فــالانـتيـنا روخــاس.. فراشـة الشعر التي لا تكـف عن البحث عن الضوء
أجرى الحوار وترجمه: إلياس الطريـبق
فـالانتينا روخــاس Valentina Rojas، شاعرة وأستاذة وفاعلة ثقافية كولومبية من مواليد عام 1998. تُساهم في العديد من المنصات الرقمية الأدبية في بلادها، وتشارك في الملتقى الفني والثقافي لمجلة “إنومبرابل”، كما تعد عضوًا في اللجنة المنظمة لـ لقاء شعراء المكسيك في حوار مع شعراء العالم ومهرجان الشعر في كويرنافاكا.
أصدرت كتابها الثنائي اللغة عري الظل / The Shadow’s Nakedness» (2023). وكانت عضوة لجنة التحكيم لجائزة R.H. Moreno Duran للشباب تحت 35 عامًا، ولـ الجائزة الوطنية الأولى لكتاب القصة للأطفال Yolanda Reyes .
نشرت نصوصها في أنطولوجيات شعرية عديدة ومجلات ومواقع إلكترونية، كما تُرجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والإيطالية والعربية.
س: أولًا، أشكرك على قبول الـدعوة. ولنبدأ بالسؤال الكلاسيكي: كيف جئت إلى الشعر؟
جئت إلى الشعر كما يأتي المرء عندما يفتح أمامه باب منزل مهجور غامض؛ هذا البيت هو بيت من كلمات. وما يغفل عنه المرء أحيانًا، هو أن هذا الباب، يمنحنا ولادة جديدة، واعترافًا بما ظلّ يُلِحُّ بلا اسم. هكذا صارت القصيدة انعكاسًا، وبدأت يد الطفلة تنسج المرايا.
س: لقد نشرتِ ديوانًا بعنوان: «عري الظل». يحمل هذا العنوان دلالة كبيرة. ما الفكرة الأساسية لهذا الديوان؟
فكرة هذا الديوان هي البحث عن النور، ليس النور الباهر الأعمى، بل النور الذي ينبعث من الأماكن التي نتجنب النظر إليها؛ هو عري كل ما خبأه الظل. النور يشبه حافة الهشاشة، حوار بين قوتين لا تتناقضان فعليًا، بل تحتاج إحداهما إلى الأخرى لكي يبرز الجوهر.
س: تُرجمت قصائدك إلى الإنجليزية والإيطالية والعربية والبرتغالية، وتحولت كذلك إلى أعمال فنية سمعية وبصرية. كيف يتحوّل الشعر إلى مادة حية باستخدام التكنولوجيا وفنون أخرى كالرسم، الموسيقى والتصوير؟
أرى أن هذه الوسائط هي مجرد وسائط عبور؛ لا تُحسّن القصيدة ولا تحلّ محلها، بل تجعلها قابلة لاختبار أشكال أخرى من الحساسية، فتسمح لها بالسفر، بالتنفس في فضاءات أخرى، بلقاء أنظار ربما لم تكن لتلتقي عبر صفحة مطبوعة. بلا شك، هي مسارح يفتح فيها القصيد وجوهًا جديدة.
س: في قصيدتك «الاستيقاظ» استخدمت رموزًا شعرية مثل «النار»، التي تمثل الشغف الداخلي والقوة الخيالية، وربطتها باليد كأداة للإبداع الفني والشخصي. ما القوة التي تمنحك إياها الكتابة؟ وهل هذا التحليل دقيق؟
تحليل دقيق جدًا؛ فالنار مرتبطة بالأصابع لأن عبرها يـتِمّ الفعل الإبداعي، اليد هي الحد الذي يبدأ فيه العالم الداخلي بالتشكل. وما تتيحه الكتابة بالضبط لي هو: جعل كل شيء أكثر قابلية للمس. تلك الحقائق، كل ما كان نارًا فقط يتحول إلى خط، كلمة، فعل. مع إدراك أن ليس كل ما يحترق يمكن ترويضه بالكامل، دائمًا يبقى هناك فراغ، تمتمة تتسرب إلى الصمت.
