والجرأة على الانـتصار.

رحمان النوضة، 20 نونـبر 2025

شارك هذا الموضوع

رحمان النوضة

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!