س: شعرك مليء بالنور، حيث تبدين في قصيدتك كفراشة تطارد الحياة. هل تعتقدين أن هذا مثال جيد؟
صورة الفراشة في الحقل المضيء جميلة وموحية، لأن جوهر كتابتي هو البحث المستمر، والاعتراف بالهشاشة والحركة، ليس من بحث ساذج عن النور، بل لأنها توحي برقصة بين من يمنح نظره وبين ما يغيره هذا النظر، إنها عملية تسليم.
س: تحضرين كثيرًا وبانتظام في اللقاءات الدولية بأمريكا الجنوبية ودول أخرى. ما القيمة المضافة لهذه اللقاءات للشاعر؟ وهل من الممكن أن تسرقه من ذاته؟
أرى أن المشاركة في اللقاءات الدولية جعلتني أفهم أن الشعر لا يُصنع من الانعزال فقط، بل من الإصغاء المتأمل أيضًا. هذه الفضاءات توسّع الأفق، تكتشف أصواتًا أخرى، جغرافيات أخرى، طرقًا أخرى للتسمية، للاعتراف بالإنسانية التي تغمرنا. إنها تبادل يسمح برنين جماعي، لا أشعر فيه بأن المرء يُسرق من ذاته؛ بل المشاركة بالكلمة توسّع الأفكار أو تعطيها مسارات جديدة، فتدرك أن صوتك يطعم الآخرين، وفي هذا التبادل، كل شيء ثراء.
س: مررتِ بمرض خطير، وخرجتِ منه أقوى. كيف يمكن للشاعر استخدام ألمه بشكل إيجابي؟
الكلمة دائمًا إمكانيّة والألم ليس أرضًا يختارها المرء، لكن الشعر يسمح بأن تتحول التجربة، الخوف، التسليم على حافة الظل، إلى معرفة أن اللغة عناقٌ ممتَدّ، وأن التسمية أيضًا طقس طرد وسحر. الكلمة هي الحافة الرطبة التي يمكن الاستناد إليها، لأنها وهي تحاول إعطاء معنى لأي حدث، تظل تلك الشعلة الوحيدة المضيئة.
هناك يجد الشاعر أن البقاء على قيد الحياة شكل من أشكال البصيرة؛ بين الكلمات يمكن اكتشاف أن الألم هو الآخر كشفٌ، والفعل الإبداعي ممكن حتى تحت الظل إذ إن الإبداع فعل حياة يتفوق على الموت.
س: من هم الشعراء الأقرب إليك؟
نحن دوما سلسلة أصداء لأصواتٍ أخرى. ومن بينهم: أولغا أوروزكو، هوجو موجيكا، روساريو كاستيلانوس، ماريا ميرسيدس كارانزا، راؤول غوميز جاتين، بلانكا فاريلّا، كاميليو ريستريبو، خوان إستيبان لوندوغو، كارلا جاسمين أرنغو، روبرتو خوارروز، ليون دي جريف، أرتورو كوركويرا، خايمي خراميلو إسكوبار، وسيسلافا شيمبورسكا، عمر خيام، رابندرانات طاغور، فرناندو بيسوا، إميلي ديكنسون، خوسيه ليزما ليما، راكيل لانسرّوس، وغيرهم كثير أقرأهم وأحملهم معي دائمًا.
س: متى سنرى المزيد من إصداراتك؟ وهل تكتبين في أنواع أدبية أخرى؟
في هذه الأيام سأقدّم كتابًا قصيرًا بعنوان «أشكال النور»، وهو أحدث أعمالي. في الوقت نفسه أعمل على إصدار جديد يجمع بين التصوير الفوتوغرافي والشعر. نعم، أكتب في أنواع أخرى: مقالات، سيرة قصيرة، وقصص.
س: كلمة أخيرة لقرائك في المغرب والعالم العربي.
أود أولًا أن أشكركم على هذا الفضاء، على القراءة المتأنية، والنظرة الكريمة الرحيمة. وشكرًا على التزامكم بالكلمة.
للقراء المتحسسين تجاه كل ما يمر بنا، أود القول إن التسمية، القدرة على القول، الكلمة دائمًا محور تحويل تحت أي ظرف من الظروف، إنها أداة للنسج، الشكر، التكريم، الاحتجاج، والشفاء. تحمل إمكانيات لا حصر لها، فلا شيء يستطيع كـتم صوت الباب حين يُفتح، إذ في ما لا يمكن توقعه، وفي ما لا يُفكّر فيه، يكمن الشعر.
